الخميس 10 تشرين الثاني (نوفمبر) 2011

كذب في كذب

الخميس 10 تشرين الثاني (نوفمبر) 2011 par أمجد عرار

أحياناً يكون خروج التكنولوجيا عن السيطرة مفيداً، وبخاصة حين تكون السيطرة مبرمجة بحيث تفلتر الأقوال والأفعال فلا تسمح سوى للتزييف والتضليل والممالاة بالوصول إلى الناس. معظم وسائل الإعلام تفلتر وتجري إضافات وأحياناً فبركات، وإذا كان بعضها أكثر ذكاء فإنها تقدم الحقيقة مغلفة بنصوص تنفيها، ويقدم الكذب في قالب تقريري يجعل منه «حقيقة».

عندما جرت تلك الحوارية الصريحة بين نيكولا ساركوزي وباراك أوباما التي وصفا فيها بنيامين نتنياهو ببعض ما فيه من صفات قبيحة، لم يكونا يعرفان أن الميكروفون مفتوح، وأن أجهزة الترجمة الرأسية أخذت أمكنتها على آذان الصحافيين في قمة العشرين التي كثيراً ما شهدت طرائف وزلات لسان، ومؤامرات أيضاً. لكن الكلام الذي قيل لكي لا يسمع، عبّر عن الحقيقة التي لا يريد أصحابها ألا يعترفوا بها علناً لكي لا تلزمهم بسياسات ليسوا مخوّلين بها، ولا تعكس المطابخ الحقيقية للسياسة الدولية في عصر الذروة الامبريالية.

زبدة الكلام المتسرّب أن ساركوزي يصف نتنياهو بأنه كاذب. هكذا تمت ترجمة الكلمة، لكن إذا كانت الكلمة التي نطقها ساركوزي هي «لاير» فإن الترجمة الأصح لما قاله تكون “كذّاب” وهي تختلف عن «كاذب» وتعبّر عن امتهان الصفة وديمومة التصاقها بصاحبها وليس ممارسة لمرة أو مرتين، أو تتعلق بموقف من حدث بعينه. ومن يغوص في سيرة حياة نتنياهو يعرف أنه كذّاب وليس مجرد كاذب. ربما يكون رد أوباما على ساركوزي أشد قسوة على رئيس حكومة «إسرائيل»، إذ إن أوباما الذي «حاول أن يكحّلها فعماها» قال لساركوزي «أنت لا تطيقه، أما أنا فمضطر أن أتعامل معه يومياً». هل تقدّرون معنى أن يكون التعامل مع شخص إضطرارياً؟ هذا الوصف يتجاوز كونه كذاباً إلى ما هو أوسع وأقبح من الصفات.

وإذا كان الشيء بالشيء يذكر، يمكننا العودة إلى عام 1997 عندما مضى على رئاسة نتنياهو لحكومة الكيان في المرة الأولى ستة أشهر، حينها خاطب صحافي «إسرائيلي» نتنياهو بحقيقته المنسوبة إلى 95 عضواً في «الكنيست» من أصل 120 تحدّثوا عن ميل فطري لديه للكذب، وأنه ليس جديراً بالثقة، بل إن الكثيرين من مقربي نتنياهو يصفونه بأنه ذو ثلاثة وجوه.

لكن ماذا يعني ما صدر عن ساركوزي وأوباما مسرّباً رغم أنفيهما؟ إنهما لا يقولان الحقيقة علناً ولا يتحدّثان بالحقيقة إزاء أحد أهم اللاعبين الرئيسيين في قضية «الشرق الأوسط». ومن المعروف أن عدم قول الحقيقة معناه الكذب، وعندما تبنى سياسة على الكذب تجاه أعدل القضايا في الكون، فإن السياسة التي يمارسها هؤلاء مبنية على الكذب. ألم يتحوّل ملايين العراقيين إلى ضحايا كذبة كبرى؟ وكم من البشر، وبخاصة العرب، سيصبحون ضحايا هذا الكذب المزمن في السياسة الدولية ووسائل إعلامها؟

لو حدث أن تسرّب كلام من مسؤول عربي يصف فيه مسؤولاً «إسرائيلياً» بأنه كاذب، لقامت الدنيا ولم تقعد، ولخرجت من «إسرائيل» ورعاتها من دول الغرب أوصاف اللاسامية والكراهية، ولربما تم تشكيل مجلس تأديبي تابع لمجلس الأمن ليخرج بتوصيات بفرض عقوبات على المسؤول العربي وبلاده كلها.

تعلّمنا من حكمائنا العجائز أن «الكذب حبله قصير» وأن الثلج لا بد أن يذوب ويظهر ما تحته، لكن عندما تنكشف الكذبة ويذوب الثلج، يكون كثيرون قد فقدوا أرواحهم أو أوطانهم. لذلك لا بد من شعار طويل عريض يقول «الشعوب تريد إسقاط الكذب».



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 14 / 2165905

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

20 من الزوار الآن

2165905 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 19


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010