الجمعة 4 تشرين الثاني (نوفمبر) 2011

غولدستون وغطاء العدوان

الجمعة 4 تشرين الثاني (نوفمبر) 2011 par أمجد عرار

السفير المصري في رام الله يقول إن تدخّلاً دبلوماسياً مصرياً حال دون تنفيذ عدوان «إسرائيلي» واسع على قطاع غزة. لا نفهم من هذا الكلام أن هناك نوايا عدوانية مبيّتة فحسب، فهذا أمر بديهي ومفروغ منه بالنسبة إلى «إسرائيل» القائمة على العنصرية والعدوانية والتوسّع، بشهادة الأمم المتحدة قبل أن تتحوّل إلى إحدى دوائر الولايات المتحدة. كلام السفير المصري إذاً، لا يشير إلى نوايا فقط، بل إلى مخططات، لأن أي عمل عسكري واسع لا يمكن أن يبنى على رد الفعل، بل لا بد له من خطط جاهزة تنتظر التنفيذ الذي بدوره يبحث عن ذريعة، وإن لم تتوافر لا تجد «إسرائيل» حرجاً من شن العدوان من دون ذريعة مباشرة، فالشعب الفلسطيني بنظرها مجموعة من «الإرهابيين»، وهي تجد من يساندها ويغطي عدوانها من القوى المتجبّرة اللاأخلاقية، ومن الرموز المشتراة من أمثال ريتشارد غولدستون الذي ترأس لجنة دولية وزار برفقة أعضائها قطاع غزة بعد الحرب العدوانية التي شنتها «إسرائيل» أواخر 2008 مطلع 2009، وخلصت اللجنة في تقريرها إلى أن «إسرائيل» ارتكبت جرائم حرب. لكنّه تحت ضغط الصهاينة وأدواتهم وحماتهم في الدوائر الغربية، باع ضميره وشرف مهنته الحقوقية وتراجع عن تقرير لم يعد ملكه.

وها هو غولدستون يمعن في عدوانية تبناها شخصياً ضد الشعب الفلسطيني، مانحاً «إسرائيل» صكّ غفران أسود في تزامن، ليس مصادفة ولا بريئاً، مع وعد بلفور المشؤوم. فالقاضي الجنوب إفريقي الذي عانت بلاده عقوداً من التمييز العنصري، ينفي عن «إسرائيل» صفة العنصرية ويدافع عن جدارها الذي لم يشهد نظام «الأبارتهايد» السابق في جنوب إفريقياً مثيلاً له. لو لم يكن هذا الموقف بيعاً صريحاً للضمير، لأدان الجدار الذي ينهب الأرض ويفصل بين المنزل والمحل التجاري، والمزارع وأرضه، والفلسطيني وأبنائه. كان بإمكانه، وهو الحقوقي المخضرم، أن يدين هذا الجدار الذي أصدرت محكمة لاهاي حكماً بعدم مشروعيته وبضرورة إزالته، حتى لو لم يشأ وصفه بالعنصرية، فهو جدار إجرامي مدمّر، وهو عملية نهب وسرقة وقرصنة مخالفة لكل الأعراف والتقاليد وقرارات الشرعية الدولية.

غولدستون هذا يقدّم أبشع شهادة زور تتناقض حتى مع وقائع توردها منظمات حقوقية في «إسرائيل» نفسها، وآخرها تقرير مؤكد بالوقائع عن عمليات التطهير العرقي التي تقوم بها في القدس المحتلة، من خلال إجراءات الترحيل القسري للمقدسيين، وهي وقائع مدلل عليها بالأرقام والأسماء. غولدستون هذا يتجاهل تقارير منظمة مثل «يوجد حد» التي وثّقت بالصور والفيديو انتهاكات حواجز الاحتلال لحقوق الإنسان الفلسطيني، وارتكابها أعمال تنكيل وحشية بحق الفلسطينيين المارين على هذه الحواجز. إنه يتجاهل الجرائم اليومية التي يرتكبها قطعان المستوطنين بحق الفلسطينيين وأرزاقهم، حيث يسلبون المزارعين زيتونهم ويحرقون أشجارهم ويهاجمونهم في الطرقات وحتى داخل منازلهم.

غولدستون هذا يتحدّث بانتقائية عن تجاور الفلسطيني من أبناء المناطق المحتلة عام 48 واليهودي على سريرين في المستشفى، وهذا منطق مُضلِّل، لأنه، وإن حصل، فلا يغطي على عشرات القرارات العنصرية التي تميّز ضد هؤلاء الصامدين في ديارهم قبل النكبة وخلالها وبعدها، بل يتجاهل العنصرية التي تطال حتى اليهود الشرقيين والفلاشا.

أي قاض هذا وأي حقوقي؟ أم أن غروره دفعه إلى الاعتقاد أنه مانح الشهادات والبراءات؟ لقد جاءت تصريحاته في الفترة التي ارتفعت فيها مؤشرات العدوان على غزة، لتعطي الغطاء مسبقاً لهذا العدوان. هذا النمط من المواقف يؤشّر إلى أي مدى من اللاأخلاقية تكمن المتاجرة بالشعارات، وأي بؤس يصل إليه من يصدّقها وينظّر لها.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 15 / 2177708

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

18 من الزوار الآن

2177708 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 18


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40