الاثنين 5 كانون الأول (ديسمبر) 2011
لم يتعب من الدفاع من أجل العدالة للفلسطينيين...

فرانسيس كو كاه سيانغ (1947 - 2011)

الاثنين 5 كانون الأول (ديسمبر) 2011 par د. فرانكلين لامب

توفّي «فرانسيس كو كاه سيانغ» في 20 تشرين الثاني/ نوفمبر من هذا العام.

وفضلاً عن الأسباب الكثيرة التي ستجعل أصدقاءه ومحبيه يفتقدونه بمرارة، إلا أنه سيترك فراغاً بين الكثيرين منا نحن الذين لطالما ألهمنا عمله في قضية حقوق الفلسطينيين. كان «فرانسيس كو» ولم يزل أيقونة بين أيقونات كثيرة، إلا أن أحداً لا يشبهه من العرب والمسلمين، أو من «الشرق أوسطيين» المرتبطين بفلسطين ثقافياً وسياسياً منذ ولادتهم، إلا أولئك الداعمين للقضية الفلسطينية.

لم يتعلّم معظمنا، وخصوصاً الغربيين والأميركيين على ما يبدو، شيئاً عن يوم النكبة في المدارس. إلا أن الكثيرين، ولربما بمحض الصدفة ولسبب أو لآخر، قد احتكوا مباشرة بالقضية الفلسطينية ومن خلال معرفتهم بالظلم الكبير الذي حل بالفلسطينيين، لا يمكن أن يقفوا غير مبالين دونما عمل حيال ذلك. وكان «فرانسيس» أحد هؤلاء الأفراد.

وإني لشديد الندم لعدم معرفتي الشخصية به لفترة طويلة بالرغم من أن أحدنا يعرف اليسير عن الآخر. ولكننا التقينا أخيراً مع مرور الزمن، وكان ذلك قبل أربعة عشر شهراً من وفاته المفاجئة والمبكرة التي حصلت الشهر الفائت. وفي لقائنا ذاك علمت أي نوع من الأشخاص كان «فرانسيس» وشيئاً عن مسيرته الطويلة من أجل تحقيق العدالة.

ومنذ أكثر من خمس سنوات مضت، كنت أعرف أشياء عن عمله اللافت عبر زوجته، وهي صديقة لي، جرّاحة العظام الكبيرة والمحسنة المعروفة الدكتورة «سوي تشاي آنغ» التي احتضنت اللاجئين الفلسطينيين ودعمتهم على مدى ثلاثين عاماً سواء عبر الرعاية الصحية لإنقاذ حياتهم من القصف العشوائي الثقيل داخل مخيم شاتيلا للاجئين الفلسطينيين ومستشفى غزة في بيروت، أو من خلال عملها المتواصل من أجل عودة اللاجئين إلى فلسطين. وتضمّن العمل الأخير إلقاء محاضرات وحضور لقاءات في مختلف دول العالم برفقة زوجها الحبيب «فرانسيس» في بعض الأحيان، الذي كان مؤيداً ومستشاراً وشريكاً لها.

كان التاريخ شهر أيلول / سبتمبر من العام 2010 عندما التقيت بـ «فرانسيس» شخصياً خلال زيارته بيروت للمشاركة في إحياء الذكرى الثامنة والعشرين لمجزرة صبرا وشاتيلا في أيلول / سبتمبر من العام 1982، وقد لقي استقبالاً في مكتب حملة الحقوق المدنية الفلسطينية وشارك في برنامج صعب من الأنشطة خلال زيارته تلك. وكان من البديهي أن ذلك الإنسان كان شخصاً ساحراً ومحباً للحياة بحيث كان إمضاء الوقت والعمل معه مصدرا سرور كنت أتمنى أن أحظى بهما.

وطول الفترة التي أمضاها في لبنان كان يأخذ ديلزة صفاقية خاصة بالفشل الكلوي بين ثلاث إلى أربع مرات يومياً.

وبحسب ما قالته قريبته «ميليسا»، فإن «فرانسيس» كان غالباً ما يستعمل عصا المشي خاصته كعمود لتعليق سوائل الديلزة بما في ذلك خلال زيارته لمعلم «مليتا» السياحي الذي شيّده «حزب الله» في جنوب لبنان.

ويستذكر «فرانسيس» بحنين كيف حاول الحارس في معلم «مليتا» السياحي أن يساعده علماً أن هذا النوع من الديلزة البديلة المؤقتة بدا غير مألوف بالنسبة إليه. أما في الحافلة المتجهة جنوباً لزيارة مخيمات اللاجئين الفلسطينيين، فكان «فرانسيس» يسلي الركاب بالإنشاد، ومن بين الأناشيد التي أنشدها كان نشيد «بلادي» العربي الجميل الذي يجسد الثورة الفلسطينية، وكان يعقّب بمخاطبة نفسه عن أصل الأنشودة وتفسيره لها.

ولم يكن الكثيرون من ركاب الحافلة مطلعين على خلفية «فرانسيس». أما «فرانسيس كو كاه سيانغ» فقد ولد في عائلة سنغافورية كاثوليكية بيراناكانية مترابطة. وفي صباه، غنّى «فرانسيس» مع «آل كو المغنين» برفقة إخوته، وكان منذ ذلك الحين شغوفاً بالعمل من أجل حقوق المظلومين. وحالما قبل في نقابة المحامين في سنغافورة، بدأ «فرانسيس» العمل على قضايا الحقوق المدنية الحساسة التي كان يفضل معظم المحامين تجنب الخوض فيها.

وكان «فرانسيس» قد عرف في وقت مبكر قبل تخرجه بأنه محام عن المظلومين، ومؤخراً حينما أصبح نائب رئيس جمعية طلاب الحقوق، عارض مقدمة «شهادة المطابقة»، وحارب إبطال النظام القضائي في سنغافورة، وأدان القصف العشوائي الإجرامي ليلة الميلاد على «هانوي» بناء على أوامر الرئيس «نيكسون».

وقبل ذلك بوقت بعيد وجد «فرانسيس» نفسه متهماً بمخالفة قانون الأمن الدولي في سنغافورة، والذي استخدم بين 1977 و 1987 للقبض على السنغافوريين الذين سجنوا من دون محاكمة. وبعد أسبوعين من زواج «فرانسيس» والدكتورة «سوي تشاي آنغ» في كانون الثاني / يناير من العام 1977، أتت الشرطة الدولية للقبض عليه. وقد أتت السلطات أيضاً وراء زوجته لتهديدها بالقبض عليها علماً أنها كانت تجري عملية في غرفة العمليات. وتلقائياً، وعقب الاستجواب المتواصل، والمنع من النوم، والحبس الإفرادي، تم إخلاء سبيل «سوي» كجزء من خطة الحكومة لإغراء «فرانسيس» بالعودة إلى سنغافورة بعد أن هرب منها متجهاً إلى إنغلاند حيث بدأت رحلة نفيه من بلده التي دامت ثلاثاً وأربعين سنة. وبعد ذلك، لحقت «سوي» بزوجها وطوّرا مهنتيهما في لندن.

وقد كتبت قريبة «فرانسيس» مؤخراً : «يمكنهم طرد فرانسيس من سنغافورة، ولكنهم لا يستطيعون طرد شعب سنغافورة من داخل فرانسيس»، إذ أنه تابع سير الأحداث في بلده، وارتدى تكراراً تنورة «سارونغ» البيراناكانية، وكتب عن بلده وعن الأنشودة الشهيرة بعنوان «زهرة البونغارايا تتفتح كل النهار». وكان «فرانسيس» يتمنى أن يكون عام 2011 عام الربيع السنغافوري.

وفي السياق نفسه، رأى بعض الأصدقاء توازياً بين رغبة «فرانسيس» في العودة إلى وطنه وبين عقود مناصرته لحق الفلسطينيين في العودة إلى بلدهم.

كان «فرانسيس كو» محسناً موهوباً. وكانت مواهبه متعددة نذكر منها توظيف علمه القانوني في تحدي الظلم واستخدام طاقته وقدراته التنظيمية في الدفاع عن المظلومين كإضراب عمال المناجم عن العمل في المملكة المتحدة عام 1985، والعمل كمدير «الحرب على الفقر»، التي أنشأها رئيس الوزراء البريطاني السابق «هارولد ويلسون» بالاشتراك مع زوجته وأصدقائهما «باميلا وديريك كوبر»، وتقديم الدعم الطبي للفلسطينيين وشغل منصب نائب الرئيس بين عامي 1984 و 2007، ومنح الأعمال الخيرية الأخرى وقته وقدراته.

وكان «فرانسيس» شغوفاً بالكتابة، وعلى وجه الخصوص كتابة المقالات، والأشعار والأناشيد، فضلاً عن التصوير والرسم. وقد أنتج مهارة فريدة خاصة كما تقول قريبته «ميليسا» التي تقوم حالياً بفترة التدريب الجراحي وتستعمل المصطلح الطبي «الذاكرة التخيلية» في وصف ذاكرة عمها التصويرية التي منحت «فرانسيس» القدرة على استذكار الصور والأصوات والأشياء بدقة لا سابق لها.

لقد عاش «فرانسيس كو» حياة كاملة وقيمة، وترك هذا العالم ذاهباً إلى مكان أفضل ذلك أنه أمضى عمره في العمل من أجل العدالة. والذين يتقاسمون معه هذا الالتزام في تحرير فلسطين والعودة الكاملة للاجئيها الذين يبلغ عددهم ستة ملايين سيدفعون الجزية لـ «فرانسيس» في مواصلة العمل من أجل السلام والعدالة.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 13 / 2165838

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

24 من الزوار الآن

2165838 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 20


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010