الاثنين 21 تشرين الثاني (نوفمبر) 2011

بين الجامعة العربية و«الميدان» .. وبين المبادرة والحرب الأهلية

الاثنين 21 تشرين الثاني (نوفمبر) 2011 par طلال سلمان

بين مقر جامعة الدول العربية وميدان التحرير في قلب القاهرة مئة خطوة أو يزيد قليلاً... ولكن الفارق بين ما يجري في المكانين المتجاورين كما بين من «يحتلانهما» هائل وخطير يكشف حدة الأزمة التي تعيشها المجتمعات العربية في علاقتها مع الأنظمة القائمة في عواصمها والتي يحتل ممثلوها مقاعدهم في المبنى الأنيق على وقع الهتافات المنادية بسقوط بعضها، بدءاً بمصر.. وصولاً إلى اليمن!

فأما «الميدان» الذي صار له شبيهه في العديد من العواصم والمدن العربية فيحتوي شوارع عدة بشعارات مختلفة إلى حد التناقض حول طبيعة النظام البديل المرتجى.

ولقد اعتادت الأنظمة، في زمن مضى، أن تقف بأزماتها أمام هذا المبنى العريق الذي شيّدته إرادة التحرر على أنقاض معسكر لجيش الاحتلال البريطاني، عندما كانت مصر حاضرة وقادرة على لعب دور المرجعية العربية الشرعية... أما بعدما غابت مصر، بل غُيّبت عن هويتها ودورها فقد ضمرت «الجامعة» وذهب منشئوها إلى مراجع بعيدة لا تتحدث العربية ولا تفهمها غالباً.

وبين المفارقات اللافتة أن يكون «الشعب يريد إسقاط النظام» في الخارج وتلك «الدول» التي تكاد تكون بلا شعوب تمسك بزمام القرار في الداخل... لكأن الذين هم داخل المبنى المزخرف بالنقوش العربية الجميلة لا يسمعون الهتافات المدوية التي تهز مقاعدهم داخل القاعة الدائرية التي «طردوا» منها ممثل سوريا كعقاب لنظامها الذي يواجه انتفاضة شعبه بالقوة المفرطة.

إن من طرائف هذا العصر أن تتولى جامعة الدول العربية قيادة الثورات أو محاسبة الأنظمة التي تخرج على إرادة شعوبها، وهي في التكوين قامت وتبقى، تنشط أو يتضاءل دورها إلى حد الاختفاء بقرار من تلك الأنظمة بالذات، ثم أنها بطبيعة وظيفتها لا تستطيع ـ حتى لو رغبت ـ أن تكون ملجأ الثورات ومركز توجيهها... فالثورة تحتاج إلى قوى وأفكار وثقافة وعقائد وتنظيمات لا يستطيع النفط أو الغاز استيلادها.

وفي السنوات الأخيرة أصاب الوهن جامعة الدول العربية ـ كمؤسسة ـ إلى حد أنها كانت «تتسوّل» ميزانيتها، وإلى أنه بات باستطاعة أي مندوب يمثل دولة غنية أن يعامل أمينها العام وكأنه مجرد منفذ لإرادة بلاده التي تغطي ضخامة ثروتها على ضآلة حجمها... حتى لو كان العابرون في ميدان التحرير في أية ساعة أعظم عدداً وخبرة وقدرات من سكان «الدولة» التي يمثلها في الجامعة.

■ ■ ■

ليس من حل لأزمة الثورة في مصر إلا داخل مصر وبالمصريين تحديداً. ولم يكن «الخارج» في أي يوم ولن يكون مصدراً للحلول للأزمات الوطنية.

وليس من حل لأزمة النظام في سوريا إلا في سوريا ذاتها وبالسوريين تحديداً... والمدخل الطبيعي هو الاعتراف بالأزمة وأسبابها ومسبباتها والاستعداد لمعالجتها جدياً وبقرارات شجاعة تقر بالأخطاء وخطورة الوضع الذي ينذر بتفجرات دموية تتجاوز بمخاطرها أي توقع، وتحصن البلاد في وجه أية محاولة للتدخل الخارجي بالمسارعة إلى ترميم الوحدة الوطنية ومحاسبة المسؤولين عن إضعافها بذريعة حماية النظام، فلا يمكن المفاضلة بين النظام والوطن ووحدة شعبه.

ومن أسف فإن تحويل مبنى جامعة الدول العربية إلى ساحة صراع بين المعارضين للنظام ومؤيديه لا يفيد إطلاقاً في تقريب ساعة الحل أو تحديد الطريق إليه، بل إن ذلك يسيء إلى الشعب السوري قبل نظامه ويقدم الممثلين المفترضين لقواه السياسية ـ الموالية كما المعارضة ـ في صورة أقل ما يقال فيها إنها غير لائقة بكرامة الدم المراق في سوريا طلباً لتغيير يتناسب مع حقوق هذا الشعب الذي بنى بلاده بتضحياته، والذي وفر لها المكانة الممتازة عربياً ودولياً عبر تقديمه مصلحة الوطن والدولة على حقه في حياة كريمة تليق بدوره المميز في خدمة أهداف نضال أمته، مع الاستذكار دائماً أن «الدور المركزي» لسوريا عربياً، ما كان يمكن أن يتحقق لولا أن شعبها قدم مصالح الوطن على مطالبه الحياتية المباشرة.

■ ■ ■

إن الانفجار الذي شهده «الميدان» في القاهرة، أمس، يؤكد أن «النظام المؤقت» الذي استولد قيصرياً مع إسقاط حسني مبارك يقصر عن فهم مطالب الثوار، أو يحاول التحايل عليها باللعب على التناقضات بين القوى السياسية التي تلاقت اضطراراً بينما هي تختلف في أهدافها وفي رؤيتها للنظام الجديد، جذرياً.

بالمقابل فإن النظام في سوريا الذي أخذته «مبادرة» الجامعة العربية على حين غرة يرفع ـ متأخراً ـ الشعار الصحيح الذي تردد أكثر مما يجب في تحقيق مضمونه القائل بأن الحل يكون في الداخل أو هي الحرب الأهلية التي تستدرج التدخل الدولي.

وليس بغير دلالة أن يتكرر تعبير «الحرب الأهلية» على ألسنة كبار المسؤولين في دمشق مثيراً المزيد من المخاوف المصيرية في المحيط السوري جميعاً، من لبنان إلى الأردن فإلى العراق، بغير أن ننسى الأوضاع الفلسطينية البائسة.

ربما لهذا تتزايد حدة المطالبة بأن يحسم النظام السوري الأمر ويقرر ما وعد به مراراً وتكراراً عن تحديد موعد نهائي للحوار الوطني العتيد الذي يفترض أن يكون مفتوحاً لأشتات المعارضة جميعاً التي لا ينقص من أهميتها أن تكون قضيها أكبر من تنظيماتها جميعاً.

وليس «تفشيل» مبادرة الجامعة العربية «نصراً» كما أن المساعدة على إنجاحها لا تشكل هزيمة.

فالأمر، بداية وانتهاءً، ما زال بين أيدي النظام، إذا ما قرر أن يحسم تردده فيبادر إلى الحوار الوطني بقصد توفير المخرج الفعلي من الأزمة الدموية التي تعصف بسوريا جميعاً، وتهدد «منطقتها» بكل أقطارها، وصولاً إلى الجامعة التي تعيش على هدير ميدان التحرير.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 16 / 2165277

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

10 من الزوار الآن

2165277 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 11


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010