الخميس 17 تشرين الثاني (نوفمبر) 2011

القدس التي تيتّمت

الخميس 17 تشرين الثاني (نوفمبر) 2011 par أمجد عرار

مجدداً تعود «إسرائيل» مسلّحة بعجرفتها وعنجهيتها وغيابنا عن الوعي، لتواصل التجريف في مقبرة «مأمن الله» الإسلامية التاريخية في مدينة القدس التي تيتّمت. هناك حيث تنبش قبور صحابة وعلماء وتدنس رفاتهم. المفارقة التي لا تركب حتى على منطق ما قبل القرون الوسطى أن «إسرائيل» تريد أن تنشئ مكان المقبرة متحفاً تسميه «متحف التسامح». يلعبون بالأسماء كما يحلو لهم ليضللوا العالم ويذوّبوا وعيهم في محلول التضليل القذر والمخزي.

في اليوم ذاته حيث أدخلت الجرافات ومعدات الحفر إلى المقبرة، صادقت بلدية الاحتلال في القدس على مئات الوحدات الاستيطانية في المستوطنات السرطانية التي تنهش جسد المدينة المستغيثة بلا مغيث. «إسرائيل» تعلن بلا تردد أو أخذ اعتبار لأحد من العرب والمسلمين، وهو أمر مفهوم تماماً، أن القدس عاصمتها الموحّدة للأبد، وأن مخططها التهويدي مستمر لأن «عشرين عشرين» سيجعل من فلسطينيي القدس بقايا سكان عام 2020 ليكتمل التهويد ويسقط اسم القدس ليبقى فقط «أورشاليم».

أحد الكتّاب استخدم مصطلحاً يثير الضحك والبكاء معاً بقوله «الصراع على القدس». نعذره فقط لأنه لم يدخل القدس، وكيف يستطيع؟ فدونه والمدينة معابر «إسرائيلية»، وإن حصل على «مكرمة» دخول من المغتصبين سيحتاج تصريحاً منهم لدخول «عاصمتهم»، وإن حصل سيقف في الطابور على أحد الحواجز المنصوبة على مداخل المدينة، وعندما يأتي دوره سيدخل بوابة من القضبان الدائرة التي لا تدور إلا بكبسة تحت إصبع جندية تعذّبه بنظراتها وتجعله لدقائق محشوراً بين القضبان كدجاجة علقت في السياج. نظراتها الحاقدة الجبانة التي تسرق جرأتها من جبننا تقول : أنتم كلكم دجاج، فهل تستطيعون أن تخرجوا من القضبان إلا بكبسة إصبعي؟ كبسة إصبعها تقول إن مليار ونصف المليار مسلم وثلاثمائة مليون عربي، لم يبق من إسلاميتهم وعروبتهم إلا حروف الاسمين في بطاقات الهوية. عجرفتها تسخر منا جميعاً وتقول : أنتم الفلسطينيين اذهبوا بعيداً في انقسامكم المتخلّف الغبي، وتقاتلوا على جلد دب ما زال في يد «إسرائيل». أنتم الفلسطينيين واصلوا الحديث عن مفاوضات معنا، ونحن نواصل ذبحكم وتدنيس مقدّساتكم. أنتم المسلمين اغطسوا في خلافاتكم وتناحركم وحاولوا حسم خلاف عمره ألف وأربعمئة سنة ثم تعالوا تحدّثوا عن «أورشاليم». أنتم العرب لديكم الكثير لفعله بأنفسكم، فسيوفكم ما زالت لم تغرس كلها في قلوب بعضكم بعضاً، غطوها كلها بالدماء أولاً ثم فكروا في إشهارها في وجوهنا. ها هي بعض بقايا تاريخكم في مدينة القدس تحت أكف جرافاتنا، نبعثر رفات قادتكم الذين حرروا القدس وقضوا فيها، تقولون إنهم عظماء؟ فلتستطيعوا حماية عظامهم التي ستدخل في أساسات متحفنا الذي سنسميه رغم أنوفكم «متحف التسامح» لنضحك على العالم ما دمنا نستطيع، وما دام يرضى بأن نضحك عليه. أنتم العرب لا حول لكم ولا قوة، مبعثرون متشرذمون إذا تلملمتم فعلى بعضكم وإذا تقدمنا نحن تراجعتم، وإذا استغاثت قدسكم رفعتم صوت الضجيج لإخفاء الاستغاثة ودفنتم رؤوسكم في الرمال، ما أقوى تحالفكم مع النعام، وقد هجرتم عروبتكم منذ انتهك شرف القدس أو قبل ذلك بكثير.

هل تحفظوا اسم ناطق رسمي «إسرائيلي»؟ لم تعد «إسرائيل» بحاجة لناطقين، فالناطق باسمها جرافة وصاروخ وخرافة. أما أنتم فلا فعل لكم فضخّموا أصواتكم أكثر، فالطبل يعلو صوته أكثر كلما كان أضخم وفراغه أكبر. أيها الفلسطينيون والعرب والمسلمون، أمعنوا في انقسامكم وفتنكم وتقاتلكم، وانحتوا من صخر بؤسكم فتاوى بقاء الاحتلال، لكنكم لن تسقطوا الحقيقة القائلة إن «بوصلة لا تشير إلى القدس مشبوهة».



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 18 / 2165832

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

24 من الزوار الآن

2165832 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 25


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010