الخميس 22 نيسان (أبريل) 2010

عين الحسود و حال الأمة

الخميس 22 نيسان (أبريل) 2010 par د. ديمة طارق طهبوب

“طيرت شرك بالصلاة على النبي، اللهم صلى على سيدنا محمد، عين الحسود فيها عود، و عين الجار فيها نار، و عين اللي ما تصلي عالنبي تنقلع و تنطفي، طبخنا عدس و تعشينا عدس، اخرجي يا نفس من (اسم الشخص) كما خرجت المهرة من الفرس، و الخيول من مرابطها، و الأولاد من مقامطها، ستنا سارة أنا ولية و هي ولية تزيل عنك الشر و الأذية، سيدنا العلي بن اعلين يزيل الشدة من الرجلين، اللهم صلى على سيدنا محمد”

و مع بخور يدور حول الشخص المرقي و ترديد للفاتحة و المعوذتين تكتمل الرقية الشعبية لتحصين و دفع و درء العين، و التي تعتبر بصيغتها المذكورة أعلاه من التراث الفلسطيني ، قليل من الإيمان، و شيء من الخزعبلات و التوسل، مع كثير من الجهل كأن أحد أهم أسباب تردي الأمة و ضياع فلسطين في حينها إذ تحول الدين الى مجموعة من الطقوس و الشعائر يمارسها كبار السن انتظارا للنهاية، أو عند الإحساس بالحاجة إليها في المناسبات أو عند المرض أو الخوف، فالعلم كان مقصورا على حفظ القرآن في الكتاتيب، و على الأغلب للذكور دون الإناث، أما الاستزادة في العلم فكانت محصورة على أبناء العائلات و أهل المدن، و كان أول ما يتخلى عنه المتعلمون هو القليل الذي حصلوه من الدين و كأنه جزء من إرث التخلف

و اللائحة طويلة، فالحجب و فتح الفنجان و قراءة الكف، و نواة التمرة في الجيب تجلب الرزق، و حبة البركة معلقة بالصدر تقي من العين، و شيء من أثر الزوج يصنع حجاب المودة و يفك المربوط و يجعل الزوج خاتما في يد الزوجة، و حدوة الحصان و الخرزة الزرقاء، و العجينة التي يجب أن تلصقها العروس بشدة و تمكين على باب بيتها حتى تكون قدم سعد على زوجها و تبقى قدمها ثابتة في بيتها

و لما قل الدين و معرفة الأنبياء و التمسك بالسنة كان لا بد لأجدادنا اصطناع البدائل و من يقوم مقامهم، فأصبح الشهم وليا، و الكريم وليا، و الشجاع وليا، و كلهم يقدم له القرابين و تتلى له الدعوات و التوسلات

و ليس هذا في مقام الخوف و الحذر فحسب فحتى في مقام الفرح وجدت الخزعبلات طريقها إلينا، و فأحد أهزوجات العرس القديمة مثلا تقول:

قلي وين أزفك يا أبو عيون السود عالصخرة الشريفة و عالنبي داود

قلي وين أزفك يا أبو عيون ملاح عالصخرة الشريفة و عالنبي جراح

فهل التحريف مجرد تماثل في القافية أم جهالة تسربت الى الدين و الثقافة، كلنا يعرف و يؤمن بالنبي داود عليه السلام،و لكن من هو النبي جراح الذي كان وليا يُزار في المواسم الدينية في عصور ما قبل النكبة، و هل وصل حد الجهالة الى الخلط بين الأنبياء و الشخصيات التاريخية؟ من نعرفه هو الشيخ جراح الذي سُمي أحد أحياء القدس باسمه، و هو الحي الذي يتعرض الآن لأعنف حملات الطرد و التهجير لسكانه الفلسطينيين

و حتى لا نظن أننا أحسن حالا في القرن الواحد و العشرين، عصر العلم و التطور و الاكتشافات و العلمانية التي نبذت الدين أيضا و حصرته كممارسة شخصية اختيارية، العصر الذي أظهر الملحدين بثوب المفكرين و أصحاب الرأي، علينا أن نطالع النتائج المرعبة لتقرير المعرفة العربي لعام 2009 الذي يؤكد أن غالبية ما يقرأه العرب يصنف في باب الأبراج و الشعوذة و كتب الطب الشعبي و أخبار النجوم و الفضائح و الإشاعات، و أن معدل ما يقرأه العرب هو كتاب لكل عشرين ألف مواطن

إن العين حق و الإيمان بها حق، و لكن تعامل الاسلام معها تعامل إيجابي يبتعد عن التخويف، فقد هذب النفس الإنسانية إبتداءً ناهيا إياها عن الحسد، و حبب إليها الغبطة و هي تمني الخير للنفس دون تمني زواله عن الآخرين، و حتى عندما استخدم مفهوم الحسد أعاد تعريفه و جعله مقرونا بأعمال الخير و البر لا التنافس على حطام الدنيا الزائل فجاء في الحديث “لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله مالاً، فسلطه على هلكته (إنفاقه) في الحق. ورجل آتاه الله الحكمة، فهو يقضي بها ويعلمها”

و في حال وقوع الحسد جعل له الاسلام علاجا واضحا بالتداوي و الرقية الشرعية بأيآت القرآن و الأدعية المأثورة عن رسول الله، و بقدر إيمانية هذا العلاج النفسي جمع الإسلام إليه علاجا عمليا بالاستمرار بالعمل و عدم التواكل أو التراجع تشاؤما برؤية قطة سوداء أو غراب أو عدد من الأعداد أو فذلكات معادة في جريدة أو كتاب، كما و جعل تحصيل الرزق مقرونا بالعمل، و بين الرسول أن السماء لا تمطر ذهبا و لا فضة، مع الإيمان و الإقرار أن لكل إنسان رزق مكتوب كما جاء في قوله تعالى “و في السماء رزقكم و ما توعدون فورب السماء و الأرض إنه لحق مثل ما أنكم تنطقون” فالله سبحانه جعل أهم ما يخيف الانسان و يعيقه عن الفاعلية، و هما أمرا الحياة و الرزق، بيده وحده ليحرره من العبودية و يمكنه من أداء دوره في عمارة الأرض، و أغلق الاسلام أبواب التشاؤم في حياة الإنسان و فتح أبواب الاستبشار فجاء في الحديث “لا عدوى و لا طيرة (تشاؤم) و يعجبني الفأل، قالوا: و ما الفأل، قال رسول الله: كلمة طيبة”

إن الاسلام بقدر ما هو دين غيبي مبني على الإيمان بأشياء لم يرها الانسان هو كذلك دين شهادة و علم في معظم تعاليمه و أركانه، ذلك أن الانسان بحاجة الى أرضية و وقود يحفزه على العمل، و حتى في وصف الجنة و هي من أعظم جزاء المؤمن، علمتنا السنة أن فيها ما لا عين رأت و لا أذن سمعت و لا خطر على قلب بشر، و هذا من باب تعظيم ما فيها، و لكن الله قرب لعباده الصورة بالأسماء التي يعرفونها حتى تتعلق قلوبهم بها و يعملوا لها فقال في كتابه المحكم “و يدخلهم الجنة عرفها لهم” و ذكر فيها الأنهار و الأشجار و الفواكه و اللحوم و النخل و الرمان و الأسرّة و الملابس و غيرها، و القصد من التسمية الربط بين عالم الغيب و الشهادة بما يحقق مصلحة العباد، و ليس التشابه و المساواة فقد قال ابن عباس “ليس في الجنة مما في الدنيا الا الأسماء”

و حتى الأحلام التي تستولي على اهتمامات الناس و الدراسات الحديثة و علم النفس، فقد فصل الاسلام في بيان أحوالها و كيفية التعامل معها فجاء في الحديث“الرؤيا ثلاثة: فرؤيا صالحة بشرى من الله، و رؤيا تحزين من الشيطان، و رؤيا مما يحدث المرء نفسه، فإن رأى أحدكم ما يكره فليقم فليصل، و لا يحدث بها الناس”

غريب و لدينا كل هذا الإرث التنويري الذي يرقى بفكر الإنسان و عمله كيف انكفأنا و عدنا نعبد الأصنام و ننتظر توقعات العام للفلكي الفلاني و الروحاني العلاني و نتابع ما تحقق منها و ننشرها في اعلامنا كزوايا و فقرات ثابتة لا غنى عنها، لقد عدنا الى جاهلية الاستقسام بالأنصاب و الأزلام بأشكال مختلفة، و تنكرنا لأجداد انطلقوا من القرأن لوضع نظريات علم الفلك و الجبر و الكيمياء و الهندسة

المرض واضح، و التشخيص أوضح، و العلاج بسيط: نحن قوم أعزنا الله بالإسلام فمتى ابتغينا العزة بغيره أذلنا الله



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 96 / 2165282

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

12 من الزوار الآن

2165282 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 10


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010