الأحد 13 تشرين الثاني (نوفمبر) 2011

ارتباك سياسي فلسطيني

الأحد 13 تشرين الثاني (نوفمبر) 2011 par د. فايز رشيد

يلاحظ أن السلطة الفلسطينية مصابة بالارتباك السياسي، فمن التهديد بحل السلطة وصولاً إلى الوعود باتخاذ خطوات سياسية تغير وجه الشرق الأوسط، غير أن لا أحد من مسؤوليها قال لنا : كيف سيتم ذلك؟ وما بين الحل وتغيير ملامح منطقتنا تختلط القضايا، حيث يضفي الاختلاط نمطاً من الحيرة السياسية وبخاصة أن السلطة كبّلت نفسها بخيار وحيد لنيل الحقوق هو المفاوضات السياسية في ظل تعنت الطرف الآخر واستمراره في الاستيطان، حيث تضيق خيارات السلطة شيئاً فشيئاً وبخاصة في ظل برودة وهج الاعتراف الأممي من المنظمة الدولية بدولة فلسطينية على حدود عام 1967. صحيح أن انتصار «اليونيسكو» للشعب الفلسطيني بقبول دولة فلسطين عضواً كامل العضوية فيها، شكّل خطوة إيجابية حاولت السلطة الاستفادة منها، لكن وهج هذه الخطوة بدأ أيضاً في الخفوت، الأمر الذي يشي بوجود حالة من الفراغ السياسي بدأت تعانيها السلطة.

وبالنسبة إلى حل السلطة، يجري الحديث حالياً عن رغبة الرئيس محمود عبَّاس في اتخاذ هذه الخطوة، باعتبارها «سلطة بلا سلطة»، هذا ما ذكره عبَّاس في أكثر من مناسبة. من جانب آخر، ووفقاً لما ذكره صائب عريقات وأكدته صحيفتا «معاريف» و«هآرتس»، أن السلطة الفلسطينية أبلغت دولاً في العالم، بما فيها «إسرائيل» والولايات المتحدة، نيتها حل نفسها في يناير/ كانون الثاني المقبل، في إطار ما تسميه «نقل الصلاحيات إلى الاحتلال» ضمن خطة متدرجة في نقل هذه الصلاحيات، بحيث تبدأ بالصلاحيات المدنية كالصحة والتعليم، وتأجيل الصلاحيات الأمنية إلى وقت لاحق.

بدايةً، نتمنى لو كانت هذه المسألة صحيحة، فحقيقة الأمر أن هذه السلطة ليست سلطة، بل تريدها «إسرائيل» كوكيلة عنها في ممارسة الإشراف الحياتي على الفلسطينيين في المناطق المحتلة، من دون امتلاكها لأي مظاهر سيادية، كما تريدها ممثلاً عنها في حفظ الأمن ومنع القيام بأية عمليات ضدها، تريدها سلطة خاضعة للإملاءات «الإسرائيلية». وحقيقة الأمر أن السلطة على مدى إنشائها مثّلت هذه المهمات الثلاث، بمعنى أنها في نهاية المطاف ليست غير حكم ذاتي هزيل في المناطق المحتلة. الأمر الطبيعي والحالة هذه أن تقوم السلطة بحل نفسها إذا كانت تحترم ذاتها وتحترم شعبها، ولكن للأسف ليست هذه المرة الأولى التي يتحدث فيها عبَّاس عن حل السلطة، ثم لا نفهم الخطابات عن حل السلطة في الوقت الذي نشرت فيه صحيفة «هآرتس» (الجمعة 28 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي) خبراً قالت فيه : «لقد قامت «إسرائيل» خلال الأيام القليلة الماضية بنقل وسائل لتفريق التظاهرات إلى رام الله وذلك للمرة الأولى منذ إقامة السلطة الفلسطينية»، وأضافت «نقل الوسائل جاء تلبية لطلب من الجانب الفلسطيني للاستعداد لمواجهة تظاهرات حاشدة، وتشمل الوسائل، قنابل الغاز المسيل للدموع، وطلقات مطاطية، وقنابل صوتية، وأقنعة واقية من الغاز»، كذلك لا نفهم الحديث عن حل السلطة في الوقت الذي ما زال فيه التنسيق الأمني قائماً بينها وبين «إسرائيل»! الأحرى في هذه الحال إلغاء اتفاقيات أوسلو المدمرة ومن ثم حل السلطة.

كذلك، فإن هناك تناقضاً في الطرح الذي تتبناه السلطة الفلسطينية، فمنذ أسبوع ليس أكثر طرحت السلطة اقتراحات على «حماس» تتمثل في إجراء انتخابات رئاسية وتشريعية في عام 2012، ما يعني تحديداً تجديد صلاحيات السلطة ورئيسها المنتخب والمجلس التشريعي أيضاً والمجالس البلدية. معروف أيضاً أن عدد موظفي السلطة يصل إلى 250 ألفاً، إضافة إلى 50 ألفاً من عناصر الأمن في كل الأذرع، من الطبيعي والحالة هذه أن يجري التساؤل عن مصير هؤلاء؟ ثم وعلى مدى السنوات منذ إنشاء السلطة، تكونت شرائح طبقية اغتنت كثيراً بوجودها، وهناك شريحة من السماسرة، وكل هؤلاء معنيون بوجود السلطة واستمرار بقائها، وهؤلاء ليسوا خارج إطار السلطة، بل هم من مؤسسيها وممن يحتلون المراكز الأولى والصفوف القيادية فيها. ومن الطبيعي أن يعمل هؤلاء على استمرار بقاء السلطة وليس حلها، هذه الشرائح شكلت مؤسسات اقتصادية وطبقة من رجال الأعمال بالضرورة، صوحبت بمواقع اجتماعية وسياسية وعسكرية أمنية متنفذة بفعل إمبراطورياتها «الكمبرادورية».

لا نفهم جدية الحديث عن حل السلطة، في ظل تهميش منظمة التحرير الفلسطينية ومؤسساتها كافة، كذلك لا نفهم جدية الحديث عن حل السلطة في الوقت الذي تعاني فيه الساحة الفلسطينية انقساماً وعدم وجود أدنى الأشكال من الوحدة الوطنية الفلسطينية، فمن يريد حل السلطة عليه أن يبدأ بتطبيق الوحدة الوطنية، ويقوم بإصلاح منظمة التحرير بكافة مؤسساتها، ويقطع كل خيوطه مع المفاوضات مع «إسرائيل» التي أثبتت عقمها ولا جدواها على مدى عقدين من الزمن، ويعيد الاعتبار للمقاومة بأشكالها ووسائلها كافة وبخاصة المسلحة منها، ولا يقوم باعتقال المقاومين في السجون الفلسطينية، ولا يصادر السلاح من أبناء شعبه تحت طائلة المسؤولية، ويقوم بمقاطعة «إسرائيل» سياسياً واقتصادياً وأمنياً، ويعيد أيضاً القضية إلى اعتبارها العربي معتمداً على الجماهير العربية.

أما بالنسبة إلى تغيير ملامح المنطقة، فللأسف ليس بين يدي السلطة الفلسطينية أية أوراق سياسية عملية، وليست في مركز قوي يؤهلها لتغيير وجه «الشرق الأوسط».



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 11 / 2165981

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

18 من الزوار الآن

2165981 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 18


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010