الجمعة 25 تشرين الثاني (نوفمبر) 2011

أحداث الثورة مستمرة في مصر

الجمعة 25 تشرين الثاني (نوفمبر) 2011 par د. سمير كرم

السؤال الجاري على كل لسان في مصر وبين كل من يهتم بمصر الآن في الوطن العربي والعالم الخارجي هو ما الذي يجري في مصر؟

وتتفرع عن هذا السؤال الكبير تساؤلات عديدة يمكن ان نحصر منها ما يلي : هل انتكست ثورة مصر؟ هل سرقت ثورة مصر؟ هل تحولت الثورة بقدرة فلول النظام الذي سقط الى انقلاب عسكري لا غير؟ لماذا توقفت الثورة عن تحقيق أهدافها بعد أن أسقطت نظام مبارك؟ أين مطالب الثورة الاجتماعية وأين أهدافها القومية؟
ولا تكاد التساؤلات تنتهي... ولكن وراءها جميعا تساؤلا رئيسياً يبدو لكثيرين تساؤلاً مشروعاً : هل سقطت ثورة مصر بعد نجاح رائع في مناخ سياسي وثوري سلمي؟

ولا بد - في مواجهة هذه التساؤلات الحائرة بل الحزينة - ان نجيب على الفور : لا. ثورة مصر مستمرة.

وهل هناك من دليل أقوى او أوضح من أحداث الأيام القليلة الماضية؟ الثورة مستمرة في أنحاء مصر وليس في ميدان التحرير في القاهرة وحده. القطر المصري بأكمله يقدم الأدلة على ان الثورة مستمرة وأن المصريين مصممون على مواصلتها في مواجهة أي، وكل، المحاولات. نعم هناك محاولات لإرجاعها عن أهدافها، لتدجينها، بل لإخصائها، لمصلحة الطبقة التي تولت الحكم لنحو أربعين عاماً و/او لمصلحة القوى الأجنبية التي استطاعت ان تستولي على ثورات ليبيا واليمن، والتي تحاول الاستيلاء على ثورة سوريا... لمصلحة «إسرائيل» والولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي.

ثورة مصر مستمرة ضد كل الأهداف المعادية لمسارها الصحيح. ثورة مصر مستمرة لمصلحة استمرار دور الجيش في حمايتها وليس ضده. فإن الذين يحاولون احتواءها في إطار حكم عسكري هم مجموعة من القادة الذين ربطوا مصيرهم بقوى خارجية لسنوات طالت حتى اعتقدوا ان مصر يمكن ان تستمر الى الأبد تحت مظلة «التأييد الأميركي والعلاقات مع «إسرائيل»».

إن ما تشهده مصر الآن هو «أحداث الثورة المصرية». والأمر الذي تؤكده هذه الأحداث ان هذه الثورة مستمرة وقادرة على حشد الملايين وراء مطالبها وأهدافها. فإذا ما تساءلنا عن الفارق بين أحداث الثورة في يناير الماضي وأحداث الثورة الجارية الآن نكون قد وضعنا أفهامنا على النقطة الرئيسية في هذه الأحداث الجديدة.

ثورة مصر - شأنها شأن كل الثورات التاريخية الكبرى - هي نتاج تفاعل طويل داخل العقل الجمعي للشعب ككل، بكل فئاته وأعماره وأطيافه الثقافية والمهنية، بكل اهتماماته وشكاواه. هي محصلة الانفعال والتفاعل داخل اللاشعور الجماعي للشعب كله. لكن في حين ان العقل الجمعي واللاشعور الجماعي ينطلق الى عمل ثوري في البداية فإنه في استمراره يتحول الى درجة اعلى من الوعي والشعور الجمعي. تكون خصائص الجانب اللاشعوري من ثورته قد خرجت الى نور الوعي اكثر فأكثر. إننا نجزم - بناء على هذه النظرة والنظرية - ان أحداث الثورة المصرية الجارية، والمثيرة لأكثر المشاعر ايجابية لدى مؤيديها والطامحين الى تحقيق أهدافها، تتمتع الآن بدرجة أعلى من الشعور والوعي ليس فقط بالقوى التي تحاول إحباطها، إنما أيضاً بالعوامل التي تؤدي بالضرورة والحتمية التاريخية والثورية الى فرض إرادتها على الإرادات الأخرى المناوئة لتلك الأهداف. لقد تكفلت الأحداث الماضية للثورة على مدى الشهور منذ يناير/كانون الثاني الماضي بمهمة كشف الذين يتصدون لهذه الثورة بهدف عرقلتها او احتوائها او قطع الطريق عليها. ولم يكن أي من هؤلاء موجوداً في صورة الأحداث قبل الثورة، ولكنهم موجودون الآن بدرجات مختلفة من الوضوح ابتداءً من الطامعين في السلطة في الداخل الى المتطلعين الى إعادة توجيه الثورة نحو يمين يلبي أهداف الخارج باستمرار الطاعة له.

لقد أدت أحداث الثورة في بداياتها الى إلقاء الضوء على أولئك الذين يريدون الانتماء إليها إنما مع تحريف مسارها او على الأقل عرقلته. هؤلاء خرجوا الى ضوء النهار وجعلوا من المحتم ان تؤكد الثورة أنها قادرة على الوقوف بوجههم، على العمل ضدهم لوقف آية تأثيرات يمكن أن تنجم عن أدوارهم.

إنها مرحلة الصراع على ثورة مصر. وكل من يخوض هذا الصراع ضد الثورة وضد أهدافها يعرف أن هذه المرحلة لا بد أن تعطي نتائج نهائية. فإما أن تستمر الثورة، وهذا الاستمرار هو سمة نجاحها، او تحبط وهذا الإحباط سمة إخفاقها. نجاحها هو الغاية القصوى لجماهير الشعب والإحباط هو الغاية القصوى لمجموعات الموالين للدعم الخارجي الذين هم مستعدون للتحالف مع أي كان شرط ان تبقى مصر أسيرة «الدعم الأميركي» وهذا الدعم هو السبيل الأوحد الى استمرار العلاقة مع «إسرائيل».

لفترة يمكن أن تطول او تقصر سيبقى لمرحلة الصراع على مصير هذه الثورة جانب داخلي مهيمن، يظل هو الغالب ولهذا تظل الأوجه الخارجية خافية وراء أستار الاهتمام بمصير الديموقراطية ومصير العلاقات الطائفية ومصير الوئام بين مصر والغرب. لكن هذه الأوجه الخارجية محكوم عليها بأن تخرج الى الضوء شيئاً فشيئاً بالقدر الذي تتفاعل به مع القوى الداخلية التي تصارع ضد الثورة وتعرقل أهدافها.

هل يمكن ان تحبط او تسرق او تحتوى ثورة بحجم ثورة 25 يناير؟ بل هل يمكن ان تحبط ثورة بحجم مصر السكاني والحضاري... بحجم تجارب مصر التاريخية الكثيفة والمتنوعة؟؟

ليست لهذه التساؤلات إلا إجابات بالنفي. لقد بدأت الثورة قوية وقادرة وإلا لما سارعت الدولة الأعظم في العالم الى اتخاذ موقف التأييد منها تقديراً من أجهزتها المعلوماتية والمخابراتية أن هذه ثورة حقيقية تحمل كل سمات الثورات الكبرى. ولكن يبدو ان هذه القوة التي قدّرت حجم الثورة المصرية وأدركت مداها لم تستطع ان تصل الى استنتاج من هذا بأن إسقاطها مستحيل. لقد تصورت الولايات المتحدة ومعها حلف الأطلسي ان الاعتماد على المجلس الأعلى للقوات المسلحة كفيل بالحد من طموح هذه الثورة. وضعت الولايات المتحدة أمامها تجارب ليبيا واليمن وسوريا كأداة قياس لإمكانية عرقلة الثورة المصرية. كان هذا استنتاج يتفق مع أحلام الإمبراطورية الأميركية فقررت ان تعمق صلاتها واتصالاتها مع المجلس العسكري في مصر كوسيلة أساسية ولا غنى عنها للجم حصان الثورة الفتي القوي المنطلق في الشارع المصري.

تنتظر الولايات المتحدة لترى نتائج صلاتها واتصالاتها مـع القادة العسكريين المصريين، لكن قوى الثورة لا تنتظر لأنها ـ في مرحلة تجاوز التفاعل داخل اللاشعور الجماعي - تدرك ان استمراريتها شرط حتمي للنجاح، شرط ضروري لبلوغ الأهداف. وبالفعل لم تنتظر قوى الثورة بذريعة أي سبب للانتظار. وهكذا تكون الثورة قد أفلتت من قيود القوى الداخلية والخارجية فلم تنتظر أفعالها على الساحة المصرية. وهذا احد أهم وأنبل الدوافع التي حدت بالثوار لأن يواصلوا أفعالهم الثورية ضد كل الظروف. ولقد كان معظم «المراقبين» يتوقعون ان ينتظر الثوار تاريخاً محدداً ليستأنفوا نشاطهم في ميـادين التحرير في أنحاء مصر، وكان اول هذه التواريخ هو 25 يناير القادم حيـث توقعوا ان تكون ذكرى الثورة موعداً للمواجهة مع القوى المعرقلة. ولكن الثوار بخروجهم الى ميادين التحرير في الأيام الأخيرة أكدوا أنهم ليسـوا بوارد الانتظار مثل غيرهم. ولهذا فإن خروجهم الى المواجهة يكـتسب معنى أهم وأكثر إقداماً.

الثورة مستمرة. والدليل على هذا هو الحوار الغني الجاري بين القوى السياسية التي تتهيأ لدخول مضمار الديموقراطية كنتيجة اولى ومهمة للثورة. نعني القوى المؤلفة من السياسيين والثوار، وحتى المجلس العسكري حين يقرر انه لا يمكنه الاستمرار في الصمت. ان النقاش الدائر بين القوى المختلفة في اتجاهاتها ومراميها في مجتمع ما بعد نجاح الثورة يقدم دليلاً كافياً على ان الثورة استطاعت تفعيل القضايا العديدة المطروحة بشأن مستقبل الوضع الاجتماعي للمصريين من كافة الطبقات وبشأن العلاقات العربية وبشأن دور المؤسسة العسكرية الآن ومستقبلاً، وبشأن علاقات مصر الخارجية ودورها القومي والإقليمي والتحديات التي تمثلها «إسرائيل» التي لم تتنازل عن مطامعها التوسعية. كل القضايا مطروحة في النقاش العام حتى بعد ان استنتج بعض المشاركين وغير المشاركين ان الثورة فقدت جانباً من شعبيتها او ربما الثوار هم الذين خسروا بعضاً من رصيدهم الكبير لدى جماهير الشعب، اما لصالح النظام الذي سقط، او لصالح المجلس العسكري. واستنتج غيرهم عكس ذلك، وهو ان المجلس العسكري هو الذي فقد جانباً من شعبيته بين السياسيين وبين الثوار. وقد يكون صحيحاً اي من هذه الاستنتاجات لكن استمرار الثورة بفضل الثوريين من دون انتظار او تردد يأتي ليؤكد ان الثورة مستمرة وقادرة في الوقت نفسه على ان تستعيد ما يمكن ان تكون فقدته بسبب الظروف غير المواتية التي خلقتها أحداث الثورة. وهي في هذا لا تختلف عن أي ثورة أخرى، خاصة عن أي ثورة تاريخية عظيمة. وإشارتنا هنا تعني بوجه خاص الهزات الأمنية التي لا بد أن تنسب - كما هو الواقع الفعلي - الى عناصر فلول النظام الذي سقط وكل طرف آخر يستفيد من إشاعة جو عدم الأمان في الحياة المـصرية وما يتبعه من مؤشرات التراجع الاقتصادي، سواء تمثلت في الأسعار او تمثلت في تراجع البورصة المالية. وهي عوامل أعطت لكثيرين مبرراً للبكاء على أطلال النظام الذي سقط (...)

وينبغي عند هذه النقطة ان نلاحظ ان استمرار أحداث الثورة يمكن أن يعطي مبرراً للخائفين من الأوضاع الأمنية للاستمرار في شكاواهم، لكن الأمر المؤكد أن الذين لم تحقق الثورة بعد أهدافهم - وهم الفقراء الذين يشكلون الغالبية من شعب مصر مهما كانت نسبة هذه الأغلبية، التي تقول الأرقام الرسمية إنهم بين 40 و45 في المئة من السكان بينما تقول الأرقام غير الرسمية إنها نسبة تزيد على 60 في المئة.

لن يلبث الصراع على ثورة مصر ان يخضع لقوة الثورة والثوار باعتبارها العامل الفاعل في تحديد غاياتها.

الثورة مستمرة. هذا هو المعنى الحقيقي لأحداثها الأخيرة.

وغداً تأتي النتائج.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 12 / 2178703

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع وجهات العدد   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

8 من الزوار الآن

2178703 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 8


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40