الأربعاء 16 تشرين الثاني (نوفمبر) 2011

محطات فلسطينية مع جامعة الدول العربية

الأربعاء 16 تشرين الثاني (نوفمبر) 2011 par نافذ أبو حسنة

حسناً فعل أحد الأصدقاء حين أعاد، قبل يومين، نشر الرسالة التاريخية التي وجهها القائد الشهيد عبد القادر الحسيني، إلى الأمين العام لجامعة الدول العربية، عشية استشهاد الحسيني في معركة القسطل (9/4/1948).

في رسالته القصيرة تلك كتب القائد الحسيني : «السيد الأمين العام لجامعة الدول العربية / القاهرة. إني أحملكم المسؤولية بعد أن تركتم جنودي في أوج انتصاراتهم بدون عون أو سلاح».

كان الحسيني توجه إلى «اللجنة العسكرية العربية» التابعة للجامعة، طالباً مدداً بالسلاح، لتعزيز الدفاعات حول القدس التي كانت تتعرض لموجات مستمرة من هجمات عصابات «الهاغاناه». وقد خرج من الاجتماع مع رئيس اللجنة «والدموع تملأ عينيه» وفق رواية المناضل القومي الأستاذ «ممدوح رحمون». وعاد إلى القدس، مع «كيسين صغيرين من الفشك، ومدفع صغير» بحسب رواية المناضل «بهجت أبو غربية».

بقية القصة معروفة. فقد سقطت القسطل أثناء غياب الحسيني، فاندفع لاستردادها، مدركاً أهميتها في الدفاع عن القدس، واستشهد في المعركة، ليكون استشهاده ومجزرة دير ياسين التي وقعت في اليوم نفسه، من الأسباب الرئيسية في الانهيار المتسارع على جبهات عديدة، وصولاً إلى النكبة.

هذه الواقعة كان هناك ما سبقها من تعامل الجامعة العربية مع قضية فلسطين، وكان هناك ما تلاها أيضاً. والكتب التي أرخت للقضية الفلسطينية، كما مذكرات السياسيين الفلسطينيين وغير الفلسطينيين تحفل بكثير من الوقائع، وليس من داع لاستعادتها الآن. يكفي القول إن الحاج أمين الحسيني، رئيس الهيئة العربية العليا لفلسطين، منع من حضور بعض الاجتماعات الخاصة ببحث قضية فلسطين قبل النكبة. وأن الجامعة أسندت قيادة الجيوش العربية للأمير عبد الله بن حسين، الذي حولها مباشرة إلى قائد جيشه الإنكليزي «غلوب باشا». وفي التفاصيل ما هو أكثر فداحة. يحكى دوماً عن هزيمة سبعة جيوش عربية في فلسطين. والحقيقة أن تعداد هذه الجيوش (من دخل منها إلى فلسطين) لم يتجاوز خمسة وعشرين ألفاً في مواجهة تسعين ألفاً من الصهاينة. وكأن الغرض كان في التأسيس لفكرة الهزيمة، وتأبيدها.

لم يكن المشهد مختلفاً بعد النكبة. فقد أوقفت الجامعة تمويل مجموعات «المجاهدين» التي تمركزت في غزة، وحاصرت دور «حكومة عموم فلسطين»...الخ مما تحفل به كتب التاريخ الفلسطيني الحديث، من وقائع تجلت نتائجها في غياب أي دور مؤثر إيجابي لصالح القضية الفلسطينية.

وحتى في الفترة التي كان فيها دور الجامعة ناهضاً، بتأثير الدور المصري (الحديث عن الحقبة الناصرية، ولا مجال للحديث عن دور لمصر خارج هذه الحقبة، حتى الآن على الأقل) فقد صدرت قرارات كثيرة، بقيت دون تنفيذ فعلي، بسبب الأدوار المناهضة لمصر الناصرية.

وقد كتب المرحوم أحمد الشقيري، (أول رئيس لمنظمة التحرير الفلسطينية) في الجزء الخامس من مذكراته، عبارة لافتة يوجز فيها تجربته مع اجتماعات الجامعة العربية، يقول فيها «اكتشفت أنني لو أمضيت الوقت الذي صرفته في هذه الاجتماعات على طاولة مقهى في إحدى العواصم العربية، لاستفدت أكثر مما حصلته من تلك الاجتماعات».

في الفترات اللاحقة، سوف تجد القضية الفلسطينية كما كانت دوماً حاضرة على جدول الأعمال. أما القرارات فنسخ مكررة بلا قيمة، ولا معنى. ودون آليات تنفيذ كما العادة. ولم يختلف الأمر إلا حين طلبت قيادة منظمة التحرير الفلسطينية دعماً من الجامعة لمسيرة التسوية السياسية مع الاحتلال الصهيوني. في هذه الحالة، أخذت الجامعة قرارات تدعم التوجه الفلسطيني الرسمي، والحقيقة دون إسناد فعلي، حتى في التفاوض. ومؤخراً ابتكر محمود عبَّاس، أسلوب حيازة تأييد من الجامعة ولجنة المبادرة العربية، لخطواته تجاه مواصلة المفاوضات مع الحكومات الصهيونية. وكان له دوماً ما أراد.

لكن حين فرض الحصار على قطاع غزة، منذ العام 2006، لم تتحرك الجامعة، وبقيت في حالة السبات المعهودة عنها، ما خلا تلك التصريحات الفارغة، والاستعراضية التي كان يطلقها عمرو موسى، أمين عام الجامعة وينساها في اليوم التالي. وتركت الجامعة غزة نهباً لنيران الصهاينة لمدة اثنين وعشرين يوماً (2008 - 2009)، (كما كان الحال مع العدوان على لبنان 2006). ولعبت دوراً معرقلاً لعقد قمة عربية، تبحث في الحرب على القطاع المحاصر.

ولم تقم الجامعة بدور حتى في المصالحة الفلسطينية - الفلسطينية، رغم التوافق على إمكان قيامها بخطوات تنهي الانقسام الفلسطيني. وتهرب عمرو موسى مراراً، عند مطالبته، بتفعيل أداء الجامعة لطي صفحة الانقسام الفلسطيني.

وكما كان الأمر مع عبد القادر الحسيني عام 1948، هو كذلك اليوم مع القدس، وقضية فلسطين. التهويد يقضم القدس شبراً شبراً، وهوية المدينة العربية مهددة بشكل فعلي، والاستيطان يتواصل، والحصار على غزة ما يزال قائماً. وفي السجون آلاف من الأسرى الفلسطينيين... ولا وقت لدى الجامعة، حتى لإصدار بيانات الإدانة والاستنكار المموجة.

هناك من يقول : إن الجامعة تأسست من أجل فلسطين. فإذا كان هذا شأنها مع القضية التي نشأت من أجلها، فما حال قضايا العرب الأخرى؟ وما هو نص الرسالة الذي يمكن أن يكتب للأمين العام السابق والحالي، بعد ما حدث في ليبيا، والقرار بشأن سوريا؟



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 64 / 2165868

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

17 من الزوار الآن

2165868 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 15


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010