الخميس 17 تشرين الثاني (نوفمبر) 2011

قرار الجامعة العربية بتعليق عضوية سورية

الخميس 17 تشرين الثاني (نوفمبر) 2011 par منير شفيق

تدهورت قرارات الجامعة العربية، ولاسيما مواقف أمينها العام السابق في العشرية الأولى من القرن الواحد والعشرين. فقد أصبحت أداة تعبّر عن سياسات ما سمّي بمحور «الإعتدال العربي» بقيادة مصر والسعودية في حينه. وكان قد ارتهن لسياسات المحافظين الجدد في أميركا.

منذ نشأة الجامعة العربية أرادت لها بريطانيا بعد الحرب العالمية الثانية أن تكون بديلاً للوحدة العربية من خلال تكريس التجزئة القطرية العربية في عهد الاستقلال. وقد تنازع الموقف من الجامعة اتجاهان: الأول اعتبرها، وظل يعتبرها أفضل من عدمها. لأنها تظل ولو من ناحية رمزية تفرض الهوية العربية على أعضائها، كما افترض بأن تحقق ولو الحد الأدنى من التضامن العربي السياسي والتعاون العربي الاقتصادي. أما الاتجاه الثاني فكان يحكم عليها بالفشل والعجز، ولاسيما، من جهة تنفيذ قراراتها، أو معالجة ما يمكن أن ينشأ من خلافيات عربية - عربية.

التقى الاتجاهان، في أغلب الأحيان، عند حدّ يقول «وجودها أفضل من عدمها». ولكن في العشرية الأخيرة أصبح وجودها عامل سلب خطر لاسيما كما تبدّت مواقفها من حرب العدوان الأميركي على العراق، ومن مرحلة احتلال العراق وكذلك من الحربين العدوانيتين على لبنان 2006 وقطاع غزة 2008/2009.

ولهذا كان يؤمل أن تتخلص الجامعة العربية، في عهدها الجديد، من هذه السلبيات التي تمسّ الأمن القومي العربي. وذلك نتيجة ما حدث من تغيير في مصر بإسقاط نظام حسني مبارك. وعزّز ذلك ما كان قد صدر من أمينها العام الجديد نبيل العربي من تصريحات في أثناء توليه للخارجية المصرية، وقد جاءت متقدّمة نسبياً عن سياسات سلفه سيء الذكر أحمد أبو الغيط. فقيادة مصر للجامعة تستطيع أن تمنع أي قرار سلبي إن لم يكن باستطاعتها فرض قرار إيجابي. وهو ما يحملها مسؤولية خاصة عن كل قرار.

ولكن للأسف كسرت أمانة الجامعة العربية (مصر) ومجلس وزراء الخارجية العرب «عصاتهما مع أولى غزواتهما». وإذا بهما يسلمون مصير ليبيا إلى أميركا ودول الناتو عندما أحالوا المشكل إلى مجلس الأمن. وقد أثبت هذا القرار بالممارسة أنه كان كارثياً على ليبيا. فالاستعانة بالتدخل الخارجي أثبت دائماً أنه جريمة بحق الشعب والبلاد والأمّة. وعودوا إلى التاريخ الحديث، في الأقل، منذ الحرب العالمية الأولى إلى اليوم.

بكلمة، كان قرار تحويل قضية جرائم القذافي ضدّ المدنيين في ليبيا إلى مجلس الأمن خطيئة لا تغتفر من جانب مجلس وزراء الجامعة العربية. الأمر الذي جعل العهد الجديد للجامعة يأتي بما لم يأتِ به العهد السابق الذي هبط بالجامعة إلى الحضيض. وإذا بنا نكتشف أن هنالك حضيضاً أدنى من سابقه في العهد الجديد.

عندما راح يكرر أمين عام الجامعة العربية نبيل العربي منذ زيارته الأولى لسورية حتى إطلاق المبادرة العربية الأخيرة أن الاستعانة بالتدخل الخارجي غير واردة، وأن الجامعة العربية ستتولى هي مسؤولية التوصل إلى حل كما نصت المبادرة المذكورة وكان ذلك يعني أن الجامعة العربية تعلمت من الدرس الليبي أو بدأت تقترب من الحد الأدنى المطلوب منها.

على أن الطريقة التي تعاملت بها مع مبادرتها بلا مثابرة وتوازن، ثم الطريقة التي أُخرج بها قرار تعليق عضوية السوري فيها ابتداء من 16/11 أي بعد أربعة أيام، كشفتا أن المبادرة لم تكن جادّة وإنما أُريدَ منها أن تمهد لقرار التعليق، أو لاستدراج مؤيدين أكثر للقرار المذكور. الأمر الذي أعاد الجامعة، مرّة أخرى، إلى الحضيض الذي أصدر قرار تسليم ليبيا وشعبها إلى مجلس الأمن.

صحيح أن أمين عام الجامعة العربية أعاد التشديد على أن قرار تعليق العضوية ليس تمهيداً للتدويل، أو استدعاء للتدخل الخارجي، إلاّ أن السياق الذي حكم حراك لجنة المبادرة وصولاً إلى القرار المذكور لا يؤكد جدية هذا النفي بل يترك باباً واسعاً لاحتمالات سيئة وخطرة سورياً وعربياً وإقليمياً.

ولهذا يجب شجب هذا القرار وتحميل الجامعة العربية ابتداءً من أمينها العام كل ما يمكن أن يحدث نتيجة له سواء أكان على مستوى الصراع داخل سوريا أم على المستويين العربي والإقليمي. فالقرار سيكون موضع استغلال إلى الحد الأقصى من جانب الولايات المتحدة والغرب ومحكمة أوكامبو المصهينة ومنظمات حقوق إنسان دولية مشبوهة.

أما من الجهة الأخرى فإن القرار وبكل المقاييس يتعارض مع ميثاق الجامعة العربية ويُدخِل المجلس الوزاري في لعبة السياسات المزدوجة. وأولها السكوت عما يجري في دول عربية أخرى ولاسيما في اليمن، وثانيها التحوّل إلى مخلب قط بالنسبة إلى السودان على الخصوص. فأميركا بعد أن تآمرت على تقسيم السودان بين جنوب وشمال، أخذت تشمرّ عن ساعديها لتقسيم آخر في كردفان ودارفور. فهل ستستخدم سابقتا ليبيا وسورية في السودان كذلك؟

إن إقحام الجامعة للتدخل في الشأن الداخلي لمن يمكن أن يُستَضعف من أعضائها في غير طريق إصلاح ذات البين. وذلك مثل اللجوء إلى مجلس الأمن والقبول بالتدخل الخارجي تمسّ قضايا تخصّ حقوق الإنسان والحريّة وحياة المدنيين سوف يؤدي إلى دمار الجامعة من حيث أتى.

لقد كان النقد الأساسي منذ النصف الثاني من أربعينيات القرن الماضي إلى آخره هو عدم تطبيق الجامعة لقراراتها بخصوص نصرة القضية الفلسطينية، أو المنطقة بكل عمل عربي مشترك على المستويات الاقتصادية والتنموية والتعليمية والصحية وصولاً إلى وعد السوق العربية المشتركة. أما اليوم فقد أصبح النقد موجهاً للقرارات نفسها حيث راحت تسارع إلى تطبيق كل ما هو سلبي وسيء ومفرّط في القضية الفلسطينية، والمتواطئ مع التدخل الخارجي بما في ذلك مع حصار قطاع غزة. وهكذا سيُكتب تاريخ الجامعة ضمن مرحلتين : قرارات إيجابية تواجَه بالعجز وعدم التطبيق وقرارات سلبية وسيئة تنزل إلى التطبيق فوراً.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 17 / 2165248

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

13 من الزوار الآن

2165248 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 12


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010