السبت 19 تشرين الثاني (نوفمبر) 2011

عزيزتي أمريكا

السبت 19 تشرين الثاني (نوفمبر) 2011 par د. عبد العزيز المقالح

هل تأتي عظمة الشعوب من حضارتها وحكمتها ومخترعاتها ذات الطابع الإنساني، أو من القوة والغطرسة وما يرافقها من عدوانية مرفوضة ومدانة؟ سؤال يتضمن جوابه لدى البعض ولا يتضمن الجواب لدى بعضهم الآخر، ومع ذلك سنتركه لما يأتي من ملاحظات، بات يطرح من الأقوال التي يرددها بعض أصدقاء الولايات المتحدة والمفتونون بماضيها الذي لم يكن يخلو من وحشية، أو بعبارة أوضح الذي قام بفضل الوحشية. يقول هؤلاء المفتونون بذلك الماضي الأمريكي، ماضي القرن التاسع عشر، إن عظمة هذه الدولة الكبرى كانت في ذلك الحين تقوم على الديمقراطية والإبداع والإنتاج وتشجيع المواهب وفتح الأبواب لكل من يريد أن يصبح مواطناً صالحاً. لكن حال هذه الدولة كما يقول البعض من أصدقائها، تغيّر مع بداية القرن العشرين وزاد سوءاً في منتصفه ثم صار كارثياً في نهاية ذلك القرن. فقد افتقدت الدولة العظمى الطريق الصحيح والتحقت بالدول الاستعمارية ودخلت في منافسة معها، ثم وضعت نفسها بكل احتقار لماضيها، موضع الوريث لخطايا تلك الدول الاستعمارية.

لقد تساقطت شعارات الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان تدريجياً واحترقت نهائياً في فيتنام وأماكن أخرى. وفي العقد الأول من القرن الواحد والعشرين كشّرت الدولة الراعية لحقوق الإنسان عن أنيابها وقامت بغزو العراق في نوبة جنونية غير مسبوقة، وكانت قبل غزو هذا البلد العربي قد غزت أفغانستان بالطريقة نفسها وأشبعت الأفغانيين قتلاً وتدميراً وتشريداً. وتم ذلك تحت ذريعة واحدة وواهية هي حماية الولايات المتحدة من الإرهاب وحماية الدول الأخرى من انتشار أسلحة الدمار الشامل التي ستتحول في أيدي (دول الشر) إلى تهديد للبشرية. ولم يتساءل قادة هذه الدول العظمى أنفسهم عما يقومون به من تهديد أفظع لكل البشر، ومن إرهاب العائشين على وجه الأرض بالقوة المتفوقة والهيمنة الاستعمارية المطلقة.

ومن حسن حظ البشر أن بعضاً من أهم أصدقاء هذه الدول العظمى ينشطون في فضحها، وأن أصواتاً نقية وذات مصداقية كانت وما تزال ترتفع من قلب الولايات المتحدة ذاتها، من صحافتها الحرة، ومن أفواه كتّابها وشعرائها الذين يقرأون الواقع بعيون إنسانية وبقلوب خالية من المطامع والمصالح الذاتية، وهؤلاء هم الذين كانوا وما يزالون يحافظون على الحد الأدنى من احترام العالم للشعب الأمريكي الذي أطلع أبراهام لينكولن محرر العبيد ومؤلفة «كوخ العم توم» والعشرات من صناع القيم والأفكار الحرة والمئات من المبدعين والشعراء الذين تغنوا للمحبة وللإنسانية بقلوب صافية وكلمات دائمة التألق والإضاءة، ولم يكن الشاعر الأمريكي «روبرت بترسون» أولهم ولا آخرهم في رسالته الموجهة إلى عزيزته أمريكا التي خان قادتها العهد الذي قطعوه معها :

عزيزتي أمريكا، أنت سبب قلقي وحيرتي، فصداقتنا الأبدية تهتز، وأصبحت لا أثق بك، ولا بأحلامك، ولا بمصيرك، مطلقاً بعد اليوم، لم تعودي درة المحيط، ولا أرض الحرية والأحرار، ولم يعد بابك هو الباب الذهبي.

أمريكا من تكونين، كي تطلبي مني أن أعمل إحصائيات لديك أو مسجلة، وأنا لن أسكت عن ذلك، فأنا لن أسكت عن تسليم جسدي إلى الوزراء، والجنرالات، ولن أسكت على هذه التقارير الزائفة التي تُرفع إليّ مليئة بالأطفال القتلى، والأخبار المجنونة.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 24 / 2165265

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

20 من الزوار الآن

2165265 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 8


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010