الجمعة 25 تشرين الثاني (نوفمبر) 2011

مانديلا أيقونة النضال

الجمعة 25 تشرين الثاني (نوفمبر) 2011 par أمجد عرار

أخيراً عاد الأسد الإفريقي نيلسون مانديلا يجرّ معه أذيال السنوات الثلاث والتسعين إلى عرينه. قرر الاستقرار في قريته بعدما نحلت السنون جسده، لكنّها نحتته على جدار الشرف أيقونة للنضال الإنساني النظيف وللطهارة الثورية. والآن هو في مسقط رأسه بين أفراد قبيلته «ماديبا»، حيث يقول أحدهم للإعلاميين «عندما تشاهدون الأعلام ترفرف، هذا يعني أنه هناك». ترفرف الأعلام وكأن النسيم يعرف كيف يحترم مناضلاً لم ينسَ أصله فعاد إلى البيوت المتواضعة، حيث قرر أن يستقر الرجل الذي حكم بزهد وزهد في الحكم.

لو قال أحد ما في العاشر من فبراير/شباط 1991 إن الشخص الذي اسمه نيلسون مانديلا القابع في زنزانة صغيرة والمحكوم بالسجن مدى الحياة، سيصبح بعد ساعات حراً طليقاً وبعد أربع سنوات أول رئيس أسود لجمهورية جنوب إفريقيا التي أنهكها نظام فصل عنصري لا يتفوّق عليه سوى «إسرائيل»، لو قال أحد ذلك لحكم عليه بالجنون. لكن هذا ما يحصل عندما يخلص الناس لقضاياهم ويناضلون بشرف ونزاهة، معبّرين عن الإرادة الأصيلة لشعوبهم، متشبّثين بأسنانهم وأظافرهم بسيادتهم واستقلالية قرارهم.

القادة لا يسقطون من السماء بل ينبتون من الأرض. هم يولدون حاملين الجينات القيادية ويطوّعون الظروف الموضوعية لمصلحة القضايا العادلة التي يعتنقونها ويبدون استعداداً لتضحيات لا حدود لها في سبيل تحقيقها أو إبقاء رايتها مرفوعة لتتسلّمها الأجيال الجديدة لو طال أمد النضال وتعاظمت التحديات والمؤامرات في عالم مليوني المعايير.

لم يكن غريباً، والحالة هذه، أن يتحول فتى يربي الماشية ويعيل أسرته وهو في سن التاسعة إلى قائد ثوري يصحّح اعوجاج التاريخ في بلاده لينقلها من وطن العنصرية بأبشع صورها السياسية والاجتماعية والثقافية إلى رمز للحرية، وقبلة لمن يروم معجزة الانتصار على القهر والظلم وبسواعد أبناء الوطن المناضلين ووفائهم. أصبح المناضل قائداً، وتحوّل إلى رمز ومثل يحتضنه عشّاق الحرية، واحداً في كوكبة من الملهمين الذين لا يخلو منهم زمان أو مكان.

عام 1985 عرض عليه جلادوه «حرية» ثمنها ذل وقف المقاومة، فرفض بلا تردّد ومن دون أن يعرف أنهم سيهزمون أمام إرادته ورفاقه ليطول ليل سجنه خمس سنوات أخرى، ثم ينجلي الليل وينبلج فجر لا ييأس منه سوى قصيري النفس والانتهازيين.

عندما وصلت إلى أيدي رفاقه رسالته المتسللّة من عتمة الزنزانة وبلادة الأسلاك الشائكة، فعلت فعل رسالة المناضل التشيكي يوليوس فوتشيك «تحت أعواد المشنقة» الذي عذبه الجلادون حتى الموت وما لانت إرادته. ومثلما كانت كلمات فوتشيك، خاطبت كلمات مانديلا همم رفاقه المتوثّبة القابضة على جمر المبادئ «اتحدوا وجهزوا وحاربوا، فما بين سندان التحرك الشعبي، ومطرقة المقاومة المسلّحة، سنسحق الفصل العنصري». كانت تلك الكلمات قبل عقد من عناق مانديلا لشمس الحرية التي تعلّم البشر كل يوم أنها تشرق على الجميع وتغرب عن الجميع، لا فرق عندها بين أبيض أو أسود أو حنطي، لا تفهم لغة الطوائف والقبائل والعشائر، لا تضمر شيئاً ولا تتآمر ولكنها لا تحب من يحاول أن يغطّيها بغربال.

ملايين الناس تعرف الآن مَنْ هو نيلسون مانديلا، هل يعرف أحدهم اسم جلاد واحد ممن أقفلوا باب الزنزانة عليه ثماني وعشرين سنة؟



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 9 / 2165220

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

13 من الزوار الآن

2165220 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 13


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010