الأربعاء 16 تشرين الثاني (نوفمبر) 2011

الأزمة السورية والسيناريوهات المحتملة

الأربعاء 16 تشرين الثاني (نوفمبر) 2011 par د. أمين محمد حطيط

في العقد الماضي وإبان اعتماد أميركا والغرب معها لإستراتيجية القوة الصلبة، وجد الغرب حاجة الى تكامل الجبهات التي أشعلها بجيوشه مع «ثورات شعبية» تقيم أنظمة تابعة له من غير حاجة الى إرسال جيوش وشن حروب، وكانت الثورات الملونة التي ذاع صيتها في أكثر من دولة من شرقي أوروبا الى لبنان، لكن الإخفاق الغربي في الحروب انسحب على الثورات الملفقة تلك وسقطت الواحدة تلو الأخرى ليتكامل الإخفاق الغربي فيها مع الإخفاق في ميادين القتال، ما اضطر اميركا و الحلف الأطلسي معها «الناتو» لاعتماد إستراتجية القوة الناعمة الذكية التي لا يكون للقوة العسكرية الغربية دور مباشر فيها ما خلا أعمال الإسناد و المؤازرة إن اقتضى الأمر من اجل إبقاء السيطرة على الحراك أو احتواء نتائجه، بعد أن تكون اليد المحلية هي الواجهة التي صنعت وأنتجت.

وقد ترجم الموقف الغربي هذا في المفهوم الاستراتيجي للناتو المعد للعمل به خلال العقد الثاني من القرن الـ 21، المفهوم الذي اقر في تشرين الثاني 2010 وتضمن بشكل خاص التركيز على منطقة «الشرق الأوسط» باعتبارها المجال الحيوي الاستراتيجي الأساسي للحلف، والتعامل مع أزماتها القائمة أو «ما سيقوم» بشكل يمكن من الاحتواء والتوجيه والتحكم بالنتائج.

وفي توقيت ينبغي التوقف عنده وبعد أقل من شهر تقريباً على اعتماد الحلف لمفهومه الاستراتيجي الجديد احرق شاب تونسي نفسه (17\12\2010) وفجر بناره حراكاً شعبياً في تونس امتد وبسرعة تفوق التصور الى مصر، وتابع الى اليمن وليبيا والبحرين حتى حط رحاله في 15\3\2011 في سوريا ولا يزال.

والمتابع لسلوك الغرب حيال هذا الحراك يلاحظ وبكل وضوح تدرج في التعاطي من الإرباك والتردد في البدء الى الاتجاه نحو مساعدة الحاكم التابع للغرب للتثبيت، ثم الانقلاب عليه والدخول في محاولة وضع اليد على «الثورة» واحتوائها بما ينسجم كلياً مع المفهوم الاستراتيجي المعتمد والذي تمثل بشكل جلي بما حصل في ليبيا حيث وضع الغرب يده عليها عبر «مجلس محلي انتقالي» لا يقوى على مناقشة الغرب في أمر لأنه هو الذي اقتلع نظام القذافي بقنابله.

لقد وجد الغرب في نجاحه في إدارة الملف الليبي فرصة «بدل عن ضائع» لتعويض هزائمه في «الشرق الأوسط»، ومدخلاً لإعادة تنفيذ مشروعه الرامي الى تفتيت المنطقة وإقامة الدويلات الطائفية الواهنة التي تنصاع له على غرار المشيخات والإمارات العربية والتي تباهي بريطانيا بـ «إبداعها في إيجادها»، ومنى الغرب نفسه - و لا يزال - بأن ينجح مشروع التفتيت خاصة في سوريا التي شكلت في موقعها في «منظومة المقاومة والممانعة» عقبة أمام نجاح النسخة أو الخطة التنفيذية الأصلية للمشروع. ومن أجل «الإجهاز على سوريا» تم استغلال حاجة بعض الطبقات الشعبية فيها ودعوتها الى إصلاح النظام القائم في الدولة وتطويره، وركبت «منظومة إقليمية غربية» للإطاحة بالنظام في مرحلة أولى وإقامة النظام البديل التابع، أو إدخال البلاد في حرب أهلية، تؤدي في النهاية الى تهجير المسيحيين والتقسيم الى أربع دول كما بات مشهوراً بين متداولي الخطة (درزية في الجنوب وعلوية في الغرب والساحل ودويلة سنية عربية في الوسط ودويلة سنية ذات أغلبية كردية في الشرق). والسؤال المطروح الآن هل ينجح الغرب في خطته ثم ما هي السناريوهات المحتمل اللجوء إليها؟ هنا ثلاثة اتجاهات :

[**1-*] [**الاتجاه الأول :*] التدخل العسكري الأجنبي : كان الغرب يؤمل أن يعيد استنساخ الحالة الليبية في سوريا عبر قرار من الجامعة العربية يرفع الغطاء العربي عن سوريا ويطالب المجتمع الدولي بحماية المدنيين، يليه قرار من مجلس الأمن يستند الى الجامعة العربية ومواقفها، ويقرر حماية المدنيين بشكل مبهم ملتبس يسمح للحلف الأطلسي أن يتدخل عسكرياً بالطريقة التي يريد وصولاً الى اقتلاع النظام وتنصيب الحاكم المؤتمر بأمر الغرب على سوريا. لكن الطريق قطعت على هذا السيناريو رغم أن الجامعة العربية قامت بدورها في الخطة التآمرية هذه، وسقط السيناريو هذا لاصطدامه بحاجزين :

[**■*] حاجز سياسي ظهر في مجلس الأمن وتمثل بفيتو مجموعة «البريكس» (الصين - روسيا - الهند - البرازيل - جنوب افريقيا).

[**■*] وحاجز ميداني عسكري تمثل بموقف منظومة المقاومة (إيران و«حزب الله») التي لوحت بحرب إقليمية قد تغير وجه «الشرق الأوسط».

[**2-*] [**الاتجاه الثاني :*] تتعدد فيه السيناريوهات التي يعول الغرب عليها بعيداً عن التدخل لعسكري المباشر :

(أ) [**السيناريو الأول :*] الاعتراف بـ «المجلس الوطني السوري» وهو المجلس التي شكلته أميركا بأداة قطرية - تركية ليكون الند للنظام السوري القائم، والاعتراف به كممثل شرعي وحيد لسوريا، وإتباع ذلك باقتطاع منطقتين من الأراضي السورية الأولى على يد الجيش التركي في الشمال الغربي في محيط جسر الشغور - جبل الزاوية، والثانية على يد الجيش الأردني في محيط درعا، وتكون وظيفة المنطقة استقبال لاجئين ثم إقامة سلطة عليهم لإدارتهم ويكون المجلس الوطني قد حقق بذلك قفزة ميدانية نوعية تقوده الى مسك ارض وتسلط على جزء من الشعب ما يبرر الاعتراف الدولي به كسلطة شرعية وحيدة لسوريا. وفي حال تحقق ذلك سيكون صراع على السلطة بين جهتين : النظام الذي يسحب العرب والغرب الاعتراف به، والمجلس الذي لن يعترف به إلا دول الجامعة والغرب برئاسة أميركية، ويترافق الصراع الى ضغط أجنبي عربي وغربي متصاعد يؤدي كما يظنون الى سقوط النظام في فترة زمنية لا تتجاوز السنة.

(ب) [**السيناريو الثاني :*] تفعيل عمليات القتل والإرهاب في سوريا مترافقاً مع تضييق الخناق الاقتصادي الغربي ووقف التعامل مع السلطة القائمة في دمشق وإبراز «المجلس الوطني السوري» بشكل يوحي بأنه هو الممثل لسوريا دون الوصول الى درجة الاعتراف به ممثلاً شرعياً وحيداً لها. ومع هذا السيناريو سيزداد الضغط على الجيش السوري لإنهاكه وإرهاقه والتأثير على قدراته القتالية من جهة ودفع فئات منه للانشقاق الفعلي عن الجيش ثم السعي لربطه بـ «المجلس الوطني» ليكون ذراعه العسكري ويمكن هذا المجلس لاحقاً من التفاوض من موقع قوة مع النظام، تفاوض يؤدي الى تغييرات سياسية تنهي الحقبة السابقة وتقود الى نظام محتضن غربياً وتركياً وعربياً، ومتراجعاً عن تحالفه الاستراتيجي مع إيران والمقاومة، على أن ينتهي ذلك في فترة لا تتجاوز الـ 8 أشهر.

(ج)[** السيناريو الثالث :*] إضعاف النظام القائم تحت وطأة العقوبات الاقتصادية والإنهاك للقدرات العسكرية ما يؤدي الى عجزه عن الإمساك بالوضع الأمني والإداري في البلاد، دون التمكن من إقامة سلطة أخرى مركزية مكانه لتمسك البلاد، هنا سيكون متاحاً أمام بعض الحركات الانفصالية اقتطاع مناطق تقفلها على ذاتها وتعلن فيها نوع من الإدارة الذاتية التي تبقى مرتبطة اسمياً وشكلياً بالسلطة المركزية. ويكون ذلك نذيراً بدفع البلاد نحو الانفلات الأمني وعدم الاستقرار الذي ينتهي الى التقسيم.

[**3-*] [**الاتجاه الثالث :*] وهو ما يراه النظام وهو يخوض معركته الدفاعية مستنداً الى قوة ذاتية ودعم من «منظومة المقاومة» و«مجموعة البريكس» وهو يؤمل أن يتمكن من تجاوز المصاعب الأمنية والاقتصادية المفروضة والتصدي العميق لمعالجة البؤر الأمنية مع الاحتفاظ بوحدة الجيش والقوى الأمنية وقدرتها القتالية المؤهلة للمحافظة على وحدة البلاد واستقرارها، وتمكن السلطة السياسية من قيادة حوار وطني مع معارضة الداخل تقود الى إصلاحات سياسية تغير من طبيعة النظام داخلياً دون أن تمس بعلاقاته وخياراته الخارجية.

ونحن نرى وفقاً للمعطيات القائمة أن هذا السيناريو هو الأوفر حظوظاً رغم ما يواجهه من عقبات.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 12 / 2178675

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع وجهات العدد   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

38 من الزوار الآن

2178675 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 19


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40