الاثنين 28 تشرين الثاني (نوفمبر) 2011
إهداء لأمين الجامعة وكافة المثقفين العرب الذين ينكرون التآمر الواضح ضد سوريا والأمة العربية

دور جامعة الدول العربية كأداة استعمارية

الاثنين 28 تشرين الثاني (نوفمبر) 2011 par د. محمد اشرف البيومي

أعلن وزير خارجية قطر قرارات جامعة الدول العربية الأخيرة «بحزن عميق» أثار العواطف وأذرف الدموع. وفي نفس الوقت حظيت الجامعة بإعجاب شديد لقراراتها في الدوائر الاستعمارية وبتأييد وحضور ممثل الناتو التركي وغياب سوريا.على سبيل المثال ما نشرته صحيفة «النيويورك تايمز» في عددها الصادر اليوم 28 نوفمبر تحت عنوان «جامعة الدول العربية توافق على العقوبات».

وقبل عرض بعض ما جاء في الصحيفة لا بد من التذكير بأن المقالات الإخبارية التي تنشرها الصحافة العربية والغربية هي ليست سرد لوقائع وحقائق مجردة، بل أن الحقائق تكون مختلطة برأي محرريها، كما أن هذه الآراء تعبر عن انحياز من كتبها ومستوى معرفتهم الذي يكون متواضعاً في كثير من الأحيان. كما أن هؤلاء الكتاب قد انتقتهم المؤسسة الصحافية الغير منفصلة عن الدوائر الرسمية والإمبريالية بحيث تكون كتاباتهم متناسقة أو على الأقل غير متناقضة مع سياسة الصحيفة، بالإضافة إلى ذلك فإن كتاباتهم تخضع للحذف والتغيير.

كتب نيل ماكفاركوهار وندى بكري في «النيويورك تايمز» أن : «الإجراءات الشديدة التي اتخذتها الجامعة تهدف إلى وقف الاعتداء الدموي على المعارضين» دون أي إشارة لدموية المتمردين المسلحين والتي ملأت صورهم الإعلام الغربي وهم يرفعون أسلحتهم، أو أن ثلث الضحايا هم من الجيش والأمن السوري. وأضافت الصحيفة أن : «القرار كان لطمة سيكولوجية بالإضافة أنها اقتصادية أيضاً لإدعاء سوريا المستمر بأنها قلب العروبة، إدعاء تحطم بتعليق عضويتها في الجامعة». «لقد امتهنت الجامعة ووصفت بأن لا أسنان لها (لا تعض) إنها المرة الثانية منذ احتجاجات الربيع العربي التي قامت بإجراء ضد دولة عضو لحماية شعبها. ولكن في الوقت التي طالبت بالتدخل الأجنبي في ليبيا في مارس الماضي فان قياداتها أوضحت أن العقوبات تهدف إلى تجنب التدخل الأجنبي». بالطبع غاب عن الكاتبين ما هو واضح وبديهي وهو أن قرار الجامعة هو لأن سوريا هي بالفعل قلب العروبة التي يراد قتلها من قبل الرجعية العربية والإمبريالية والصهيونية. من الطبيعي أن المقال لم يذكر شيئاً عما يدور في البحرين والسعودية وفلسطين المحتلة من اعتداءات وحشية أو سجون تعج بآلاف المعتقلين والأسرى.

أنتقل الآن إلى مقال غاية في الأهمية لوضوحه ولفضحه إدعاءات مساندة «الديمقراطية» عبر «التدخل الإنساني». نشر المقال بمجلة «التايم» الأمريكية في 5 سبتمبر الماضي لفريد زكريا الكاتب والمحلل السياسي القريب من دوائر صنع القرار في السلطة الأمريكية. عنوان هذا المقال الهام : «كيف أفادت دروس العراق في ليبيا؟».

وفيما يلي أهم ما جاء في المقال :

أصر الرئيس الأمريكي أوباما على مجموعة من الشروط التي يجب توفرها قبل أن يقرر التدخل في ليبيا وذلك حتى يتجنب أخطاء أمريكا في العراق. الأخطاء المقصودة لا علاقة لها بالجرائم العديدة التي ارتكبتها قوات الإمبريالية ضد العراق وشعبه ولا علاقة لها بالأكاذيب والتبريرات المختلقة أو الثمن الباهظ الإنساني الذي دفعه الشعب العراقي من قتل وتشريد واغتصاب وتدمير وإثارة الطائفية ودفع العراق كله إلى التخلف. ولكن المقصود «بالأخطاء» هو التكلفة المادية والسياسية والمعنوية وكيف أن جحافل الإمبريالية المزودة بأحدث الأسلحة المتقدمة وقعوا فريسة على أيدي المقاومة العراقية الباسلة ومقاومتها الأسطورية والتي أجلت الاعتداء على سوريا وطريقته. راجع ما نشرته مجلة «التايم» الأمريكية تحت عنوان «المحطة التالية : سوريا؟ إدارة بوش تمارس الضغط على دولة مارقة أخرى». ذكرت المجلة أن «بوش يتهم دمشق بامتلاك أسلحة كيمائية محظورة» واتهامات عديدة أخرى منها «رعاية منظمات مثل حزب الله الذي تعتبره الولايات المتحدة مجموعة إرهابية ونشطاء فلسطينيون يتبنون العنف كحماس والجهاد الإسلامي ...». وأعلن بول وولفوتز مساعد وزير الدفاع «لابد من تغيير في سوريا». المهم في الأمر أن هذا التقرير الذي غابت فيه قضايا حقوق الإنسان نشر في 28 إبريل 2003 أي منذ ثمانية سنوات قبل درعا وجسر الشغور وإدلب والشبيحة...الخ. إذاً التآمر على سوريا وعلى الأمة العربية بأكملها ليس بجديد بل يرجع إلى عهد ريجان وما قبل ذلك.

الشروط كما جاءت بمقال فريد زكريا نصاً وهي منطقياً نفس الشروط التي يجب توفرها قبل الاعتداء على سوريا :

«أولاً : لابد من تواجد حركة معارضة محلية قادرة وراغبة لشن حرب ضد الدكتاتور. أي دعم دولي يجب أن يطالب به المحليون».

«ثانياً : بالأخذ في الاعتبار طبيعة العالم العربي، كان من المهم الحصول على شرعية إقليمية والتأكيد على أن التدخل الخارجي في ليبيا لا يشجب كمثال آخر للإمبريالية الغربية في البلاد الإسلامية. وحتى البلاد العربية يجب أن تجر إلى التحالف».

«ثالثاً : السعي من أجل شرعية دولية أوسع من خلال هيئة الأمم المتحدة» (من الواضح أن هيئة الأمم المتحدة أصبحت أو بأكثر دقة خلقت لتكون أداة لقوى الهيمنة العالمية)».

«وأخيراً : فإن الحلفاء الأوربيون الذين يدفعون من أجل التدخل (في ليبيا) أخطروا بأن العملية يجب أن تكون بحق متعددة الأطراف، وأن عليهم تحمل عبء مادي كبير».

يقول زكريا بصراحة شديدة ولا إنسانية أشد : «الحقيقة أن العملية الليبية كانت تستحق ثمنها على نحو رائع» «remarkably cost-effective» ثم يسترسل في نهاية مقاله «الرائع!» فيقول «التدخل في ليبيا نموذج جديد من المهمات الإنسانية التي لها أهداف إستراتيجية أيضاً - تأييد الربيع العربي والآمال الجديدة لشعوب «الشرق الأوسط». إنها كانت أيضاً نموذجاً جديداً شملت أمريكا المصرة على الشرعية وعلى اقتسام الأعباء والتي سمحت للمحليين أن يمتلكوا ثورتهم».

عن أي شرعية يتحدث الكاتب زكريا، هل هي ضرب واغتصاب وقتل القذافي الذي احتضنوه بالأمس بل قبل أحدهم يده (برليسكوني)؟، هل قتل الآلاف من الليبيين تحت زعم الغطاء الجوي الذي يحمي المدنيين أو قتل آلاف الأسرى دون محاكمة على أيدي ما يسموا بالثوار أو الدمار الذي ألحقوه بالمنشئات الليبية؟ وعن أي امتلاك محلي للثورة يتحدث الكاتب زكريا، هل يتحدث عن الشركات الغربية التي تستعد لإعادة إعمار ما دمرته الناتو أو البترول الليبي الذي تسوقه قطر وتجعله في قبضة الغرب؟ ليبيا أصبحت مصدر ثروة للغرب تعينه في أزمته الاقتصادية وتمكنه من استعادة موقعاً مميزاً لقواعدها العسكرية (ويليس) وتفتح ممراً آمناً للهيمنة على إفريقيا وتمكين «إسرائيل» من التحكم في منابع النيل، ودعماً لقيادة «أفريكا كوم» العسكرية. يتحدث زكريا دون خجل عن النموذج الجديد للمهمات الإنسانية حسب تعبيره. هذا يذكرني بمقولة «إنسانية» أخرى لمادلين أولبرايت عندما سئلت هل موت مئات الألوف من الأطفال العراقيين بسبب الحصار يستحق؟ فأجابت دون خجل بنعم أليس واضحاً. إن هذا الفكر الدنيء المادي هو الصفة الأساسية للإمبريالية. ليبيا «تحررت» على أيدي ساركوزي وعبد الجليل وكامرون وبرنارد هنري ليفي وبمساعدة «إسرائيل» وجامعة الدول العربية التي زودت الناتو بالشرعية الإقليمية، فمبروك للثوار على انجازهم الرائع الذي تخلص من دكتاتور مستبد وأوقع ليبيا تحت احتلال الناتو وأدخلها في نفق التشرذم والتفتت.

وللسيد أمين جامعة الدول العربية أوجه هذا النداء : عليك بالاستقالة فوراً حماية لسمعتك القومية وتمرداً علي جامعة لا بد من إسقاطها. الجامعة التي تريد أن ترسل المئات من «مراقبين» للقيام بدور لا يختلف كثيراً عن مراقبي أسلحة الدمار الشامل المزعومة بالعراق، الجامعة التي تسعي بأن تحذوا هيئة الأمم المتحدة حذوها وتزعم في نفس الوقت أنها تحاول تجنب التدخل الأجنبي!! الجامعة التي تتناغم مطالبها مع المطلب الفرنسي بإنشاء «ممرات إنسانية» هدفها الحقيقي تزويد المتمردين بمزيد من السلاح.

وللمعارضين السوريين الذين رفعوا شعارات الحماية الدولية أو العربية وشعار إسقاط النظام ويتعاملون مع قوى الهيمنة الغربية وأجهزتها المخابراتية علناً أو سراً، قولوها بصراحة إنكم تفضلون الاحتلال على إصلاح النظام الذي يناوئ الإمبريالية والذي يشكل منذ عدة أعوام عقبة كأداء أمامها. قولوا بصراحة أنكم ترحبون بـ «شرق أوسط» أمريكي/ أوروبي/تركي جديد يحمي الكيان الصهيوني ويطيل في أجله.

وللمثقفين الذين وقعوا بياناً بان الحقائق المستقاة مما أسموه بالإعلام المستقل «تدحض وجود مجموعات مسلحة مناوئة للنظام» كما نشر بـ «الشروق». أتساءل عن أي إعلام مستقل يتحدثون؟ وما هي مصادر معلوماتهم؟ يا ترى كم من المثقفين الذين نراهم على شاشات التليفزيون «كخبراء» يطلع على مصادر مختلفة من التحليل والمعلومات؟ ونتساءل عن مصدر خبرتهم؟

وبمناسبة شروط أوباما للتدخل، علينا أن نتذكر مقولات العديد من الخبراء العرب ورهانهم بأن سياساته نحو الأمة العربية ستكون أفضل في الوقت الذي أكدنا فيه مراراً بأن استراتيجيات الدول، خصوصاً الدولة القائدة للإمبريالية، لا تتغير بتغير الرؤساء بل أن هؤلاء الرؤساء ما هم إلا منفذين لاستراتيجيه ثابتة تتمتع بمرونة في الخطاب والوسائل والتوقيت.

يجب أن نؤكد بأن هناك العديد من المثقفين الجادين وورائهم الملايين من المواطنين ممن يرفض بشدة وسيظل يرفض الاحتلال ويناضل في نفس الوقت من اجل حرية حقيقية وعدالة اقتصادية في ظل استقلال وطني لا بديل عنه، ووحدة عربية حقيقية مهما طال الزمن ومهما كانت العقبات.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 24 / 2165350

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

19 من الزوار الآن

2165350 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 19


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010