الثلاثاء 15 تشرين الثاني (نوفمبر) 2011

ليلة القبض على أُمَّة

الثلاثاء 15 تشرين الثاني (نوفمبر) 2011 par خيري منصور

تلك مسرحية تنتمي الى الكوميديا العربية السوداء وقبل ان تصطبغ هذه الكوميديا الرملية باللون الأحمر، سخر مؤلفها الراحل محمد الماغوط كعادته من عرب هذا الوقت، بحيث أحضر لهم عبد الرحمن الداخل المسمى صقر قريش الى مخفر حدودي بين دولتين عربيتين، واحتجز الصقر، ثم انتهى الأمر بمقايضته مع اسبانيا بشاحنة من الطحين.

ان ليلة القبض على الصقر هي ذاتها ليلة القبض على الايوبي الذي بيع سيفه لسائح امريكي في بغداد عشية سقوطها، وهي ايضا ليلة القبض على السهروردي والحلاج وسائر السلالة، لكنها ليلة منسية وقد تحذف من تقاويم العرب المعصورين لا المعاصرين، لأن استراتيجية عزف الاكورديون اعتصرت الخاصرات كلها، من الشمال الى الجنوب ومن الشرق الى الغرب، في زمن ازداد فيه عدد العرب حتى بلغ الثلث مليار، لكن أرضهم ضاقت، بسبب ما قضم وما احتل وما هو مدرج على قائمة الاحتلال أو في المزاد العلني.

انها ليلة ليلاء، قبض فيها علينا جميعاً لكننا آخر من يعلم، لأننا لم نعد نفرق بين الاسورة والقيد وبين الحبل الذي يمد للاغاثة والثعبان، وحابل الوطنية لم يختلط فقط بنابل الخيانة وبابل الاستباحة ووابل الرصاص، بل تم التزاوج السفاحي القادم الذي قد يكون مُسخاً لم يصفه مؤرخ من قبل، وعجز حتى فرانز كانكا عن وصفه في تلك القصة الكابوسية، حيث يصحو انسان عادي ككل البشر من النوم ليجد نفسه بعد ان نظر الى المرآة خنفساء، وثمة نوعان من الخنافس غير فرقة البيتلز الشهيرة التي انتهت الى المتحف، نوع يحمل بيوضه على ظهره ويطوف بين الجحور كي يتربص بحيوان في طور الاحتضار، ثم يوقت تفقيس البيوض مع موته ليكون الوليمة الاولى.

وثمة نوع آخر تفقس بيوضه على ظهره ويكون هو الوجبة الاولى، لا اعرف بالضبط أي نوع أو سلالة من الخنافس هذه الملايين التي يعض بعضها البعض الآخر في الطابور أمام المسلخ البشري، فالحقيقة الآن كما تنبأ لها روائي حصيف لا تولد الا في المنافي لأن قابلة الاوطان غير تاريخية وغير قانونية وتخنق المواليد لمجرد ان يخرجوا بيديها من الأرحام.

ان كل ما نكتبه ونعود بعد ايام قليلة لقراءته يبدو لنا أشبه بنحت التماثيل من الثلج أو الكتابة على الرمل، ولأن الشمس كما العاصفة يعرفان الحقيقة اكثر منا فهما سرعان ما يذيبان ما نحت ويمحوان ما كتب.

وكم من السذاجة وضيق الأفق يحتاج المرء كي يكتفي بوصف البحر من سطحه الأزرق الهادىء، وهو يجهل ما في أعماقه من سمك يأكل بعضه وحيتان ودلافين تتسابق للدفاع عن بقائها، اضافة الى ما ترسب في القاع من عظام بشرية لمن استدرجهم السطح الهادىء واغرقهم الى الابد..

ليالي القبض على ابطال وشهداء ورسل حضارة تشكل كتاباً أهم وأغنى من الف ليلة وليلة، لأن ليالي القبض علينا أهم وأشد ظلاماً من تلك الليالي المسلية التي تضاء بسراج علاء الدين ويضمخها البخور ويرشح منها الجنس الاسود.

ان المقبوض عليه باختصار هذه الليلة وكل ليلة هو العربي الذي قرر ألا يصدق بأن السراب ماء صالح للشرب وغسل الموتى واستخدام الاحياء!!



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 23 / 2181810

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع في هذا العدد  متابعة نشاط الموقع وجهات العدد   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

15 من الزوار الآن

2181810 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 11


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40