الأربعاء 9 تشرين الثاني (نوفمبر) 2011

في ذكرى الراحل ياسر عرفات

الأربعاء 9 تشرين الثاني (نوفمبر) 2011 par مروان دلال

تبوأ الراحل ياسر عرفات قيادة منظمة التحرير الفلسطينية منذ العام 1969 وحتى مماته في مستشفى باريسي في 11 تشرين ثان/نوفمبر 2004، بعد أن كان قد أسس هو ورفاق له حركة التحرر الوطني الفلسطيني «فتح» في العام 1959. أدار السياسة الفلسطينية الرسمية في حقبات مختلفة من القرن العشرين التي تضمنت سياسات عربية رسمية متجانسة حيناً، ومتباينة ومتناقضة حيناً آخر، والتي تأثرت معظمها من وأثرت في أجواء الحرب الباردة الكونية : التحرر من الاستعمار الأجنبي المباشر، حرب العام 1967، عمَّان بداية سبعينيات القرن الماضي، لبنان وتناقضاتها الطائفية وحربها الأهلية، «سلام السادات» في «كامب ديفيد»، الاجتياح «الإسرائيلي» للبنان، تونس والانتفاضة الأولى والاعتراف بمبدأ الدولتين عام 1988، أوسلو ومفاوضاتها، كامب ديفيد 2000 والانتفاضة الثانية.

يصعب إنصاف سياسات عرفات لأن سياقها كان بالفعل استثنائياً. العمل ضمن حركة تحرر وطني خارج أرض الوطن والتي قامت بجمع أقطاب مجتمع عرب فلسطين ستة عشر عاماً بعد النكبة. انسجم نشاط عرفات مع الرأي العام العربي في البلد المستضيف أو مع معظمه من جهة، واصطدم مع النظام الرسمي من جهة أخرى. فهم أهمية زرع الأمل في نفوس شعب يتوق إلى الحرية، ولكنه لم يصارح نفسه وشعبه بالحقائق التي من شأنها تعزيز الجهود بدلاً من إحباطها. لم يكن التخطيط من شيمه. فاض ارتجالاً عسكرياً في أرض المعركة، ودبلوماسياً عندما فاوض «الإسرائيليين» في أوسلو وبعدها. إدارته للشؤون المادية لم تكن شفافة، ولكن من يتوقع شفافية من حركة تحرر وطني من المفترض أنها تناضل من أجل حقوق شعبها؟

عرف عرفات بكرمه إلا أن صدره لم يكن رحباً متقبلاً النقد. لم يحتمل دقة ومعرفة وجسارة أنيس صايغ في إدارة مركز الأبحاث التابع لمنظمة التحرير الفلسطينية في سبعينيات القرن الماضي، ومنع نشر كتب إدوارد سعيد في غزة والتي انتقد فيها «اتفاقيات أوسلو» والسبيل إليها.

بالغ عرفات في إضفاء الإنجازات للقضية الفلسطينية جراء نشاطه الدولي إثر لقاءاته مع رؤساء دول ومنظمات ونشطاء دوليين وأهمل الحاجة، ربما بسبب ظروف موضوعية، لبناء قاعدة شعبية متينة تكون الأساس لإنجاز أهداف حركة التحرر والتي تدعمها الجهات الدولية كأفراد مؤثرين في الرأي العام ومؤسسات دولية لا حكومية وصولاً إلى حكومات الدول.

تكشف تجربة حركات التحرر أن أقوى دول العالم كانت آخر من أيد هذه الحركات، بغض النظر عن كونها ديمقراطية النظام في العلاقة بينها وبين مواطنيها. تعنى الدول بمصالحها ولا تحتمل العطف على الآخر، ولذلك من غير المفيد استجداؤها أملاً في إنجاز الحقوق. لعل أهم ما في رصيد حركات التحرر هو عدالة قضيتها ووضوح الهدف مقابل الطرف الآخر الذي يمتاز بكل ما هو غير ذلك لا سيما اقتصادياً وعسكرياً.

ولكن ما لا يمكن إنكاره هو أن ياسر عرفات كان مناضلاً. لم يرغب بأن تكون الدولة التي عمل سياسياً من أجلها نسخة كاريكاتورية لخطة شارون حول نظام روابط القرى لفرض الأمن من أجل «الإسرائيليين». لم يتنازل عن حق العودة، صمد في حصار بيروت، ونجا من محاولات اغتيال. قال (لا) مدوية ونبيلة لدعاية إيهود باراك وبيل كلينتون في كامب ديفيد حول «أسخى عرض إسرائيلي» قدمته «إسرائيل» للفلسطينيين، ولم يستسلم عندما حوصر في المقاطعة. أدرك أن «إسرائيل» غير معنية بسلام، عادلاً كان أم شجاعاً.

[**هل اغتيل ياسر عرفات؟*]

حوصر ياسر عرفات في آخر أيامه في المقاطعة برام الله. مارست «إسرائيل» ضده الضغط العسكري والسياسي والاقتصادي. لا يحتاج القارئ العربي لشرح كراهية شارون لسياسة الشعب الفلسطيني بشكل عام وكراهيته الشخصية لياسر عرفات. آمن شارون أن لا حق للعرب على فلسطين، وإنما الحد الأقصى الذي بإمكانهم أن يطمحوا إليه هو حقوق في البلد شرط أن يثبتوا الولاء المناسب. صدر في العام 2003 كتاب مهم بالإنجليزية لعالم الاجتماع «الإسرائيلي» باروخ كيمرلينغ شرح فيه تاريخ وحاضر إستراتيجية شارون ومواقفه تجاه الشعب الفلسطيني : Baruch Kimmerling, Politicide: Ariel Sharon’s War Against the Palestinians, (New York: Verso, 2003).

واجه عرفات حكومة «إسرائيلية» متطرفة بقيادة شارون تمتعت بدعم قطاعات واسعة في المجتمع «الإسرائيلي». كان عرفات قد تعرض لتشويه صورته «إسرائيلياً» من قبل إيهود باراك ومؤيديه في الإعلام من المركز واليسار الصهيوني بعد مهزلة «أسخى عرض «إسرائيلي» للفلسطينيين» في كامب ديفيد.

استمر هذا النهج مع اندلاع الانتفاضة الثانية وبروز ظاهرة «الانتحاريين» (ينظر في هذا السياق مقال كيمرلينغ بالعبرية من يوم 1 نيسان / أبريل 2002 على موقع YNET تحت عنوان «عشيرتان متخاصمتان». تم نشر المقال أياماً معدودة بعد التفجير في فندق بارك في نتانيا. نفذ التفجير عشية عيد الفصح اليهودي يوم 27 اذار / مارس 2002 وكان الحجة الرئيسية للقيام بعملية «السور الواقي» في الضفة الغربية. ينظر أيضاً كتاب أفرايم هاليفي بالعبرية «إنسان في الظل» من العام 2006، ص.165 – 166).

لخص عرفات لشارون كل ما لا يستطيع أن يتحمله سياسياً. ربما فاقت رمزية عرفات لشارون رمزيته للفلسطينيين. وقد يكون إرث عرفات السياسي قد شكل مصدر إزعاج لشارون ليس فقط بسبب المواجهة المباشرة في بيروت 1982، وإنما لأن عرفات رغم برغماتيته لم يهمل حق اللاجئين في العودة حتى أيامه الأخيرة. اللاجئون هم الإثبات الأوضح لما حصل في العام 1948 ولإشكالية الشرعية الوجودية التي تلازم «الإسرائيليين»، فما بالك بما حصل منذ ذلك العام. لذلك إصرار الطرف «الإسرائيلي» على إنهاء الصراع بواسطة المقايضة في أحسن الأحوال بين الحقوق التي تشكلت في العام 1948 مع إنهاء احتلال العام 1967 والإبقاء على الكتل الاستيطانية في القدس، فضلاً عن رغبته بالاعتراف بـ «إسرائيل» كـ «دولة يهودية».

يشير الصحفيان عاموس هارئيل وآفي يسسخاروف، في تقرير مطول نشرته صحيفة «هآرتس» يوم 8 أيلول / سبتمبر 2005 حول وفاة عرفات، بعد اطلاعهم على وثائق عديدة والتشاور مع مصادر طبية وأمنية «إسرائيلية» إلى إمكانية ضلوع «إسرائيل» باغتيال عرفات من دون إبقاء أثر لذلك، لا سيما أن «الإسرائيليين» كانوا قد وعدوا الأمريكيين بعدم المساس بياسر عرفات جسدياً. ويذكران بمحاولة اغتيال خالد مشعل في عمَّان وأن شارون ومعاونيه ناقشوا بجدية مسألة اغتيال عرفات. ويستند الكاتبان إلى قراءة مختص «إسرائيلي» للتقرير الطبي الذي تضمن الظواهر التي تجلت لدى عرفات أربع ساعات بعد وجبة العشاء من تاريخ 12 تشرين أول / أكتوبر 2004 والذي يستنتج أن الاحتمال المعقول هو أن ياسر عرفات سمم. واستطاع المختص «الإسرائيلي» أن يسمي نوع السم:

«وفقا لأقوال طبيب «إسرائيلي» الذي قرأ التقرير بتمعن، تشير الظواهر الموصوفة فيه - والتي تجلت أربع ساعات بعد وجبة العشاء من تاريخ 12 تشرين أول / اكتوبر 2004 - إلى إمكانية معقولة بأن وجبة العشاء تلك كانت الحاسمة في حياة وموت عرفات. «هذه حالة نموذجية تدرس في كلية الطب عن تسمم من الطعام»، يشرح الطبيب.

ويقول، وفقاً للتقرير الطبي، «من المستبعد أن تكون حالة عادية ومعروفة للتسمم من الطعام والتي مصدرها جرثومة تفرز سموم. هكذا تسمم كان من المفترض أن ينكشف من خلال سلسلة الفحوصات التي أجريت لعرفات في المقاطعة، وأن تصد بواسطة مادة مضادة للجراثيم. من المعقول جداً، يقول الطبيب الكبير، بأنه تم تسميم عرفات في الطعام، الذي تسبب في المرض غير المعروف الذي ألم به. استطاع الطبيب أيضاً أن يشخص سماً محتملاً، الذي يؤدي الى نفس الظواهر التي تجلت لدى عرفات، والذي لم يفحص من قبل الأطباء في باريس. يدعى السم ريتسين، ويمكن مزجه في الطعام، وفي الماضي تم استعماله كسلاح بيولوجي في التفجير الذي نفذ في محطة القطار في طوكيو».

كتب أوري دان، الصحفي «الإسرائيلي» الذي لازم شارون معظم حياته العسكرية والسياسية، في كتابه «في سر أريئيل شارون» (2007، ص.339) عن وفاة عرفات:

«في نيسان 2004 أبطل شارون وعده لبوش. في تشرين أول / أكتوبر 2004 تدهور وضع عرفات الصحي وتم نقله إلى باريس، ولم يعد من هناك. بعد وفاته في فرنسا في تشرين ثان / نوفمبر 2004 وقبره في رام الله، أعلن الفلسطينيون أنهم يحققون في الشبهات بأن «إسرائيل» اغتالته : «سممت «إسرائيل» عرفات». افتتحت مقالي في «معاريف» (4.11.04) في هذا الموضوع كالتالي : «سيذكر شارون في كتب التاريخ كمن اغتال عرفات من دون أن يقتله».

ألا يستحق أهم قيادي سياسي فلسطيني في النصف الثاني من القرن العشرين لجنة تحقيق جدية لتقصي أسباب وفاته؟



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 9 / 2165611

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

16 من الزوار الآن

2165611 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 15


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010