الجمعة 4 تشرين الثاني (نوفمبر) 2011

العدوان وأهداف أخرى

الجمعة 4 تشرين الثاني (نوفمبر) 2011 par عوني صادق

الجولة الأخيرة بين الجيش «الإسرائيلي» وفصائل المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، التي استمرت ثلاثة أيام تخللتها «تهدئة» بوساطة مصرية خرقها الجيش «الإسرائيلي» بعد ساعات وأسفرت عن استشهاد 12 مقاتلاً فلسطينياً و«إسرائيلي» واحد، ليعاد تثبيتها حتى إشعار آخر، تعيد طرح معنى «التهدئة» تحت الاحتلال، وتعيد التساؤل عن الهدف البعيد منها، وكيفية التعامل معها، إن كان لا بد من التعامل معها، ودون أن ينفي ذلك وجود أهداف أخرى للعدو الصهيوني منها في كل مرة يلجأ إلى خرقها. في هذا المقال سأتوقف عند «الأهداف الأخرى» التي استهدفها العدوان الأخير.

بعد الحرب البربرية التي شنها العدو الصهيوني على قطاع غزة تحت اسم «الرصاص المصبوب» نهاية عام 2008، قيل إن نوعاً من «توازن الردع» قد انتهت إليه تلك الحرب، مثلما كان قد قيل الشيء نفسه بعد العدوان «الإسرائيلي» على جنوب لبنان في يوليو/ تموز 2006 مع المقاومة اللبنانية. وقيل أيضاً إن «قدرة الردع» «الإسرائيلية» قد سقطت أو ضعفت بعد الحربين، مع الفارق طبعاً بين قدرة المقاومة اللبنانية وقدرة المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة.

أول الأهداف التي استهدفها العدوان «الإسرائيلي» الأخير هو اختبار مدى التطور الذي طرأ على قدرات المقاومة في القطاع، وفي الوقت نفسه تثبيت ما تزعمه القيادة العسكرية «الإسرائيلية» عن «استعادة قوة الردع» لجيشها التي اعترف الجميع بسقوطها بعد عدوان 2006. إلى جانب ذلك، ليظهر بنيامين نتنياهو بمظهر الرجل الحازم، والتغطية على ما اعتبره بعض «الإسرائيليين» خضوعاً لشروط حركة (حماس) في صفقة شاليط لتبادل الأسرى. وقد حاول نتنياهو في كلمته في افتتاح الدورة الشتوية للكنيست تأكيد ذلك من خلال إعلانه «أن لا وقف لإطلاق النار» بعد التوصل إلى الهدنة، بينما كانت طائرة «إسرائيلية» تقصف منطقة خان يونس وتوقع شهيدين جديدين خارقة التهدئة التي توصل إليها المصريون قبل ساعات. لكن ما كشفت عنه جولة الصواريخ الأخيرة التي أطلقتها حركة (الجهاد) أعطت نتيجة عكسية لما قصد منها. فمن جهة، فشلت «القبة الحديدية» أن تعترض سوى صاروخ واحد، وعُزي هذا الفشل إلى «خلل فني» تم إصلاحه لاحقاً! ومن جهة أخرى سقطت الهالة التي وضعت حول «القبة»، إلى جانب امتلاك (الجهاد) صاروخ (غراد)، والدقة التي رافقت إطلاقه. وهكذا ثبت مجدداً أن «قوة الردع» ربما تراجعت أكثر مما كان عليه الحال بعد وقف (محرقة غزة) 2008. وقد جاء في تصريح للجنرال شاؤول موفاز قوله، إن كل جولة تضيف «تقويضاً إضافياً» لقدرة الردع «الإسرائيلية».

وكان للعدوان هدف آخر لعله أكثر خطورة على فصائل المقاومة في القطاع، فبعد عملية إيلات الناجحة في شهر أغسطس/ آب الماضي، أقدم العدو الصهيوني على اغتيال أربعة من قادة (ألوية صلاح الدين)، وفي عدوانه الأخير اغتال خمسة من كوادر (الجهاد الإسلامي)، وفي الحالتين لم يكن هناك سبب وكان الهدوء سائداً على خطوط التماس. في العملية الأولى لم يتعرض لمواقع أو عناصر حركة (حماس) ولكن حمّلها المسؤولية لأنها غير قادرة على ضبط الفصائل الأخرى، وفي العدوان الأخير أيضاً لم يستهدف مواقع أو عناصر الحركة، وإن كان حمّلها المسؤولية عن عدم الانضباط الذي أظهرته حركة (الجهاد الإسلامي). ولهذا السلوك الصهيوني معنى واحد واضح هو الاستفراد بفصائل المقاومة، وفي الوقت نفسه محاولة الوقيعة بين هذه الفصائل.

المحلل العسكري لصحيفة («يديعوت أحرونوت» - 30/10/2011)، رون بن يشاي، أرجع التصعيد، الذي ألقاه على عاتق (الجهاد الإسلامي)، إلى محاولة فاشلة لـ «عملية خطف كبيرة» قامت بها الحركة وتم إحباطها في سيناء، فثأرت لها في ذكرى الشهيد فتحي الشقاقي الأمين العام السابق للحركة. وقد رأى أن الهدف منه توجيه رسالة من قيادة الحركة إلى «قادة حماس وعرابها في إيران، وكذلك إلى المجلس العسكري في مصر»، ومفادها أن قدرتها العسكرية أصبحت توازي قدرة (حماس) العسكرية إن لم تزد عليها، وعلى المعنيين أن يتعاملوا معها على هذا الأساس. ومسعى الوقيعة بين (الجهاد) و(حماس) في هذا الدس لا يمكن أن تخطئه العين، مثلما أن الاستفراد بكل فصيل على حدة واضح أيضاً.

ويبدو أن نتائج العدوان، رغم ما أوقعته من شهداء وجرحى، لم يكن مرضيا للقيادات «الإسرائيلية». فإذا كانت تلك القيادات قد أرادت أن تكون غزة «بالون اختبار» لطرف في محور تحسبه على طهران في وقت وصل الجدل فيه عن توجيه ضربة لإيران إلى ذروته، فإن ما عكسته نتيجة العدوان لن يرضيها، لأن التطور الذي بدا على قدرات (الجهاد الإسلامي) يظل متواضعاً إذا ما قيس بتطور قدرات المقاومة الوطنية اللبنانية. وقد أظهرت ردود الفعل «الإسرائيلية» العصبية على تلك النتائج ما يؤكد عدم الرضى. وقد دعا كل من سلفان شالوم، نائب رئيس الوزراء، وأفيغدور ليبرمان، وزير الخارجية، إلى «عملية عسكرية واسعة لتدمير البنى التحتية للإرهاب وتغيير قواعد اللعبة وإسقاط حكم حماس في القطاع»، وذلك «في إطار علاج عسكري وسياسي جذري للخطر المتعاظم في القطاع» على حد تعبير رون بن يشاي. أما شالوم يروشالمي، المحلل السياسي في صحيفة («معاريف» - 31/10/2011)، فكتب يقول: «إنه آن وقت التخلص من غزة»، مطالباً حكومة نتنياهو برفع الحصار عنها باتجاه مصر، والتعامل معها كدولة مجاورة، ليتوجه اهتمامها (الحكومة) إلى الحل السياسي مع السلطة في رام الله، لعل ذلك ينقذهم من صداع غزة.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 7 / 2165364

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

19 من الزوار الآن

2165364 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 14


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010