الاثنين 5 كانون الأول (ديسمبر) 2011

فصل جديد من كتاب الثورة السورية بقلم : برهان هنري ليفي

الاثنين 5 كانون الأول (ديسمبر) 2011 par نصري الصايغ

[**I ـ الخطر على الثورة السورية*]

الثورة السورية في خطر. نجاحها في الصمود لأكثر من ثمانية أشهر في مواجهة آلة النظام الأمنية، يمنحها شرعية المشروع الديموقراطي، ويزكي دماءها في دفع قضيتها إلى التجسد، في إمكانية إقامة نظام سياسي ديموقراطي يتحرر من القيود، متعدد الآراء والميول والاتجاهات، ثري التطلعات والإنجازات.

هذه الثورة في خطر.. النظام ألجأها إلى طلب العون من الشيطان، بل من الشياطين، الذين لا يمتّون بصلة قربى للحرية والديموقراطية والتقدم والحداثة والإبداع. فأكثرهم، في المدى العربي، ظلامي في السياسة، نهّاب في الاقتصاد، تاجر قضايا رابحة، يشتري مواقفه بحقائب مالية غنية وغزيرة، وأكثرهم كذلك، إن لم يكن كلهم، قمعي بنسبة ما، تبعي بنسبة 99,99 بالمئة، معتدل بمستوى التخلي عن فلسطين، وبمستوى محارب بالأجرة ضد الممانعة.

هذه الثورة في خطر ممن يمد لها يد المساعدة، ليحرفها عن مسارها الوطني، بحجة حمايتها وحماية دماء أبنائها من السفك اليومي، الذي ترتكبه قبضة النظام.

[**II ـ الخطر من فلسطين*]

تساءل كثير عن فلسطين في حراك الثورات العربية، كانت القضية مغيّبة، والأعلام الفلسطينية التي ارتفعت لماما، عادت واختفت، والهجوم السلمي على السفارة «الإسرائيلية» في القاهرة، والذي ووجه بعنف وبطش دمويين، اتهم «مرتكبوه» بأنهم مرتزقة ويشبهون «قادة معركة الجمل» في ميدان التحرير.

برر كثير من المراقبين هذا التجاهل. قالوا: «الآن نحن في مواجهة الاستبداد. فلسطين، ليس وقتها الآن». حاول كثير الاقتناع، دفاعاً عن الثورات التي كانت تدفع ثمناً باهظاً في ميادين التحرير... قال البعض: فلننتظر. قد يستعيدون فلسطين، ويقيمون لها حيزاً، في بياناتهم وتصريحاتهم وخطبهم ولقاءاتهم المتلفزة، ولو كان هذا الحيز كلاماً إنشائياً... كان هذا المتوقع من «الثوار»، يثلج قلب المؤمن بأن فلسطين ليست عارضاً طارئاً، بل هي الأم التي يلتئم حولها شأن النضال وشؤون المناضلين... ولو بعد حين.

لذلك، اندفع كثيرون لتبرئة الثورة السورية من تبعات حضور بعض «القادة» و«الممثلين» لتيارات «ليبرالية» و«إسلامية» لمؤتمر نظمه ودعا إليه، برنار هنري ليفي، أحد أبرز جنرالات السياسة «الإسرائيلية»، والذي ينشر «قواته» في مناطق النفوذ الدولية، والذي يجهز الخنادق «الإسرائيلية» بذخيرة المواقف والآراء، والذي يتجرأ على ارتكاب المديح الدائم، لجيش الدفاع «الإسرائيلي»، حتى بعد مجزرة جنين، والذي ابتدع تهمة فذة، إذ اعتبر ان محمد الدرة، طفل الانتفاضة الأمثولة، قد قتل بسبب والده، ولأنه تعمد ان يكون في مرمى النيران «الإسرائيلية».

يومها، أعلن برهان غليون رفضه المشاركة، فاطمأن قلبنا... وقلنا : آمنا بالثورة.

[**III ـ الخطر من الثورة*]

تبين بعد أشهر قليلة، أن فلسطين يجب ان تبقى بعيدة. ممنوع حضورها. بل مطلوب باستمرار حذفها من أي جملة أو فقرة أو نص أو تصريح... بل مطلوب أكثر، إرسال إشارات واضحة ان هذه الثورة ليست مهتمة بفلسطين، إذ عليها إنجاح ثورتها في بلدها. (لبنان أولاً، تونس أولاً، مصر أولاً، الثورة السورية أولا... رحم الله الشيخ بيار الجميل، الذي كان فلسطينياً ولو كانت فلسطينيته كشاهد زور، لأنه كان معيباً بلبنان أولاً، وقبله، بالموارنة أولاً).

لا مزاح البتة في العودة إلى الشيخ بيار الجميل. تابعت ما كتب في جريدة «الأهرام»، بعد انتصار ثورتها، وسقوط دكتاتورها، وقرأت عشرات المقالات والتعليقات اليومية، ولم أقع على نص سياسي يناقش القضية الفلسطينية، ومسار الثورة معها، حتى ان البعض عندما لامس القضية، نظر إليها من خلال مسألة «الشرق الأوسط»، واتفاقيات كامب ديفيد، ومعبر رفح والمصالحة الفلسطينية.

لا مزاح أبداً مع العودة إلى منظري الانعزال اليميني، (المسيحي نوعا ما) الذين يلتقي معهم عدد من قادة الثورة الفعليين والرمزيين. فإثر نجاح الثورة في تونس، واستقرار الوضع الديموقراطي بعد الانتخابات على فوز حزب «النهضة» الإسلامي بقيادة راشد الغنوشي، أعلن هذا الأخير، «ما يهمني هو تونس... لدي نموذج وتجربة («الصيغة» بلغة الجميل وأترابه) أريدها أن تنجح. فيما الآخرون مهتمون بفلسطين وليبيا.. الكل مهتم بمصلحته الخاصة، ومصلحتي هي تونس».

الغنوشي تبرأ من فلسطين في واشنطن لينال الرضى الأميركي ورضى المقربين من «إسرائيل»، ولكنه أيّد «حماس»، لأنها حكومة منتخبة ديموقراطياً. كأن «حماس»، أحد فروع الاشتراكية الدولية، التي تتآزر في ما بينها. «حماس»، لباسها ديموقراطي. وهذه قيمة مضافة إلى جهادها من أجل تحرير فلسطين، فلسطين دينها السياسي، ومن دونه، لا قيمة لانتخابها ولسلطتها ولشرعيتها في ظل الحصار والاحتلال، من دون فلسطين، تصير كافرة وتخرج من نطاق الجماعة المؤمنة بالتحرير والحرية والإنسان.

[**IV ـ الخطر من برنار هنري ليفي عربي*]

الدفاع الذي تبرع به كثيرون عن لقاء «سان جرمي» في فرنسا، سقط أمس. برهان غليون باع الثورة قبل أن تنتصر. أخرجها من كونها ثورة ضد الاستبداد، لتصبح ثورة في خدمة مشروع قديم، احتضنته دول التخلي العربية، (دول الاعتدال) وسوّقته بالمال، ودفعت إلى إنجاحه بتبني حربي «إسرائيل» على لبنان (تموز 2006) وعلى غزة منذ عامين تحديداً.

أسقط برهان غليون الثورة، وبفساد نادر الوجود، وانتهازية عز تقليدها. جعل الثورة في معسكر الاعتدال العربي، الذي التزم في نشاطه، على مدى أعوام، بعد زلزال 11 أيلول، ان يكون متواطئاً مع أميركا في ممارسة التعذيب، واستقبال المعتقلين بتهم الارهاب، واقتلاع أظافرهم وقلوبهم، للاعتراف بأدوارهم الارهابية السابقة و... اللاحقة. برهان غليون، يضع الثورة السورية، التي تتعرض للاعتقال (بالطبع ليس هو ولا أقرانه المنفيون طوعاً أو قسرا) والتعذيب والتشرد والتهجير والقتل، في طليعة دول الممانعة العربية، التي قبلت أن تكون الجبهة الأمامية في منازعة طهران، صاحبة الذنوب التي تغتفر، وأعظم ذنوبها، اعترافها بفلسطين من البحر إلى النهر، وأعظم جرائمها، دعم المقاومة في فلسطين وفي لبنان، عبر النظام السوري، الذي، برغم ما ارتكبه ويرتكبه في مواجهة أزمة الحريات، وضرورات الاصلاح، يبقى إحدى قلاع الذود والدعم للمقاومة (حماس وحزب الله وآخرون).

لم يذهب برنار هنري ليفي إلى ما ذهب إليه مقلده الجديد، برهان غليون. صهيونية ليفي أرشدته إلى طرق الاستفادة الدنيا من الثورات العربية ضمن إقرار الثوار في ليبيا بصيغة: «الاهتمام بعدالة فلسطينية وأمن «إسرائيل»». ومع ذلك، فقد أنكر أعضاء المجلس الوطني الليبي كل ما قاله ليفي... قد يكذبون. ولكنهم لم يتجرأوا على ما تجرأ عليه غليون.

الخوف من أميركا على الثورة كان حقيقياً. الخوف من ان يقود فرسان الخليج في الجامعة العربية الثورة، بدل ان تقودهم، كان شاغلاً لكثير من العقول. الخوف على الثورة كان دائما من خارجها: عدوها وصديقها. خوف عليها من النظام وبطشه، وخوف عليها من «حلفائها» الذين يأخذونها إلى تقليد حميد قرضاي، وأحمد الجلبي.

برهان غليون كرئيس للمجلس الوطني السوري، أعلن أنه فور سقوط النظام وتولي المعارضة الحكم، سيقطع العلاقات الخاصة بإيران و«حزب الله» و«حماس».

إلى أين أيتها الثورة؟ أليس مطلوباً من قادتها الميدانيين الميامين، أن يصححوا المسار. إذ لا يجوز على الإطلاق، أن يكون الشعار: الدكتاتورية أفضل من الثورة، إذا ما قورنت الدكتاتورية ومواقفها من المقاومة، بالثورة وسرعتها على التجاهل ثم التخلي إلى حد وقاحة الاصطفاف في الجانب المعادي.

ماذا لو كانت هذه الثورة قد انتصرت بالأمس؟ أما كانت قد تجرأت على الوقوف في عدوان غزة مع السعودية، وفي عدوان تموز مع جماعة فيلتمان ومعسكر السفارة الأميركية في بيروت.

لا يجوز ان يكون قلبنا على الثورة ومعها، فيما بعض قادتها يسنون الخناجر لطعن المقاومة في الظهر والصدر معاً.

[**V ـ بهدوء.. قبل فوات الأوان*]

الثورة السورية مطالبة بمراجعة مسارها، والبحث عن مساراتها الجديدة. يلزم أن تعيد صياغة استراتيجيتها قبل فوات الأوان : النحر أو الانتحار.

ثورة تونس لم تهزم. ثورة مصر لم تهزم. مسارات الثورتين باتت محتضنة بالآليات الديموقراطية. ليبيا تنتظر مصيرها الذي لا يكتب بيدها وحدها... والبقية كذلك...

تأخرت الثورة في البحرين، بسبب نجاح السلطة هناك في تحويل المطالب الوطنية والسياسية والاجتماعية، إلى مطالب طائفية تحركها إيران ويدعمها «حزب الله»... وفشلت الحركة الوطنية في لبنان عام 1976، بسبب احتضان الطائفية لقوى المعسكرين، ولتداخل المسألة الوطنية بالمسائل الطائفية وبالصراع الفلسطيني/ العربي/ اللبناني مع «إسرائيل».

وبسرعة تحول مشروع الحركة الوطنية إلى مسلسل من الحروب الأهلية والطائفية.

مسؤولية الثورة في سوريا، ان تبحث في الوسائل والآليات السياسية والنضالية، وفي تحالفاتها الإقليمية والدولية، كي لا تقع فريسة قوى، أقوى منها بكثير. ولا طاقة لها، إن وقعت في براثنها، (الدعم السياسي والمالي والإعلامي) على أن تخرج منها سالمة، إن ظلت على قيد الحياة.

مسؤولية الثورة ان لا تذهب إلى حيث يقال: ان النظام يجرها إلى فتنة طائفية. وأحد وجوه هذه الفتنة، استيراد الدعم السني ضد الشيعي إلى الداخل السوري، واستيراد قوى الاعتدال ضد قوى الممانعة، واستيراد السلام مع «إسرائيل» ضد القوى التي تقاتلها.

أخيراً، وبهدوء، نسأل الدكتور برهان غليون السؤال التالي: «هل تصدق نفسك عندما تقول ان سوريا بعد انتصار المعارضة، ستغير سياستها الخارجية وتخوض مفاوضات لاستعادة الجولان؟ أما كتبت مراراً عن عبثية التفاوض؟ ألم تعاين نتائج التفاوض؟ ماذا استرجع الفلسطيني بالتفاوض؟ ماذا استرجع السوري في التسعينيات بالتفاوض بعد مؤتمر مدريد؟».

ما تم استرجاعه من لبنان، كان بقوة المقاومة المسلّحة والتي تزداد تسلحاً وتزيد العدو قلقاً. وما تم استرجاعه من فلسطين (غزة تحديداً) كان بقوة الصواريخ البدائية الصنع، فكيف وقد باتت «إسرائيل» تخشى من تنامي القوة الصاروخية لـ «حماس»، فيما غزة تحت أعتى أنواع الحصار.

طبعاً لا جواب. لأن المعني بالإجابة، يلزم أن يكون على اطلاع بما يقوله برنار هنري ليفي، في كتابه الجديد عن دوره في الثورة الليبية.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 41 / 2165536

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

5 من الزوار الآن

2165536 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 6


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010