الخميس 3 تشرين الثاني (نوفمبر) 2011

هل كان رفض قرار التقسيم خطأً تاريخياً؟

الخميس 3 تشرين الثاني (نوفمبر) 2011 par عوني فرسخ

صرح الرئيس محمود عبَّاس، في مقابلة مع القناة الثانية في التلفزيون «الإسرائيلي»، بأن رفض قرار التقسيم كان خطأً، مكرراً بذلك ادعاء غير تاريخي تعدد مردوده بتزايد طردي منذ النكبة، ما يستدعي التساؤلات الآتية : هل كان رفض القرار 181 بتقسيم فلسطين سنة 1947 خطأً تاريخياً أم موقفاً وطنياً فلسطينياً وقومياً عربياً جرى تأكيده في «الميثاق القومي» لمنظمة التحرير الفلسطينية لسنة 1964، ثم في «الميثاق الوطني» سنة 1968؟ وهل كان رفض قرار التقسيم هو المتسبب بنكبة 1948 وتشريد شعب فلسطين وتواصل معاناته، أم هو التقصير في توظيف الإمكانات والقدرات العربية في الصراع؟ وما هي الغاية المستهدفة من إعادة القول راهناً بالادعاء غير التاريخي؟ وفي الإجابة عن التساؤلات الثلاثة أُذكر بما يأتي :

1ـ لقد انطوى القرار بتقسيم فلسطين على مخالفة صريحة لميثاق الأمم المتحدة الذي ينص على حق الشعوب في تقرير مصيرها، إذ كان الشعب العربي الفلسطيني يجاوز حينها ثلثي عدد سكان فلسطين. وقد أجمعت قواه الوطنية، مؤيدة بالدول العربية الأعضاء في المنظمة الدولية، على المطالبة باستقلال فلسطين وإقامة نظام ديموقراطي فيها يكفل حق المواطنة للمستوطنين الصهاينة جميعاً. وهو المطلب المتوافق مع مواقف مندوبي الهند وايران ويوغوسلافيا الأعضاء في «لجنة الأمم المتحدة الخاصة بفلسطين» (الانسكوب) التي شكلتها الجمعية العامة من 11 عضواً في 15/5/1947.

2ـ في جلسة الجمعية العامة للأمم المتحدة، التي أقرت فيها قرار التقسيم يوم 29/11/1947، قدم كميل شمعون، باسم الدول العربية، مشروع الدولة الديموقراطية الفدرالية، المشكّلة من مقاطعات عربية ويهودية. وفقاً لما ورد في المشروع الذي كان قد اقترحته اللجنة الأميركية ـ البريطانية برئاسة هربرت موريسون، رئيس مجلس اللوردات البريطاني في 31/7/1946. ولقد حال مندوبا الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي، ورئيس الجمعية العامة للأمم المتحدة، دون إتاحة فرصة التصويت على المشروع العربي الفيدرالي والديموقراطي.

3ـ في الوقت الذي كان فيه الصهاينة لا يحوزون 7 في المئة من مساحة فلسطين الكلية، منحهم قرار التقسيم 56,47 في المئة منها، واعتبر منطقة القدس دولية، وأبقى للعرب 42,88 في المئة من أرض وطنهم. وكان القسم المخصص للصهاينة يضم 480 الف مستوطن صهيوني يحوزون 9,38 في المئة من مساحته. مقابل 407 آلاف عربي يمتلكون 24,34 في المئة من مساحته، ما يعادل 259,48 في المئة مما يحوزه الصهاينة. فيما كان 66,04 في المئة من مساحة ذلك القسم أملاك دولة.

4ـ لقد التقت على رفض قرار التقسيم جميع الدول العربية وغالبية الدول الإسلامية الأعضاء في الأمم المتحدة، حينها، وكل من الهند وكوبا واليونان. ولولا الضغوط الأميركية على عدة دول صغيرة، والتحول الدراماتيكي المفاجئ في موقف الاتحاد السوفياتي والكتلة الشرقية، لما حاز القرار أغلبية الثلثين اللازمة لإقراره. ولقد أجمعت القوى العربية على رفضه، عدا الشيوعيين الذين دفعوا غالياً ثمن التزامهم بالموقف السوفياتي حينذاك.

5ـ الثابت ان القوات الصهيونية هي التي بادرت بالعدوان فور صدور قرار التقسيم، منتهزة معرفتها بعدم امتلاك العرب إمكانات قتالية بفعل التشدد البريطاني ضد حيازة العرب السلاح. وحتى انتهاء الانتداب، وفّرت القوات البريطانية الحماية للمستوطنات الصهيونية من دون الأحياء والقرى العربية. كما أنها لم تسلّم المسؤولية الإدارية في المناطق التي تنسحب منها الى لجنة الأمم المتحدة التي أرسلت الى فلسطين لهذا الغرض. فيما لم يصدر مجلس الأمن، ولا الجمعية العامة للأمم المتحدة، قراراً يلزم بريطانيا بتسليم الإدارة الى اللجنة المكلفة بتنفيذ الإجراءات التي نص عليها قرار التقسيم الخاص بإقامة الدولتين : العربية واليهودية، وبذلك بقيت آلية تنفيذ القرار 181 معطلة. ولا أحسبنً ان عدم إصدار القرار الخاص بآلية التنفيذ عفويا، بل كان متعمداً، ذلك لان «الدولة اليهودية» لم تكن بحاجة الى آلية تنفيذ، إذ كانت قائمة في ظل سلطة الانتداب. وفضلاً عن ذلك لم يصدر مجلس الأمن أو الجمعية العامة للأمم المتحدة أي قرار بفرض عقوبات على القوات الصهيونية عندما تجاوزت حدود التقسيم. ما فيه شبهة التواطؤ الدولي على ان غاية قرار التقسيم إنما كانت تنفيذ استراتيجية إقامة الكيان الصهيوني.

6ـ في 23/9/1948 صدر عن الهيئة العربية العليا إعلان بتشكيل «حكومة عموم فلسطين»، واتخاذ غزة مركزاً لها. وذلك بالتفاهم مع أمانة الجامعة العربية وتأييد سوريا ومصر والسعودية. واتبعت ذلك بتشكيل «مجلس وطني» من الشخصيات التي لها صفة تمثيلية، وتقدمت الوزارة الى المجلس ببيان وزاري، تضمّن النص على اعتبار فلسطين دولة ديموقراطية، تضمن فيها الحريات الدينية والمدنية والشخصية للمواطنين على اختلاف أديانهم ونحلهم. ومع أن إعلان الحكومة لقي تأييداً شعبياً وقبول اربع دول عربية، إلا أنها كانت دولة بلا سيادة، إذ لم يتح لها ادنى سلطة فعلية على أي جزء من أرض فلسطين، ما حال دون ان تكون قابلة للحياة.
7ـ بتوقيع كل من مصر وسوريا والأردن ولبنان اتفاقيات الهدنة سنة 1949، تكون الدول الأربع قد اعترفت ضمناً بـ «إسرائيل». والثابت أن أنظمة حكمها كانت مستعدة للصلح إذا وافقت «إسرائيل» على العودة الى حدود التقسيم وتنفيذ القرار 194 بعودة اللاجئين الى ديارهم والتعويض عليهم. وذلك ما أجمع على رفضه القادة الصهاينة من أقصى اليمين الى أقصى اليسار. ثم إن الرفض العربي الرسمي لقرار التقسيم انتهى عملياً بتوقيع بروتوكول لوزان في 12/5/1949. إذ اتفق ممثلو الدول العربية و«إسرائيل» بموجبه على إقرار خريطة التقسيم، وذلك ما لم تلتزم «إسرائيل» بتنفيذه. بعد أن ألحق بها ما سمي «وثائق عمل» تضمنت القرار 194، وذلك ما لم تلتزم «إسرائيل» بتنفيذه.

ومما سبق يتضح تماماً أن رفض قرار التقسيم لم يكن خطأً تاريخياً، ولا أضاع «فرصة ذهبية». فضلاً عن أنه لم يكن باستطاعة أي مسؤول فلسطيني او عربي او مسلم إعلان قبوله لعدم مشروعيته والإجماع الشعبي على عدم التفريط بذرة من تراب فلسطين. وبالتالي فالادعاء أن رفضه كان خطأً ليس إلا من قبيل ادعاء الحكمة في وقت متأخر.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 20 / 2165855

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

15 من الزوار الآن

2165855 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 12


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010