السبت 26 تشرين الثاني (نوفمبر) 2011

نحن والزمن

السبت 26 تشرين الثاني (نوفمبر) 2011 par د. عبد العزيز المقالح

شدّ انتباهي - منذ أيام - خبر مهم لا علاقة له بما تنشره الصحافة العربية والعالمية من أخبار الوطن العربي الملطخة بالدماء والمغمورة بالأحزان. الخبر المشار إليه يأتي من بريطانيا، وهو يشير إلى أن العلماء الذين ينتمون إلى دول أوروبية وغربية مختلفة قد توصلوا بفضل حسابات نظرية وتطبيقية دقيقة ومعمقة، وبعد أبحاث وتجارب واعتماداً منهم على دقة الساعات الذرية، إلى أن هناك خللاً في التوقيت العالمي المعروف بـ «غرينتش»، وأن الضرورة تستدعي تغيير هذا التوقيت الذي يرجع إلى ما يقرب من قرن ونصف القرن تقريباً . فقد اتضح من خلال الدراسات المتلاحقة التي تم إجراؤها في هذا الشأن أن توقيت «غرينتش» يفوّت ثانية واحدة من الزمن، وهو خلل لا يصح السكوت عليه لما قد يترتب على هذا الفارق الزمني غير المنظور من أخطاء علمية في الحساب الدقيق للوقت.

وما شدّ انتباهي وأدهشني أيضاً في هذا الخبر هو عناية الآخرين بالزمن، بوصفه عاملاً أساسياً في ضبط حركة الحياة ومسيرة تطور الشعوب وفق آليات علمية دقيقة ومنضبطة، وحزنت إلى أبعد مدى لموقفنا من الزمن وإهدارنا المتواصل، لا للثواني والدقائق والساعات والأيام، وإنما للشهور والسنوات، وجهلنا المطبق بمعايير الزمن وفصوله، ووصلت بي المراجعة إلى نتيجة ليست خافية على أحد، وهي أن من أهم أسباب سقوط هذه الأمة التي كانت أول من اكتشف الساعة الدقاقة، يعود إلى هذا الجهل الفاضح بحركة الزمن وعلاقتها بحركة البشر ومدى ما يبذلونه في سبيل النهوض والارتقاء، وأنه لا خلاص لهذه الأمة ولا نهوض لأبنائها ما لم تبدأ بإعادة الاعتبار إلى الزمن، وإدراك أن للثانية وما دون الثانية قيمة في حساب التقدم الإنساني.

لقد أقام العلماء في الغرب الدنيا ولم يقعدوها، لأن ثانيةً من الزمن قد سقطت من قياس التوقيت العالمي السنوي المتفق عليه في أوروبا وأمريكا، ولم يتحرك عالم عربي واحد لإهدار قرن أو مجموعة قرون من تاريخ هذه الأمة التي لم تغفل في عصور ازدهارها أهمية الزمن ودوره الحاسم في حياة الأمم والأفراد، ولم تترك وسيلة من وسائل التقدم العلمي إلاّ وأسهمت فيه بنصيب، وصنعت باعتراف خصومها مفاتيح النهضة الإنسانية المعاصرة، قبل أن تنطوي على نفسها ويخذلها قادتها والقادرون من أبنائها، وصار لا مخرج لها من خلافاتها وانقساماتها وجهلها بأبسط أمور التطور إلاّ بإعادة الاعتبار للزمن وما يمثله الوقت لدى الإنسان من طاقة للتغيير ومن مقياس للتطور، ومن حافز إلى التفاعل مع الآخرين بما ينجزونه، ومشاركتهم هذا الإنجاز، لا الاكتفاء بالاستفادة منه، والإقبال الخامل على استهلاكه.

وليس من باب تعذيب الذات القول إننا نعيش خارج العصر، فتلك من الحقائق المؤكدة التي لا تنفيها المظاهر الاستهلاكية وانتشار حالات اللامبالاة، ومن يقبل بأن يعيش خارج عصره بكل تقاليده وإنجازاته لا يعنيه الزمن في شيء، إذ ما يهمه أن تذهب الساعات والأيام سدى، أو يهمه بأن يضيع عمره كله هدراً، حيث لا هدف ولا رؤية تربطه بواقع الناس في وطنه أو في بقية أقطار العالم . إن الإنسان العربي في مجموعه الأغلب يعيش حالة من اللامبالاة، بكل أبعادها المكانية والزمانية، والذين يمتلكون قدراً من الوعي بأهمية الوقت في حياة الأمم والشعوب يظل تأثيرهم محدوداً، وأصواتهم تصل إلى الآذان ولا تصل إلى الوجدان.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 9 / 2165800

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

21 من الزوار الآن

2165800 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 21


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010