الخميس 17 تشرين الثاني (نوفمبر) 2011

أوباما في طبعةٍ فرنسية

الخميس 17 تشرين الثاني (نوفمبر) 2011 par خيري منصور

كان وصول أوباما إلى البيت الأبيض علامة فارقة وانعطافة شديدة في تاريخ الرئاسة الأمريكية التي طالما كانت من نصيب «الواسب»، وهو مصطلح يختصر الإنجلوساكسونية والبروتستانتية، إضافة إلى اللون الأبيض، ويبدو أن عدوى هذه الانعطافة قد وصلت إلى فرنسا. فقد قرر أحد أبرز السّود فيها ومن يرأس المنظمة التي تمثلهم وهو «باتريك لوزس»، ترشيح نفسه للرئاسة ليكون أول أسود يدخل الإليزيه من بابه الواسع. وفرنسا التي تعد نفسها الوريث الشرعي لثورة 1789 ولثالوثها المؤلف من الحرية والعدالة والمساواة، ما تزال غير قادرة على قبول امرأة ترأس الجمهورية، فهل ستقبل رجلاً أسود يعمل في مجال الصيدلة ويحلم بإصدار طبعة رئاسية منقحة من باراك أوباما؟

إن عدد السّود في فرنسا يتجاوز الخمسة ملايين ومنهم شخصيات ذات نفوذ، وقد مهّد لدور السّود في فرنسا مثقفون من طراز جان بول سارتر الذي حمل لواء الشعراء والأدباء السّود، وسمّاهم «أرفيوس الأسود» نسبة إلى بطل الأسطورة اليونانية العائد من العالم السّفلي. وفرنسا جربت من قبل أن يدخل إلى الإليزيه ويحكمها من هم ليسوا من أصول فرنسية، والشاهد الرّاهن هو نيكولاي ساركوزي، لكن هل سيكون انتخاب رئيس أسود مثل «لوزس» جرعة ثقيلة وعسيرة الهضم لدى الفرنسيين الذين استيقظت لديهم في الأعوام الأخيرة نزعة عرقية مضادة للمهاجرين ولمن هم من أصول غير فرنسية؟

قبل وصول أوباما إلى منصب الرئيس كان هذا أقرب إلى الفانتازيا السياسية، ويراه بعض الراديكاليين من البيض أضغاث أحلام، أما وقد وصل الرجل بعد فوز لم يكن يخلو من دراماتيكية، فإن الحاجز الأبيض قد اخترق. وأصبح لدى العالم كله إحساس بأن هناك بوابات موصدة لأسباب عرقية قد فتحت على مصاريعها. وإذا كان المزاج الذكوري العام في فرنسا لا يتقبل رئيسة للجمهورية، فذلك لأن ما طرأ على العالم ومنه فرنسا بالطبع خلال العقود الماضية، أنساها ما بشّر به مثقفون ومفكرون عن تأنيث التاريخ والمستقبل، فقبل أن يكتب فوكوياما عن هذا التأنيث للتاريخ، كان الشاعر الفرنسي لويس أراغون يرفع شعاراً مضاداً لأيديولوجيا الذكورة الصارمة، وهو أن المرأة هي مستقبل الرجل! أما الكاتبة سيمون دو بوفوار، فقد ألّفت كتاباً مكرساً للدفاع عن المرأة هو «الجنس الآخر»، قدمت فيه الأسباب التي أدت إلى اختزال المرأة من إنسان إلى مجرد وظيفة.

وسواء فاز «لوزس» أم لم يَفُز، فإن مجرد التطلع إلى الإليزيه من رجل أسود في فرنسا، له دلالات عدة، إضافة إلى الدلالة الأولى التي قدمتها العدوى الأمريكية بفوز أوباما.

فالسّود لم يعودوا كما كانوا وكما أراد لهم الرجل الأبيض أن يكونوا، لأن هذا الأبيض المزهو بلون بشرته وزرقة عينيه، أخذ الأسود من ذراعه إلى الرصيف ليقوم بأعمال خدمية، كما قال برنارد شو وهو يسخر من بياضه.

وهناك نساء في مختلف بقاع الأرض اخترقن الحاجز الذكوري ومنهن رئيسات ووزيرات وقائدات لمنظمات دولية كانت حكراً على الرجال، لهذا فإن الاستمرار في إقصاء المرأة عن بعض المناصب، ومنها منصب الأمين العام للأمم المتحدة مثلاً، لن يستمر طويلاً، تماماً كما أن إقصاء السّود لعدة قرون توقف، وإذا كان أوباما قد كسر الحاجز من أعلاه، فهناك مَنْ سبقوه وشغلوا مناصب حساسة في أمريكا منهم، للمثال فقط، كولن باول ورايس وآخرون.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 13 / 2165538

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

5 من الزوار الآن

2165538 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 5


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010