الجمعة 11 تشرين الثاني (نوفمبر) 2011

احتلال «وول ستريت».. لماذا؟

الجمعة 11 تشرين الثاني (نوفمبر) 2011 par د. سمير التنير

يرفع ناشطو «احتلوا وول ستريت» شعار : نحن الشعب. نحن نشكل 99% من المواطنين. وهم لا يزالون (ومنذ أكثر من شهرين) يجوبون شوارع مانهاتن في نيويورك. كانت الحركة هي الأهم خلال العقود الماضية، وقد وضعت كافة مشاكل أميركا على بساط البحث، كما مثلت تطوراً هاماً جداً في الحياة السياسية الأميركية. ويطرح المحللون وعلماء الاجتماع أسئلة كثيرة حول معنى الاحتجاجات، المستمدة من أعماق المسحوقين، والتي تهدد مجتمع الدولة الأقوى في العالم.

إن انعدام العدالة الاجتماعية في أميركا يبرز الآن بشكل حاد جداً، وذلك منذ أكثر من مئة عام، إذ ينقسم المجتمع الأميركي إلى طبقتين طبقة الـ 1% من السوبر أغنياء وطبقة الـ 99% التي تمثل مختلف فئات الطبقة الوسطى والفقيرة. وقد اتسعت الفروقات كثيراً في الآونة الأخيرة، بحيث لم يعد ممكناً السكوت عنها.

تشير الاحصاءات إلى أن 400 عائلة من السوبر ـ أغنياء يملكون من الأموال، أكثر من 150 مليون أميركي. ويقع ثلثي الناتج المحلي الاجمالي في أيدي 5% من الطبقة العليا. وقد ازدادت أعداد المليونيرية في المجتمع الأميركي عام 2009، زيادة كبيرة. وقد أشارت دراسة نشرتها الـ CIR إلى أن المجتمع الأميركي، منقسم عمودياً أكثر من أي بلد في العالم.

يقول عالم الاجتماع جاكوب هاكر إن التركيز المفرط للثروة في أيدي القلة من الذين يقفون على رأس الطبقة العليا، بدأ منذ بداية القرن العشرين. حيث تركزت الثروة آنذاك في أيدي ثلاثة من أباطرة الصناعة هم جون روكفلر وأندرو غارنيفي وج. ب. مورغن، حيث وقعت الولايات المتحدة في أيديهم لمدة طويلة.

يرى علماء السياسة والاجتماع أن أميركا تسقط في عصر الجمود، حيث تسيطر الطبقة العليا من السوبر ـ أغنياء، وهي تتشكل أساساً من حملة الأسهم والمنتجات المالية وأباطرة الاستثمارات بدلاً من بارونات النفط والسكك الحديدية التي سادت من قبل. وهم يتخوفون من التداعيات الاقتصادية التي ستتبع ذلك.

إن انعدام المساواة في المجتمع الأميركي يتسبب في تباطؤ النمو الاقتصادي. ويظهر التطور الاقتصادي أن عصر القروض الميسرة، وارتفاع أسعار العقارات، والاستهلاك الواسع، أمور مضت، ولم تعد موجودة. وقد أظهرت الأزمة المالية التي انفجرت في خريف عام 2008، كافة المشاكل وأفرجتها إلى العلن.

كان العاملون الأميركيون يتلقون زيادة على رواتبهم بنـسبة 3% سنوياً، وذلك حتى السبعينيات من القرن الماضي. ولكن ذلك تغـير منذ الثمانينيات، إذ على الرغم من زيادة النمو، فإن ذلك لم ينعكس على الأجور. واقتصرت الفائدة المالية على الطبقات العليا. وفي عهد رونالد ريغان لم تستفد إلا قلة من الناس. أما في عهد جورج بوش الإبن فقد تدهورت الأمور أكثر.

منذ بداية القرن الحادي والعشرين، وفي العقد الأول منه، زادت الفروقات بين الطبقات، واستولت طبقة الأغنياء على 65% من الزيادة التي طرأت على الأجور، وعلى الرغم من نمو الاقتصاد الأميركي في تلك السنوات، لم تزد أجور صغار الموظفين والعمال، بل انخفضت بمعدل 10%.

وضع بول بيرسون، أستاذ الاقتصاد في جامعة كاليفورنيا، مع فريق عمله جداول إحصائية حول تطور الأجور في العقد الاخير. وظهر من خلالها ان توزيع الثروة كان مقبولاً إلى حد ما في الماضي. أما اليوم فقد تحول الاقتصاد إلى اوليغارشية رأسمالية، حيث تتركز الثروة في أيدي القلة.

تسيطر طبقة الـ 1% الأميركية على أكثر من نصف الأسهم والأوراق المالية في البلاد. وقد عانت الطبقة الوسطى من خسارة الزيادة على أجورها خلال العقد الماضي. اما العاملون في تجارة الأسهم والأوراق المالية فقد كانوا يحصلون على دخل سنوي يقدر بـ 360 ألف دولار سنوياً.

في عام 1980 كان راتب المدير في الشركات يساوي 44 ضعفاً راتب العامل. أما اليوم فهو يساوي 300 ضعف. ولا تتعدى نسبة الذين يتقاضون رواتب عالية نسبة الـ 25% من العاملين. يؤيد كثير من علماء الاقتصاد في أميركا أقوال هاكر وبيرسون، ومنهم لاري بارتل، وقد وضع أخيراً كتاباً هاماً حول الأوضاع الاقتصادية والسياسية في أميركا. ويقتبس أوباما فقرات من الكتاب ويضعها في خطبه.

يقول بارتل إن القسم الأكبر من النمو الاقتصادي خلال السنوات الـ 30 الأخيرة وقع في أيدي الأغنياء. ولم يكن ذلك نتيجة لمسار السوق بل بسبب القرارات السياسية التي اتخذتها الطبقة الحاكمة.

يسيطر السوبر ـ أغنياء على السياسة العامة في الولايات المتحدة. وتضم تلك الطبقة مديري البنوك والمسيطرين على بورصة «وول ستريت» التي استطاعت دوماً إملاء سياساتها على الدولة. وفي أثناء الأزمة المالية الكبرى التي بدأت في خريف عام 2008 (وهم كانوا من أهم مسببيها) حصلوا على قروض هائلة استطاعوا من خلالها إعادة هيكلة مؤسساتهم وتحقيق أرباح كبرى بعد ذلك.

يقول بارتل أيضاً إن تلك الطبقة استفادت من خفض الضرائب عليها. فقد كانت تلك الضرائب تبلغ 40% من الأرباح ثم تصاعدت إلى نسبة 70%. ولكن جورج بوش الإبن خفضها إلى 35%.

إن الانقسام العمودي في المجتمع الأميركي وتفاوت المداخيل يتسبب في انخفاض النمو الاقتصادي. وأظهرت الأبحاث الاقتصادية الحديثة ان النمو سيكون أسرع وتيرة عند تقارب المداخيل.

يظهر عالم الاقتصاد روبرت فرانك في كتابه «الاقتصاد الدارويني»، ان ما ينطبق على الاقتصاد العالمي ليست أفكار آدم سميث، بل أطروحات داروين حول المنافسة الضارية والبقاء للأقوى. ويدل على ذلك صعود الأغنياء إلى قمة المجتمع وبقاء الأغلبية في الحضيض. والسؤال هو : إلى متى تبقى الأمور على حالها في الولايات المتحدة وهل هناك من مجال بعد لغاسل الصحون أن يصبح مليونيراً؟



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 6 / 2178921

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع وجهات العدد   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

19 من الزوار الآن

2178921 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 20


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40