الخميس 24 تشرين الثاني (نوفمبر) 2011

تونس ومرحلة جديدة

الخميس 24 تشرين الثاني (نوفمبر) 2011 par أمجد عرار

صحافيون من دول عديدة عربية وأجنبية كانوا مدعوين إلى تونس في نوفمبر/ تشرين الثاني قبل ثلاث سنوات بمناسبة كان الحزب الحاكم آنذاك يسميها ذكرى «تغيير نوفمبر». بعد جولات نظمتها للضيوف مجموعات من أعضاء الحزب الذي كان حاكماً، دعي الجميع إلى قاعة مجلس النواب السابق التي غصّت بممثّلي الدول المدعوة وعشرات الصحافيين الذين كان عليهم الانتظار لأكثر من ساعتين زيادة عن الموعد المحدّد وفق البرنامج، للاستماع إلى خطاب الرئيس الذي أطل شابكاً راحتي يديه قرب صدره، كما كان يفضّل، لتحيّة مستقبليه الهاتفين بحياته ورافعي صوره. في التنقل من مكان لآخر، كان الضيوف، كما التونسيين، مضطرين لمشاهدة صورة للرئيس كل بضعة أمتار، وبين الحين والآخر كانت تطل يافطة ضخمة كتب عليها «شكراً سيادة الرئيس لقبولكم الترشّح لولاية رئاسية جديدة».

لم تأت الانتخابات وتوقّفت الولاية الرئاسية عند حناجر الشباب التونسي الذي انتفض على وقع شمعة محمد البوعزيزي التي احترقت لتضيء الطريق لمسار انتفاضي توّج بأول انتخابات حقيقية أتت بالمجلس الوطني التأسيسي لتونس الجديدة الذي عقد جلسته الأولى قبل يومين في القاعة ذاتها وفي أجواء لم تألفها تونس طيلة عقود وبلا هتاف لشخص بعينه.

إذن يحق للمنصف المرزوقي أن يشعر بالانبهار وهو يتحدّث تحت قبّة أول مجلس تأسيسي منتخب ديمقراطياً في البلاد. زعيم «حزب المؤتمر من أجل الجمهورية» والمرشح للرئاسة يرى أحلامه تتحقق بعد عقود من القمع والاضطهاد، وبفضل انتفاضة شعبية عارمة نظيفة وحضارية . وها هي قاعة المجلس التي كانت مسرحاً للكذب والزيف، كما يرى المرزوقي، تتحوّل اليوم إلى مجلس يمثل إرادة الشعب التي تخطئ حيناً وتصيب أحياناً، لكنّها بالتأكيد لا تخطئ دائماً. هذا المجلس جاء تجربة أولى معبّراً عن أول خطوات يتلمّسها التونسيون في طريق الديمقراطية. قد لا يكون تشكيلاً مثالياً في المقدّمات والنتائج، لكنّه يمثّل إحدى أفضل البدايات في التجارب الديمقراطية، بالقدر ذاته الذي ستلقى على عاتقه مسؤولية إقامة ما وصفها المرزوقي بأنها «أول جمهورية حقيقية في البلاد العربية» بعد عصر «الجملكيات» أو الجمهوريات الملكية.

نستطيع أن نقول إن تونس وضعت قدميها على سكّة الانطلاقة الثانية، أو إنها تبدأ الآن تشكيل ملامح الدولة المدنية، دولة المؤسسات المحكومة بدستور سيضعه المجلس التأسيسي وقوانين سيجري سنّها أو تطويرها، وخلف قيادة جماعية تحت الدستور والقوانين وليست فوقها، وفي بيئة سياسية يحكمها الفصل بين السلطات الثلاث التشريعية والقضائية والتنفيذية.

لكن لا يظن أحد أن الحديث يدور عن «المدينة الفاضلة» لأن كل ما جرى حتى الآن لا يعني أن الطريق سيكون مفروشاً بالورود وبلا تحدّيات أو عقبات للوصول إلى وضع ينعم فيه الشعب بالحرية والديمقراطية المقترنة بالتنمية والعدالة الاجتماعية. وفي هذا السياق يكفي إلقاء نظرة إلى دول تحكمها ديمقراطيات مختلفة الأشكال والمسمّيات ويأتي قادتها بالانتخاب، لكنّها تواجه صعوبات كبيرة وبعضها يقف على حافة الإفلاس. لكن بالإمكان القول إن تونس على أعتاب الانتهاء من مرحلة متقدّمة على طريق إنجاز التحوّل الديمقراطي الذي يؤسس بدوره للمرحلة الجديدة ويوفّر أدوات النضال المجتمعي الحر في سبيل إنجاز مرحلة التحرر الاجتماعي وأسسها الاقتصادية التي تأخذ الشعب باتجاه العدالة، وهذا منوط بقوة فعل الأحزاب الديمقراطية المطالبة بأن تحافظ على تماسكها وصلابتها ونقائها كي تكون منافساً حقيقياً في عملية البناء، والاستعداد للعمل النضالي الشعبي الذي يؤهّلها لتكون البديل عن القوى التي تفشل في تحقيق وعودها وشعاراتها السياسية والتنموية.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 10 / 2180934

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

9 من الزوار الآن

2180934 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 8


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40