الأربعاء 30 تشرين الثاني (نوفمبر) 2011

سيّد أردوغان : وطننا العربي ليس ولايات عثمانية

الأربعاء 30 تشرين الثاني (نوفمبر) 2011 par رشاد أبو شاور

نحن العرب لنا ذكريات سيئة مع الحقبة العثمانية التي امتدت 400 سنة، تكللت بتخلفنا علمياً وسياسياً وثقافياً وحضارياً، ووضعتنا في قاع سلم الشعوب التي تعيش في العصر.

استحوذ الأتراك المسلمون على الخلافة، وباتت اسطنبول عاصمتها، وتوارى مجد بغداد ودمشق، وتصرف العرب حملة الرسالة انطلاقاً من أنه لا فضل لعربي على أعجمي إلاّ بالتقوى، وقدروا للأتراك حرصهم على الإسلام، وحملهم لرسالته، وغضّوا النظر عن الأخطاء، وتحملوا أوزار حروب أفقرتهم وحصدت أرواح خيرة أبنائهم، من دون أن يعرفوا أسباب تلك الحروب، ومع شعوب وأمم لم يحاربوها من قبل، ولا زحفت على بلدانهم معتدية محتلة، وزج بهم في الحرب العالمية الأولى من دون أن تكون تلك الحرب دفاعاً عن الإسلام، وانتهوا غنيمة حرب في نهايتها، بعد هزيمة دولة الخلافة المتهالكة المهلهلة المتخلفة التي وصفت بالرجل المريض، واقتسمت ممتلكاتها دول الاستعمار المتقدمة غير المسلمة، التي لم تكن معنية بالتبشير برسالة السيد المسيح، ونشر المحبة والعدل والسلام بين الأمم.

سقطت بلاد العرب تحت أنياب ومخالب الدول الاستعمارية، بعد أن سخّرت بريطانيا (ثورة) العرب الكبرى لإضعاف دولة الخلافة، بوعود قلبت على رؤوسهم، ومزقت بلادهم باتفاقية «سايكس - بيكو» التي ما زالت أمتنا تعاني من نتائجها، بعد أن ورثتها أنظمة حكم تابعة منبتة عن العروبة، رسخت الاستبداد والفساد والتبعية والضعف.

بين العرب والترك سادت عقود من المرارة بسبب تلك الحقبة المظلمة، فالعرب رأوا في تركيا العثمانية سبباً لتخلفهم، والترك رأوا في العرب (خونة) تحالفوا مع الغرب الكافر.

ومع ذلك فقد ارتفعت دائماً أصوات تدعو لتجاوز تلك المرارة والكراهية التي باعدت بين أمتين تجمعهما الجيرة، والعلاقات التاريخية، والإسلام، والمصالح المشتركة في زمن التحولات، والتجمعات الكبرى شرقاً وغرباً.

في حقبة البروفسور أربكان أُستاذ حكام تركيا الحاليين، سمع العرب خطاباً جديداً يمد اليد لهم، ويتقرّب منهم، ويقدر لهم دورهم في حمل راية الإسلام، ويعد بانفتاح ينطلق من تجاوز سلبيات الماضي، لبناء حاضر ومستقبل جديد للعرب والترك خاصة، والمسلمين عامة.

تركيا المرفوضة أوروبياً، التي أُوصدت الأبواب في وجهها أخذت تتطلع إلى الشرق، وقلبه العرب، عرب الموقع والثروات والأسواق.. وعرب الشعوب فضلوا بضائع تركيا ومنتجاتها على غيرها، وفتحوا لها أسواقهم وقلوبهم وجيوبهم.

تلاميذ البروفسور أربكان الرافض للألاعيب السياسية على حساب المبادئ، تمكنوا بقيادتهم لحزب العدالة المنشق عن حزب أربكان من تقديم خطاب داخلي وخارجي مكنهم من الفوز بتأييد جماهير الشعب التركي ببراعة، وبما قدموه منذ فوزهم بالأكثرية البرلمانية منذ الدورة الأولى حتى الدورة الثالثة الأخيرة..اقتصادياً في ظروف الأزمة الاقتصادية العالمية، وسياسياً بتقديم تركيا بلداً ديمقراطياً يقطع مع زمن العسكر وهيمنتهم وانقلاباتهم.

في تركيا الجديدة برز أردوغان وغول وأوغلو.. وملايين العرب الذين افتقدوا الزعامة منذ رحيل القائد جمال عبد الناصر أُعجبوا بهذه القيادة، لا سيما بعد مواقف قادة تركيا الجدد مع الشعب الفلسطيني، ومواجهتهم السياسية للكيان الصهيوني وعربدته وحصاره لغزة، واستشهاد الأتراك المبحرين إلى غزة لفك الحصار.

لم يفرض حزب العدالة نفسه بانقلاب عسكري، بل بصناديق الاقتراع، وفي ثلاث دورات تبوأ فيها المركز الأوّل بفوز ساحق، والشعوب العربية المحرومة من صناديق الاقتراع، التي عانت من انتخابات الـ 99.99% سرّها ما يحدث في تركيا، واستبشرت برياح الديمقراطية التركية التي بدأت تهب على (المنطقة)، وفي القلب منها : العرب، ولذلك محضوا قيادة أردوغان تقديراً عالياً ..غير قليل منه إدانة لقيادات عربية مستبدة اعتادت خذلان الأمة.

أصحاب الرأي القائل بأن تركيا وقادتها الجدد همهم مصلحة تركيا، مجدها، تسيدها، لم يجانبهم الصواب، ومن بجلوا أردوغان ورفاقه لم ينتظروا من الأتراك في إسطنبول أن يستنفروا لإنقاذ فلسطين، وتوحيد العرب، والنهوض بهم.

ضعف العرب وتفككهم، ودولهم الكثيرة القليلة الأهمية، تغوي الأطراف المحيطة بهم إيران، وتركيا.. والكيان الصهيوني، وإن كنا لا نساوي بين هذه الأطراف الثلاثة، فلا يغيب عن بالنا أن الكيان الصهيوني سيبقى دائماً عدواً حتى زواله التام واستعادة فلسطين عربية.

إيران لا تبني تطورها العلمي لخدمة دول عربية بعضها قواعد أمريكية، وبعضها نفطها في خدمة أعداء العرب والمسلمين، ولكنها وهي تبني قوتها تفعل ذلك لمجدها، فالأمم الضعيفة العاجزة عن الدفاع عن نفسها لا مكان لها بين الأمم، وهذا لا يعني العدوان والتوسع على حساب الآخرين.

بعض العرب يعادون إيران خدمة لمخططات أمريكية صهيونية، بدلاً من أن يوظفوا النفط وثرواته الهائلة المبددة على سفاهاتهم للنهوض بالأمة سياسياً واقتصادياً وعلمياً، وهم لا يتورعون عن تأجيج صراعات طائفية إلهاء للجماهير العربية، وتخويفها من إيران التي تتدخل في العراق الذي تآمرت عليه دول النفط عندما جعلت من أراضيها مطارات تنطلق منها طائرات الغزو لتحرق العراق بشراً وحجراً وشجراً.

تركيا في هذه الأيام تكشف عن خبايا طموحاتها، فهي كما بات واضحاً تعمل على تحجيم دور إيران سياسياً وعسكرياً ـ لماذا قبلت بزرع رادارات الناتو وصواريخه على أراضيها ..لمراقبة من وماذا؟ أليس بهدف أن تكون عيوناً للتجسس على برنامج إيران النووي والعسكري؟ ألا يصب هذا في حماية وخدمة الكيان الصهيوني؟

بلاد العرب الممزقة بأنظمة إقليمية ضعيفة هزيلة تابعة جعلت من وطننا العربي ملعبا للتنافس بين إيران وتركيا. وتركيا كما هو واضح لكل ذي عينين تلعب لعبة أنها الدولة السنية، وأنها وارثة دولة الخلافة.. وأنها أولى من إيران (الشيعية) بقيادة العالم الإسلامي، والبداية من بلاد العرب التي برع حكامها بالتآمر والهرب دائماً من المواجهة وتحمل المسؤولية القومية.

بسرعة تخلت تركيا أردوغان وحزب العدالة عن الخيار صفر في العلاقات مع الدول، بحسب نظرية الدكتور أوغلو، وانتقلت للتدخل علناً في الشؤون العربية، وتحديداً سورية، ليس حرصاً على الديمقراطية، بدليل أنها تتجاهل المذبحة اليومية المتصلة في اليمن، ودعم السعودية وأخواتها النفطيات لعلي عبد الله صالح، وما يحدث لقسم كبير من شعب البحرين، وما جرى من تدخل درع الجزيرة عسكرياً لسحق انتفاضة شعب مظلوم مضطهد يطالب بالإنصاف والمساواة لا أكثر.. ثمّ ألا يسمع السيد اردوغان وإخوانه بما يحدث في منطقة القطيف السعودية، وبالأحكام الجائرة على كل من يعارض حكم العائلة في بلد لا مؤسسات للدولة فيه؟

أنا شخصياً معجب بقيادة حزب العدالة لتركيا، وبمنجزاته.. ولكنني أبداً غير معجب بالأستاذية التي بدأ يمارسها السيد أردوغان، وبتساوقه مع الدور الذي تلعبه دول النفط التي ترتدي قناع الجامعة العربية التي تزمجر هذه الأيام وكأنها رئاسة أركان حرب، حيث تتغاضى عما يحدث في اليمن والبحرين، وتركز هجومها على سورية، ليس انحيازاً لحراك الشعب السوري الجدير بالحرية والكرامة.. ولكنها الثورة المضادة.

الشعوب العربية لا تثور من أجل استعادة الخلافة، أو بناء دول دينية سنية كما يتوهم الأخوان المسلمون الذين يبدو أن السيد أردوغان يصغي لدعواتهم للتدخل في سورية.

سيد أردوغان : ثورات العرب هدفها نفض الأنظمة العربية المستبدة، والانتقال إلى زمن النهوض العربي، وتوحيد بلاد العرب التي لا يمكن أن تعود ولايات عثمانية بطبعة جديدة.. فهذه المنطقة فيها أمة عربية عريقة أضعفها ومزقها الاستعمار والنفط.. وما يمثلها هم ملايين العرب، وليست أنظمة التبعية التي يبدو أنك مرتاح للتحالف معها في زمن الثورات العربية.

سيد أردوغان : الشام ليست ولاية عثمانية.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 20 / 2165454

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

17 من الزوار الآن

2165454 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 16


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010