الجمعة 2 كانون الأول (ديسمبر) 2011

حرب لا يريدها أحد.. فهل تقع؟

الجمعة 2 كانون الأول (ديسمبر) 2011 par د. حبيب فيَّاض

البرلمان الإيراني يقرر طرد السفير البريطاني من طهران. طلاب إيرانيون يقتحمون السفارة البريطانية في العاصمة الإيرانية. الحدث يتجاوز كونه رداً على سياسة العقوبات التي تتبعها لندن تجاه الجمهورية الإسلامية. في الأمر دلالة على أن الغضب الإيراني من السياسات الغربية قد بلغ ذروته رسمياً وشعبياً. إيران أقدمت على خطوة هي الأكثر تصعيداً في تاريخ علاقاتها مع بريطانيا العظمى. يدرك الإيرانيون أن هذا التصعيد يضع علاقاتهم مع الاتحاد الأوروبي على سكة القطيعة. ما حصل يعكس توجهاً إيرانياً لتصنيف المعسكر الأوروبي في خانة عدائية واحدة إلى جانب الأميركي. طرد سفير واحتلال سفارة، إجراء لم يفعله الإيرانيون إلا مع واشنطن، من قبل الطلاب أيضاً، في بدايات الثورة قبيل حرب الخليج الأولى، التي فُرضت عليهم بدعم غربي.

قائد سلاح الجوّ في الحرس الثوري الإيراني يصرح بأن قواته مستعدة لضرب الدرع الصاروخية الأطلسية في تركيا. بين إيران الإسلامية وتركيا تاريخ من الفترات المأزومة. لكنّها المرة الأولى التي تلجأ فيها طهران إلى لغة «التهديد» العسكري في التعامل مع أنقرة. حساسية العلاقة بين الجانبين تدفع إلى قراءة هذا التصريح ـ الحدث من زاوية الخطورة الفائقة. وكأن الكيل قد طفح بحيث لم يعد بوسع طهران الفصل بين سياسات أنقرة الإقليمية وعلاقاتهما الثنائية.

ثمة الكثير من الأزمات المزمنة بين إيران والغرب. لا شيء من هذه الأزمات غير قابل للضبط ويحمل صفة الخطير والعاجل بما فيها الملف النووي الإيراني. وحدها أزمة إيران مع الغرب في سوريا، تستدعي من طهران استعجال الخروج على المألوف، وتوسيع جبهة الاشتباك في دفاعها عن دمشق لتشمل أوروبا أيضاً. كما لا تكفي أزمة الدرع الصاروخية وحدها، رغم خطورتها، لدفع الإيرانيين إلى وضع علاقتهم البينية مع الأتراك على حافة العداء .بلوغ طهران هذا المستوى من التصعيد لا يمكن فهمه إلا على ضوء الدور التركي المتمادي في التحامل على النظام السوري.

الجمهورية الإسلامية بصدد التصعيد المضاد تجاه المعسكر الغربي وتركيا، بوصفهما المتحكمين بمسار الأزمة السورية. كما تتحضر لمرحلة ما بعد الانسحاب الأميركي من العراق، حيث من المرجح انتقال طهران في التعامل مع الهجمة على سوريا من ردّ الفعل بالمفرق إلى الفعل بالجملة. في المقابل، تتغاضى طهران عن الدور العربي في هذه الأزمة باعتباره مجرد أداة للدفع نحو التتريك والتغريب.

تعدد محاور الهجمة على سوريا، يضع الإيرانيين بالضرورة في خانة المواجهة الشاملة. إيران اتخذت منذ البداية قرار الدفاع عن سوريا حتى النهاية. المسألة في الحسابات الإيرانية اليوم باتت أبعد من اعتماد استراتيجية «الأوراق والأذرع». العالم أمام دخول إيراني مباشر إلى الحلبة. لم يعد لدى الإيرانيين ما يبرر بقاءهم خلف الخطوط الحمراء ما دام الهاجمون على دمشق قد تجاوزوا كل الخطوط. باختصار، لن تسمح طهران لأميركا وحلفائها التحكم بمسار المعركة ضد سوريا طالما أن هدف هذه المعركة لا سقف له.

تسعى طهران إلى فرض نمطٍ جديدٍ من المواجهة يعيق فصل سوريا عن روافد دعمها الإقليمية. هذا يعني أننا أمام حراك إيراني مختلف قد يستدعي توسيع حلبة المواجهة لتصبح على امتداد المنطقة برمتها. وإذا ما استمر موقف موسكو على وتيرته المؤيدة لدمشق، فإن ذلك يساعد على تحالف جدي بين إيران وروسيا على خلفية الوقوف الى جانب سوريا في وجه الحملة الغربية - التركية التي تتعرض لها.

الحرب في المنطقة مرجحة فعلاً حتى لو لم تكن مقررة سلفاً. فالحرب لن تكون نتيجة قرار يـُتخذ في لحظة تتعدد فيها الخيارات بل ستكون في لحظة انعدام الخيارات البديلة. هي حرب لا يريدها أحد، لكنها قد تفرض نفسها على الجميع، لأن كل طرف سيعتبرها دفاعية ولا مفر منها.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 13 / 2165945

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

14 من الزوار الآن

2165945 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 15


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010