الأربعاء 2 تشرين الثاني (نوفمبر) 2011

الحركة الاحتجاجية في «إسرائيل» في عيني أسير فلسطيني

الأربعاء 2 تشرين الثاني (نوفمبر) 2011 par أمير مخول

موجة التظاهرات «الإسرائيلية» في الآونة الأخيرة، التي تزعم المطالبة بالعدالة الاجتماعية، هي إحدى أهم وأضخم الحركات الحاشدة في تاريخ البلد. وينبغي أن نضيف إنّ ما يميّز تلك التظاهرات عن غيرها، ادعاؤها خلق مساحة مفتوحة للمجموعات والأفراد على حد سواء. تتمتع تلك التظاهرات بخصائص الحركة الاجتماعية، لكن، يجب أن تخضع المطالب التي ينادي بها المتظاهرون لنقاش ونقد جديّيْن. فإحدى مفارقات تلك الحركة هي تعريفها الخاص «للعدالة الاجتماعية». فبينما للعدالة الاجتماعية تعريف عالمي متفق عليه، فإنّ للمحتجين في ساحة «روتشيلد» في «تل أبيب»، تعريفاً خاصاً بهم، يقتصر على المكوّنات الداخلية للمجتمع «الإسرائيلي».

في ساحة «روتشيلد»، تعد المسببات الرئيسية للاضطهاد الاجتماعي الذي يعانيه «الإسرائيليون»، بمثابة قضايا محرّمة، أي الاحتلال، والعنصرية الاستعمارية، وعسكرة جميع جوانب المعيشة، والفكر والنظام النيوليبرالي العدواني السائد. وتعد تلك القضايا أساسية في عملية بناء الدولة «الإسرائيلية».

يجب أن يُنظر الى الحركات الاجتماعية «الإسرائيلية» في ضوء تطوّرين عابرين للحدود : الأول، انتفاضات الشعوب العربية، التي تمثل مثالاً على كيفية القيام بالحركات الشعبية، التي أثبتت أنّه لا وجود لأمر مستحيل، والثاني، نمو الحركات الاجتماعية العالمية والدولية. وتكتسب تلك الأخيرة، يوماً بعد يوم، طابعاً شعبياً بأنّها تتحدى النخب النيوليبرالية العالمية في البلدان التي نطلق عليها تسمية «الدول الثرية» وأزمتها الراهنة التي تؤثر في العالم بأسره.

تعد التظاهرات الأخيرة مؤشراً لتنامي قوة الحركة الاجتماعية «الإسرائيلية». علاوة على ذلك، تتحدى تلك التظاهرات، جزئياً، النظام الحالي القائم على تقاسم السلطات، في محاولة لإعادة بنائه على أسس جديدة تلبّي جدول أعمال الطبقة الوسطى «الإسرائيلية»، التي نظمت بدورها تلك التظاهرات وترأسها حالياً. أما الطبقة الفقيرة في «إسرائيل»، فقد أُبعدت من جانب قيادة تلك الحركة ومن خطاباتها.

[**الطبقة الوسطى «الإسرائيلية» تفقد سلطتها*]

في الجانب الآخر، احتشدت الطبقة الوسطى «الإسرائيلية» بسبب شعورها بفقدان سلطتها، نتيجة للهيمنة النيوليبرالية في «إسرائيل» التي لا تتمثل برئيس الحكومة نتنياهو فحسب، بل بالنخب الجديدة في البلد التي صاغت الإيديولوجية الجديدة للدولة. أضحت النيوليبرالية، الإيديولوجية المشتركة بين رؤساء السلطات التنفيذية وصناع القرار في العاصمة.

خلال السنوات الأخيرة، أدرك المجتمع «الإسرائيلي» أكثر من أي وقت مضى، حجم الفجوات الاجتماعية والاقتصادية المتزايدة. في الوقت الحالي، تشهد الدولة «الإسرائيلية» نهضة لكبار رجال الأعمال الأثرياء. فمن خلال إدارتهم عدداً محدوداً جدّاً من الشركات والأعمال الاقتصادية وفق اتفاقيات التكتلات الاحتكارية العلنية والسرية، أصبح رجال الأعمال «الإسرائيليون» الجدد، الحكام الحقيقيين للاقتصاد ولتوزيع الأموال العامة. أما على صعيد الحكومة، فإنّ الفكر النيوليبرالي لرجال الأعمال، يحدد معالم عملية صنع القرار من خلال تنفيذ سياسات الخصخصة التي تشمل الموارد الطبيعية، كمعادن البحر الميت وآبار النفط والغاز، المكتشفة حديثاً في السواحل الشرقية للبحر المتوسط. وقد منحت حكومة نتنياهو تلك الموارد الى رجال الأعمال، بحجة أنّهم المحرك الأساسي للنمو الاقتصادي. إلا أنّ الطبقة الوسطى «الإسرائيلية» تقول عكس ذلك، فهي أساس أي انتعاش اقتصادي، إذ وجدت تلك الموارد لتخدم المجتمع ككل، إضافة الى كونها إيرادات للدولة. وأدى قبول «إسرائيل» عضواً في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية في ايار 2010، الى نتيجة عكسية على الاحتجاجات الشعبية. فقد أصبح «الإسرائيليون» أكثر وعياً للثغر الموجودة في إيرادات الدولة.

[**اقتصاد «إسرائيل» «المعجزة» قيد المساءلة*]

كالعادة، تشرّع السياسة النيوليبرالية الفساد بطريقة هيكلية داخل الدولة. فيجري تحويل الموارد العامة والطبيعية الى رجال الأعمال بسلاسة، بواسطة قوانين ونظم جديدة، وتتواطأ السلطة القضائية مع مصالح رجال الأعمال الأثرياء. في غضون ذلك، تعلن حكومة نتنياهو أمام العالم بأسره، فخرها «بمعجزة» الاقتصاد «الإسرائيلي» الذي تمكن من التغلب على الأزمة المالية العالمية.

على أرض الواقع، يزداد عدد الأشخاص الذين يعيشون تحت خط الفقر في «إسرائيل» كنتيجة مباشرة للسحر الذي يتحدث عنه نتنياهو. ووفقاً لإحصاءات نتنياهو السحرية، فقد انخفضت نسبة البطالة، وارتفعت أعداد العاملين الذين خسروا كرامتهم. وبناءً عليه، أتت التظاهرات الشعبية الحالية لتثير السؤال بشأن من يدفع ثمن ذلك الازدهار الاقتصادي الجلي في «إسرائيل». بما أنّ الطبقة الوسطى، لا الطبقة الفقيرة، هي جوهر التظاهرات، فإنّها تجد صداها بسهولة في وسائل الإعلام، لكونها تضم النخبة «الإسرائيلية». والسؤال المطروح، هل يمكن تلك الحركة أن توّفر فرصاً متكافئة للجميع كي يتمكنوا من المشاركة؟ والجواب ببساطة «لا»، إذ إن حرية التعبير لا تعني منح فرص متساوية في التغيير وممارسة النفوذ. ورغم تشكيل تلك الحركة قوى اجتماعية جديدة من خلال مواجهة «الأبقار المقدسة» لنظام الحكم الحالي، كـ «أمن إسرائيل»، فإنّها تعارض أيضاً المعارضة التقليدية والاتحاد العام لنقابات العمال «الإسرائيلية» (هستدورت). إنّ معارضة شاملة، كهذه، للنخب الحاكمة بأكملها، لا تقع الا إذا تشارك الشعب شعوراً موحداً بإمكان إحداث التغيير.

[**تظاهرة غير سياسية؟*]

إن المعنى العكسي لـ«العدالة الاجتماعية» كما يفسره المتظاهرون في ساحة «روتشيلد» في «تل أبيب»، يوصد الأبواب بوجه كل الظلم الذي يتعرض له الشعب الفلسطيني. ولا أقصد هنا فلسطينيي الضفة وغزة والمنفى، بل أولئك الذين يعدّون مواطنين «إسرائيليين»، ويعانون يومياً مصادرة الأراضي، والتشريعات العنصرية، وعدم الاعتراف بقراهم من قبل الدولة، وتهويد النقب والجليل.

فوفقاً لخطاب تلك الحركة، تلك قضايا «سياسية» لا «اجتماعية»، وبالتالي لا يمكن إدراجها ضمن تعريف الحركة للعدالة الاجتماعية. نظراً إلى اعتبار أنفسهم «غير سياسيين»، يتجاهل المتظاهرون الاحتلال، والحصار المفروض على غزة، ونظام الدولة العنصري ضد المواطنين الفلسطينيين. (يلحظ المتظاهرون العنصرية عندما تطاول الإثيوبيين اليهود أو العمال الأجانب من شرق آسيا، لكن حتى في تلك الحالات، ينظرون الى كل حالة على حدة).

بالنسبة إلى التعريفات «الإسرائيلية»، فـ«غير سياسي» تعني ضم مجموعات من المستوطنين من الضفة والقدس والجولان للمشاركة في التظاهرات. تخلق تلك المسألة تناقضاً أخلاقياً، وسياسياً بالطبع. بمعنى آخر، تقتصر قيم الحركة الاجتماعية «الإسرائيلية» على «الإسرائيليين» فقط. أما الفلسطينيون، فهم مستثنون من أي عدالة. ترى الحركة الاجتماعية «الإسرائيلية» أنّ السجناء السياسيين الفلسطينيين البالغ عددهم 7000 أسير لا يستحقون العدالة الاجتماعية. والأمر سيّان للاجئين الفلسطينيين والنازحين في الداخل. والجدار الفاصل في الضفة الغربية وحصار غزة، مسائل لا تستحق أن تثيرها حركة تزعم أنّها توفر مساحة مفتوحة للجميع.

فالمستوطنون مرحب بهم، لا العائلات الفلسطينية، ولا ضحايا الجدار المشرع بموجب القانون «الإسرائيلي»، ولا التحركات التضامنية من أجل السلام، ولا شعوب العالم الذين هم ضحايا الأنظمة الدموية ذات التعاون الوثيق مع استخبارات الدولة «الإسرائيلية» وجيشها.

[**تصوّرٌ لنظام ظالم «أكثر لطفاً»*]

التزاماً منها بالإجماع الوطني «الإسرائيلي»، تتجاهل الحركة الاجتماعية «الإسرائيلية» حق «الآخر» في العدالة الاجتماعية. فمن خلال عدم إثارتها الأسس التي بني عليها النظام الظالم، تأمل الحركة الاجتماعية أن تخفف من الظلم بدلاً من تغيير النظام بأجمعه. فبسبب عدم مواجهتها للأيديولوجية الصهيونية العنصرية الاستعمارية وطبيعة الدولة «الإسرائيلية»، ينظر البعض الى الحركة الاجتماعية «الإسرائيلية» على أنّها «ما بعد الصهيونية»، لكنّنا، نعي جيداً أنّ مرحلة «ما بعد الصهيونية» لا تعني معاداة الصهيونية، ولا نزع صهونية «إسرائيل». إلا أنّني لا أزال أعتقد أنّه بإمكان تلك الحركة أن تؤدي الى إحداث تغييرات نحو إعادة بناء دولة بدل الدولة الرأسمالية والمرفهة الحالية. دولة كتلك تستطيع أن تلبي مطالب الشريحة الأكبر من المواطنين «الإسرائيليين»، بمن فيهم المواطنون الفلسطينيون في «إسرائيل»، لكن لن تتمكن الحركة الاجتماعية «الإسرائيلية» من تحقيق العدالة التاريخية للمواطنين الفلسطينيين في «إسرائيل»، فيما تشارك بعض المنظمات الفلسطينية في حشد التأييد، إلا أنّهم يدركون عدم تغطية تلك الحركة لمطالب الفلسطينيين الاجتماعية والسياسية.

إحدى المجموعات الفلسطينية المشاركة في التظاهرات هي «البدو الفلسطينيون في العراقيب»، قرية تقع في النقب، وغير معترف بها من قبل «إسرائيل»، وهدمتها الجرافات «الإسرائيلية» ثمانيَ وعشرين مرّة. ورغم مشاركتهم، لم تُدرج أعمال الدولة المجحفة بحق هؤلاء البدو على قائمة مطالب الحركة الاجتماعية. لا يتسم خطاب الحركة بالعنصرية، الا أنّه لا يثير القضايا المتعلقة بالعنصرية. فالعدالة لا تعني أولئك المطالبين بها فحسب، بل الآخرين أيضاً. الحركة الاجتماعية ليست بنية هيكيلية، على العكس، هي مجموعة قيم، ونظم، وإيمان بحق المساواة للجميع. في تلك المسألة، رسبت الحركة الاجتماعية «الإسرائيلية».

في الختام، أود ان ألفت نظركم إلى أنّني لا أزال خلف قضبان سجن «إسرائيلي». يمكنني الاطلاع على أحدث التطورات عبر التلفاز والراديو أو الصحف المسموح بدخولها الى السجن، لكنّني أتحدث من وجهة نظر ناشط حقوقي، رغم صعوبة التأقلم مع ما يحدث على أرض الواقع. أنا واحد من 7000 سجين سياسي يؤمنون بأنّ الظلم سيتلاشى، بينما سيتحقق التحرير، والحرية، والكرامة الإنسانية.

- [**ناشط في المجتمع المدني، وأسير في سجن الجلبوع «الإسرائيلي» (عن الموقع الإنكليزي لجريدة «الأخبار»، ترجمة كوثر فحص).*]



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 89 / 2165445

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع وجهات العدد   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

11 من الزوار الآن

2165445 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 9


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010