الثلاثاء 22 تشرين الثاني (نوفمبر) 2011

مصر من جديد

الثلاثاء 22 تشرين الثاني (نوفمبر) 2011 par أمجد عرار

لم يتفاجأ بالأحداث الأخيرة في مصر سوى المعتقدين أن النظام السياسي في أي بلد يتمثل برأس السلطة وحفنة رموز تحيط به وجيش وأجهزة أمن وسجون «مزدهرة» ومدارس ومستشفيات مهترئة، وبمجرد انهيار الرموز ينهار النظام الجهنمي وتبدأ الحياة الفردوسية. من يعتقد ذلك لا يدرك صيرورة الحركة ومنطق التطور التاريخي في المجتمعات، فيحاول إسقاط قوانين الفيزياء والحركة الميكانيكية على المجتمع وثورة التغيير.

ما يجري في مصر منذ 25 يناير/ كانون الثاني ليس استثناء في حركة التاريخ، كما أن سرقة الثورات والالتفاف عليها، بل وبيعها لتجار المصالح، كل ذلك ليس استثناء، فثورة التغيير صيرورة وديمومة في عملية تاريخية، ولعل سقوط رموز النظام خطوة صغيرة في المسار الطويل لهذه العملية. ومنذ اليوم الأول لمصر ما بعد تنحي الرئيس السابق، حذر كثيرون من الاعتقاد أن التغيير قد تم وأن بساطاً من العدل والحرية والديمقراطية والسيادة الوطنية والحياة الرغيدة قد افترشته الثورة للمصريين.

ها نحن بعد تسعة أشهر من الخطوة الأولى ومن اختبار النوايا الحقيقية لأهل الحكم الجدد والقوى السياسية الأصيل منها والمتطفّل، نقف أمام الحقيقة المرة. أكثر من 30 قتيلاً وما يقرب من ألفي جريح سقطوا في مصر خلال ساعات. من كان يتابع المشهد المشتعل في ميدان التحرير يخال له أنه أمام فيلم وثائقي يعيد بث أحداث ثورة 25 يناير. لا، هذا يحدث في مرحلة ما بعد سقوط رموز النظام السابق، وقد يتكرر. وهذا يعني أن نظاماً ما لا ينتهي بمجرد سقوط رموز السلطة السياسية بما فيها رأسها، وبخاصة عندما يترسخ نفوذ السلطة لعقود عدة ويتغلل في ثنايا المجتمع كله وينشئ وضعاً أخطبوطياً رأسه حيتان مال وهيكله هوامير وأسماك وطفيليات تمسك بكل مفاصل الاقتصاد في البلد وتمتص عصارة جهد العامل والفلاح وصغار المنتجين.

عندما يتشكّل واقع بهذه المواصفات طيلة عقود، لا يظنن أحد أن تغييره يتم في ثمانية عشر يوماً، لأن أي جديد يولد من رحم القديم الذي يكابد ليبقى ويحمي مكتسباته.

لا ينبغي أن ينتظر أحد شهوراً أو حتى سنوات لكي يرى مصر التي يتصورها ويريدها، قد أصبحت أمام ناظريه. هناك الثورة المضادة وهي ليست قليلة التأثير عندما تتشكل من حيتان العهد السابق الذي ما زال له وجود في العهد الحالي وفي قمة الهرم، وهناك فلوله والطفيليات التي كانت منتفعة منه، وهناك أيضاً امتدادات إقليمية ودولية لها تأثير الرياح في الأشجار، كما أن هناك قوى سياسية تفرّجت على معاناة المصريين لعقود، وعندما جاءت لحظة التغيير من خارج فعلها ركبت الموجة وتستغل إمكاناتها الكمية في سبيل جني الثمار والإمساك بالمقود، ولا بأس بوضع اليد مع جهات خارجية كانت حتى الأمس القريب عدواً في الخطب والتصريحات والبيانات.

يجب أن يكون واضحاً أنه كلما كبر حجم البلد وعظم تاريخه تكون التحديات، وأنه كلما كان الدور المناط بدولة ما كبيراً، يكون حجم التآمر عليها أكبر. من هي الدولة الإقليمية التي تحتل هذه المكانة من عظم التاريخ وعبقرية الشعب وضخامة الدور والتأثير إن لم تكن مصر؟

على المصريين أن ينتبهوا إلى أن المنطقة تتشكّل ويريد لها الاستعمار الذي لم يغب يوماً أن تتشكّل وفق «خريطة الشرق الأوسط الجديد»، وهذه الخريطة لكي تكون كما يريدون، يجب أن تبقى فيها «إسرائيل» هي الآمر الناهي، وأن تبقى مصر منشغلة بنفسها.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 9 / 2178996

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

19 من الزوار الآن

2178996 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 23


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40