الخميس 3 تشرين الثاني (نوفمبر) 2011

بنلوب الفلسطينية

الخميس 3 تشرين الثاني (نوفمبر) 2011 par يوسف أبو لوز

الأساطير، أيضاً، كالتاريخ تكرر نفسها ..

الأوديسة الإغريقية، هذه المرة، بنسخة فلسطينية، لكن المؤلف ليس هوميروس، وإنما أسير فلسطيني اسمه «ضاهر» أفرجت عنه «إسرائيل» ضمن صفقة الأسرى أخيراً ليعود إلى غزة وليس إلى جنين، حيث كانت تنتظره «بنلوب» الفلسطينية واسمها هذه المرة في الأسطورة الفلسطينية «رائدة» التي انتظرت خطيبها الأسير ثمانية عشر عاماً متسلحة بالصبر والأمل .. تقول : «.. لم أفكر يوماً أن أتركه، كنت أشعر دائماً بأنه لن يقضي فترة حكمه كاملة، وسيخرج في يوم ما ..».

خرج «ضاهر» من الأسر أكثر تماسكاً ووسامة. وذهبت «رائدة» إلى غزة حيث زفافها، وهي بكامل حضورها الإنساني، ذلك الحضور الذي لم تزعزعه السنوات، ليكتمل قوس فرحتها مثل قوس قزح بعد سنوات من الثقة الداخلية والقوة الإنسانية التي تجعل الكائن البشري أقوى من عدوّه الذي يكره الحياة، حتى لو كان هذا العدو مفخخاً من رأسه حتى قدمه بالكراهية والسلاح.

انتصر الحب الفلسطيني على الكراهية «الإسرائيلية». بكلمة صغيرة انتصرت الحرية. ضاهر ورائدة رمزان للأمل وللحرية.

«بنلوب» في الأسطورة التي قد يكون جانب منها متخيلاً، انتظرت عوليس عشرة أعوام، ضاع خلالها في البحر، أو أنه كان أسيراً في الماء الذي يحيط به من كل جانب تماماً كالاحتلال.

«بنلوب» أيضاً كانت، وبلغة، أخرى تقول لنفسها «أشعر بأن عوليس لن يقضي كل حياته في البحر وسيخرج في يوم ما» .. كانت امرأة الصبر والأمل تتحايل على القتلة واللصوص والمنتهزين الذين يريدون إبعادها عن قلبها بأن تحوك ثوب العرس المتخيل في النهار، ثم، تنكث حياكتها في الليل، إلى أن وصل أسير البحر أخيراً إلى اليابسة، وبتدوير آخر للأسطورة، وصل عوليس إلى برّ غزة، وهناك استعاد درعه وسيفه منتصراً بالقوة التي في قلبه، ليكمل مراسم حريته في مدينة «بنلوب».

«ضاهر» كان يحيط به ليل الأسر، لكنه كان يضيء في روحه شمعة دائماً، و«رائدة» كان يحيط بها ليل الاحتلال .. نجت من مذبحة مخيم جنين، ونجت من الليل «الإسرائيلي» الأكبر، بقيت في قلب الأمل، وهي الأخرى وصلت إلى البّر ووضعت يدها في يد بطل.

البطولة ليست في الشعر والروايات والأساطير فقط، بل تتمثل صورتها الواقعية تماماً في الأوديسة الكنعانية التي تحتاج إلى هوميروس آخر .. ولكن بالقليل القليل من الضياع في البر والبحر، فقد مشى الفلسطيني على درب الآلام أكثر من ستين عاماً .. ليتها كافية للوصول إلى الزفاف الأخير.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 58 / 2181894

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

15 من الزوار الآن

2181894 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 13


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40