الاثنين 5 كانون الأول (ديسمبر) 2011

ليبرمان كداعية سلام وديموقراطية

الاثنين 5 كانون الأول (ديسمبر) 2011 par صالح النعامي

لقد بات هذا واضحاً وجلياً، «إسرائيل» بشكل علني تحاول تكرير تجربتها مع حسني مبارك مع المجلس الأعلى للقوات المسلحة في مصر، وتضغط بكل الوسائل لمنع تقليص صلاحيات هذا المجلس. لقد كشفت صحيفة «معاريف» «الإسرائيلية» النقاب عن أنّ وزارة الخارجية «الإسرائيلية» شرعت في شن حملة لإقناع دول العالم بعدم الضغط على المجلس الأعلى للقوات المسلحة لنقل صلاحياته للأحزاب والحركات التي ستحظى بثقة الناخب المصري. ومما يدلل على وقاحة النخب الحاكمة في الكيان الصهيوني، فقد بررت الحكومة «الإسرائيلية» حملتها بالقول أنّ تقليص صلاحيات المجلس الأعلى للقوات المسلحة يعني انفراد الحركات الإسلامية بمقاليد الأمور في مصر، مما يزيد من تهديد الاستقرار في المنطقة. إن كانت أسباب تعلّق «إسرائيل» ببقاء المجلس الأعلى للقوات المسلحة على رأس الحكم في مصر، تحتاج إلى بحث آخر، فإنّه من الأهمية بمكان مناقشة المزاعم «الإسرائيلية» بأنّ صعود الإسلاميين للحكم يهدد السلام والاستقرار ولن يجلب الديموقراطية، وذلك من خلال محاكمة السلوك «الإسرائيلي».

إنّ السؤال الذي يطرح نفسه : هل كان السلوك «الإسرائيلي» يشي باحترام «تل أبيب» لهذا «السلام»؟ ألم يهدد وزير الخارجية «الإسرائيلي» الحالي، الذي يطالب بالحفاظ على حكم العسكر في مصر بدعوى الحفاظ على السلام، بقصف السد العالي؟ ألم يوجه الإهانات حتى لمبارك من على منبر «الكنيست»؟ ألم تحرّض الكثير من الأوساط «الإسرائيلية» الكونغرس الأمريكي على فرض عقوبات على نظام مبارك، الذي وصفه «الإسرائيليون» أنفسهم بالحليف الاستراتيجي، عندما وجّه انتقادات عابرة للسلوك «الإسرائيلي»؟ ألم تتحدث «إسرائيل» دوماً عن كراهية المصريين بشكل عام لها؟

إنّ النخب الحاكمة في «إسرائيل» تدّعي أنّ صعود الإسلاميين للحكم سيسدل الستار على أيّ إمكانية للتوصل للسلام مع العالم العربي، في حين أنّ هناك الكثير من الشهادات لمسؤولين «إسرائيليين» تؤكّد أنّ الجماعات الدينية اليهودية تحديداً هي التي تسهم بشكل كبير في جعل التسوية مع العرب ضرباً من ضروب المستحيل. لقد سمح النظام السياسي «الإسرائيلي» للمرجعيات الدينية اليهودية، ليس فقط بالتحريض على إحباط مشاريع التسوية التي تطرح لحل الصراع، بل إنّه سمح لها بالدعوة لقتل الشيوخ والنساء والأطفال الفلسطينيين، دون أن تتعرّض هذه المرجعيات للمساءلة والعقاب. إنّ الرأي العام «الإسرائيلي» هو الذي يتبنّى مواقف بالغة التطرف من حل الصراع الفلسطيني «الإسرائيلي».

وفيما يتعلّق بالديمقراطية فإننا نجد أنّ الحركات الإسلامية في العالم العربي تتبنّى مواقف متقدمة جداً من الديمقراطية وقيمها، مقارنة بالحركات الدينية اليهودية، لا سيما تلك التي تمثّل في الائتلافات الحاكمة، فقد أعلنت جماعة «الإخوان المسلمين» التزامها بفكرة الدولة المدنية، بشكل واضح، في حين تدعو المرجعيات الدينية اليهودية الرئيسة بشكل صريح للفظ قيم الديمقراطية في حال تعارضت مع تعاليم التوارة.

ولا مجال هنا للحديث عن التمييز على أساس الدين والعرق الذي تمارسه «إسرائيل» ضد فلسطينيي الـ 48، والقمع الذي يتعرّض له الفلسطينيون الواقعون تحت الاحتلال «الإسرائيلي» في الضفة الغربية وقطاع غزة.

لذا لا يحق لـ «إسرائيل»، من ناحية أخلاقية، أن تعرض نفسها كما لو أنّها حريصة على السلام والديموقراطية في سعيها لشيطنة الثورات العربية لمجرد أنّها قد تقضي إلى سيطرة الإسلاميين على مقاليد الأمور بسبب موقفهم من التسوية والديموقراطية. لقد أدركت «إسرائيل» أنّ ثورات التحول الديموقراطي التي تجتاح العالم العربي قد مثّلت نهاية مرحلة من مراحل الصراع مع العرب، وتعي النخبة الحاكمة في «إسرائيل» أنّ هذه الثورات أبطلت الكثير من المسلّمات التي مثّلت منطلقات للسياسة «الإسرائيلية» تجاه العالم العربي، وهددت بالتالي القواعد التي حكمت السلوك «الإسرائيلي» إزاء العرب حتى الآن، وفتحت الباب على مصراعيه أمام الكثير من التحولات التي يمثّل بعضها تحديات استراتيجية من الطراز الأول للدولة العبرية. لقد اختصر موشيه يعلون المأزق الذي تعيشه «إسرائيل» في أعقاب الثورات العربية، عندما قال راثياً النظام الرسمي العربي الذي يمر في مرحلة تصدع : «الجني الذي تعرفه خير من الإنسان الذي لا تعرفه».

من هنا وجدت «إسرائيل» أنّه يتوجّب عليها محاربة الثورات العربية من خلال التشكيك في مآلاتها، ولم تجد وسيلة أفضل من توظيف فزّاعة الحركات الإسلامية، وتعميم انطباع مفاده أنّ هذه الثورات ستفضي إلى سيطرة الإسلاميين على مقاليد الأمور في العالم العربي، وذلك لأنّها تعتقد أنّ الصورة النمطية السائدة عن الحركات الإسلامية ستضمن لها تحقيق الأهداف التالية :

[**1-*] إقناع القوى المؤثرة في العالم بالتريث وعدم التدخل بشكل فاعل لإنجاح الثورات التي تعتمل حالياً في أكثر من قطر عربي، بذريعة أنّ نجاحها وإسقاط الأنظمة الديكتاتورية فيها قد يفضي إلى تولّي الإسلاميين مقاليد الحكم فيها. ومن جانب آخر، إقناع القوى العالمية بممارسة ضغوط على النخب التي تولّت مقاليد الحكم في الدول التي نجحت فيها الثورات لتقييد النظم السياسية المتبلورة فيها، بحجة أنّ هذه ضرورات تمليها الوقاية من خطر الإسلاميين.

[**2-*] توفير مسوغات لتبرير مواقف «إسرائيل» الرافضة لمشاريع التسوية التي تطرح لحل الصراع.

[**3-*] تعزيز مكانة «إسرائيل» لدى الغرب وتحديداً الولايات المتحدة استناداً للحجة «الإسرائيلية» القائلة أنّ الثورات العربية أثبتت أنّ «إسرائيل» هي الدولة الوحيدة التي بإمكان الغرب الاعتماد عليها، وما يترتّب على ذلك من تسويغ المطالبة بدعم اقتصادي وعسكري بحجة حماية «إسرائيل» من تداعيات هذه الثورات.

[**4-*] محاولة منع تغيير الصورة النمطية السائدة لدى الغرب عن الإسلام والحركات الإسلامية.

[**5-*] إعاقة توافق مكونات الجماعة الوطنية في كل قطر عربي على برامج وطنية تضمن إتمام عملية تحول ديمقراطي حقيقية، تمثّل متطلباً أساسياً يسبق أيّ نهضة تفضي إلى المس بموازين القوى القائم بين العرب و«إسرائيل».

إنّ ما تقدّم يفرض على مكونات الجماعة الوطنية في كل قطر عربي، وضمنها الحركات الإسلامية، إبداء أقصى درجات الحذر، والإسراع بالتوافق على برامج وطنية، تضمن إنجاز مهمة التحول الديمقراطي، مع كل ما يتطلّبه ذلك من إبداء أقصى درجات المرونة اللازمة لتحقيق ذلك. إنّ على مختلف التيارات السياسية في العالم العربي التي تؤمن بأهمية القطيعة مع عصر الطغيان والاستبداد أن تدرك أنّ إنجاز التحول الديمقراطي يتطلّب بذل أقصى جهد ممكن لتفويت الفرصة على «إسرائيل» ومنعها من تجنيد القوى العالمية لإعاقة فتح صفحة جديدة تفضي إلى إنجاز المشاريع النهضوية التي تغيّر مسار الصراع مع كيان الاحتلال.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 37 / 2178562

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

23 من الزوار الآن

2178562 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 24


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40