الأربعاء 2 تشرين الثاني (نوفمبر) 2011

اليونيسكو والعقاب المزدوج

الأربعاء 2 تشرين الثاني (نوفمبر) 2011 par خيري منصور

اليونيسكو واليونيسيف أهم منظمتين دوليتين من حيث البعد الإنساني والثقافي والأخلاقي لهما، فاليونيسكو معنية بالموروث الحضاري للشعوب والحفاظ عليه واليونيسيف مجالها الطفولة المغدورة في عالم لم يسلم فيه الطفل من الأذى والاستخدام والانتهاك.

قبول فلسطين عضواً كاملاً في اليونيسكو أمر طبيعي ومنسجم مع تاريخ وأدبيات هذه المنظمة. أما العقاب المزدوج الذي تعرضت له المنظمة من «تل أبيب» وواشنطن فمعناه الوحيد أن هاتين العاصمتين لهما معايير أخرى خارج نطاق المنظومة الإنسانية للقيم. وإذا كان قبول فلسطين عضواً في اليونيسكو خطوة على طريق قد يطول قبل إحراز الاعتراف الدولي بها عضواً في الأمم المتحدة، فإن ذلك يثير جملة من الأسئلة حول موقف واشنطن بالتحديد من هذه القضية. فـ «تل أبيب» لها ذرائعها المحفوظة عن ظهر قدم وليس قلباً، لأنها منذ إنشائها كانت رهاناً صهيونياً على إحلال شعب مكان آخر، رغم أن التاريخ أثبت بطلان الرهان.

فالوجود الفلسطيني، عضوياً ومعنوياً في العالم كما قال إدوارد سعيد هو الأطروحة الحية المضادة للرهان الصهيوني، لكن لواشنطن وبيوتها البيض والسود والرمادية شأناً آخر، فالرئيس الذي رحب العالم بشعاراته حول التغيير، وبوعوده بالانحياز إلى المظلومين كان من بين وعوده الاعتراف بفلسطين كدولة خلال هذا العام، لكن عرقوب السياسة على ما يبدو ليس عربياً كما ورد في الحكاية، فهو أحياناً يحمل جنسيات أخرى منها الأمريكية.

فما الذي جرى خلال معظم الشهور التي انقضت من هذا العام كي يغير الرئيس رأيه وموقفه ويشهر الفيتو ضد حق سياسي وإنساني لشعب برهن على جدارته بالحياة، وقُدمت تقارير دولية عن استكماله، رغم الحصار والضغوط، لبنية تحتية ومقومات دولة؟

هل يضطر العرب إلى إعادة النظر في كل ما قالوه عن فوز الرئيس أوباما، عندما عزل بعضهم، وللمرة الأولى هذا الفوز الدراماتيكي، عن دور اللوبي اليهودي الضاغط في نيويورك وفلوريدا؟

إن موقف أوباما لا يعني أن على الفلسطينيين أن يسحبوا أوراقهم وينصرفوا إلى ما هو أقل من دولة وأكثر بقليل من حكم ذاتي، فالولايات المتحدة رغم كونها القوة الأكبر في عالمنا قد تملك سلاحاً نووياً وقراراً سياسياً نافذاً، لكنها لا تملك الحقيقة، فالحقائق التاريخية تولد خارج وزارات الحرب وبعيداً عن قرارات الأباطرة، لهذا فإن ما يحدث الآن هو مجرد تعطيل وعرقلة وتأجيل قسري لحقيقة لا بد أن تأزف في لحظة ما وبالتالي تتحول إلى أمر واقع على صعيد دولي. وما يغيب عن الذين ارتهنوا للبرغماتية فقط وبمعزل عن أي موقف أخلاقي هو أن تسمية الأشياء لا تُوجِدُها، وأن الطفل قبل أن يطلق عليه اسم هو موجود بالفعل.

وأمريكا ليست القابلة القانونية للتاريخ كي تستولد هذا الطفل، وليست هي من تمهر شهادة ميلاده، وما يجب تذكير الرئيس أوباما به وبإلحاح هو أنه ضيع فرصاً عدة منذ توليه للرئاسة، ومنها بل في مقدمتها فرصة الدولة الفلسطينية التي وعد بها. وقد يكتب أمريكي قادم فصلاً إضافياً إلى الفُرص الضائعة التي تحدث عنها بريجينسكي في ما يتعلق بثلاثة رؤساء سبقوا أوباما إلى البيت الأبيض، وهناك حقائق لا يمكن حجبها بالغربال أو حتى بسقف فولاذي، وكل ما في الأمر أن إعاقة الاعتراف بها تتسبب في تبديد الكثير من الوقت والجهد.

وأمريكا لا تحرم الفلسطينيين من حق إعلان الدولة بل تحرم نفسها من شرف رعاية هذا الحق أو على الأقل الإسهام فيه.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 14 / 2165580

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

27 من الزوار الآن

2165580 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 27


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010