الاثنين 31 تشرين الأول (أكتوبر) 2011

المال السعودي والتحريض على الأسر

الاثنين 31 تشرين الأول (أكتوبر) 2011 par عبدالباري عطوان

تعود القضية الفلسطينية الى الواجهة بقوة هذه الأيام بعد ان سلبت الثورات العربية الأضواء محقة، والسبب ليس المجزرة التي ارتكبتها «إسرائيل» في قطاع غزة يوم أمس، واستشهاد عشرة مقاومين من حركة الجهاد الإسلامي، وانما أيضاً هذا التعاطف الشعبي السعودي، ومؤسسته الدينية غير الرسمية، خاصة قضية الأسرى الفلسطينيين.

القصة بدأت عندما أعلن الشيخ عوض القرني، الداعية السعودي المعروف، رصد مبلغ مقداره مئة الف دولار من ماله الخاص مكافأة لمن يأسر جندياً «إسرائيلياً» لمبادلته بالأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال، تيمناً ومحاكاة لصفقة التبادل الأخيرة، التي ادت الى اطلاق سراح اكثر من الف معتقل فلسطيني مقابل تسليم الجندي «الإسرائيلي» غلعاد شليط.

الإسرائيليون «محبو السلام»، او قطاع منهم، أعلنوا فوراً عن رصد مليون دولار مكافأة لمن يقتل الشيخ القرني، وحثوا جهاز المخابرات «الإسرائيلي» (الموساد) على قتله بكل الطرق والوسائل، لأنه تجرأ على مثل هذه الخطوة.

مكافأة الشيخ القرني، ومكافأة المتطرفين «الإسرائيليين» تعكسان الفرق الكبير بين عقلية عربية إسلامية (الشيخ القرني) تلتزم بآداب الحروب ومعاييرها، وتطالب بأمر مشروع أي «أسر» جندي ، وبين عقلية «إسرائيليين» من مواطني دولة تقول أنها الديمقراطية الوحيدة في المنطقة، تطالب «بقتل» داعية إسلامي، وشخصية مدنية، لدعوته الى تبادل مشروع للأسرى معمول به منذ بدء البشرية.

لو طالب الشيخ القرني بقتل «الإسرائيليين» المحتلين للأرض، المعتدين على أهلها، المقيمين في مستوطنات غير مشروعة على ترابها، لقامت الدنيا ولم تقعد، وربما سمعنا عن حملات تطالب بتسليمه للأمم المتحدة، او محكمة جرائم الحرب الدولية، بتهمة «الإرهاب» والدعوة الى القتل، ولكن ان يرصد «إسرائيليون» مكافأة للقتل وسفك الدماء، فهذا امر عادي لا يشكل أي اختراق للقوانين الدولية او الوضعية.

الأمير خالد بن طلال آل سعود كان من القلائل الذين انتصروا للشيخ القرني، عندما عرض 900 ألف دولار لمن يأسر «إسرائيلياً»، بحيث يصبح مجموع المكافأة مليون دولار، أي ما يساوي قيمة المكافأة «الإسرائيلية».

أهمية هذه المكافأة السعودية «المزدوجة» تأتي من حيث توقيتها، ومن التأثير الكبير الذي يمكن ان تحدثه في أوساط الفلسطينيين، سواء الأسرى في سجون الاحتلال، او في الأراضي العربية الفلسطينية المحتلة، او حتى في أوساط العرب جميعاً.

فهذه المكافأة تتزامن مع دعوات في بعض الصحف السعودية تصور «إسرائيل» كحمل وديع لا يعتدي على جيرانه، ولا يخطط لاغتيال سفراء او تفجير سفارات، واحتلال أراضي الغير، أسوة بما تفعله إيران في نظر أصحاب هذه الدعوات.

وينسى هؤلاء ان العداء لإيران لا يجب أن يكون على حساب مدح «إسرائيل»، وتبرئتها من كل خطاياها ومجازرها واحتلالاتها المستمرة والدموية لأراض عربية في فلسطين وسورية ولبنان، واعتدائها على سيادة دولة الإمارات العربية المتحدة، والإقدام على اغتيال مجاهد فلسطيني (محمود المبحوح) على ارض إمارة دبي المسالمة، التي تضرب مثلاً في التعايش بين أكثر من مئة وخمسين جنسية من مختلف أنحاء العالم.

***

كثيرون حاولوا ان يضعوا الصراع العربي «الإسرائيلي» في مرتبة متدنية، مقابل اعطاء الأولوية لأزمات عربية اخرى، مثل الحرب العراقية الإيرانية، او الغزو العراقي للكويت، او الإيحاء بإبعاد عرب الخليج، شعوباً وحكومات عن هذا الملف الشائك، من خلال تقسيم عرب المشرق الى خليجيين، وعرب المغرب والشمال، ولكن جميع هذه المحاولات منيت بالفشل وظل الصراع العربي «الإسرائيلي» يحتل مكانة مركزية في اذهان وضمائر عرب المشرق والمغرب في آن.

ايران، مثل اي قوة اقليمية صاعدة، لها اطماع وحسابات سياسية، مثلما لها صراعات مع قوى خارجية، امريكية وغربية على وجه الخصوص، تريد الهيمنة بالكامل على منابع النفط وامداداته وتدوير عوائده، او امتصاصها من خلال اشعال نار حروب في المنطقة، ولا نجادل في ذلك مطلقاً، ولكن الخطورة ان يتم الزج بالعرب، والشعوب الخليجية بالذات، في هذه الحروب خدمة لأجندات خارجية.

لا نشك لحظة في ان العرب الفلسطينيين تحت الاحتلال سيقدرون تقديراً كبيراً هذه «الفزعة» من قبل الشيخ القرني والأمير خالد بن طلال، كما ان الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال، الذين يفوق عددهم ثمانية آلاف مجاهد ومناضل، سيشعرون بارتياح كبير يخفف عنهم ظلام الزنازين وقسوة الجلادين «الإسرائيليين».

جميل ان يشعر الفلسطينيون الذين يتعرضون للمجازر «الإسرائيلية»، والحصار الظالم، والمعاملة اللاانسانية تحت الاحتلال، ان اشقاءهم في المملكة العربية السعودية، ارض الحرمين، مازالوا يشعرون بآلامهم، ويتعاطفون معهم، ويريدون فك أسر ابنائهم في معتقلات الاحتلال، في زمن تكرّشت فيه الجيوش العربية، وان استعادت لياقتها فلقتل المتظاهرين الذين يطالبون بالحرية والكرامة والحقوق الديمقراطية المشروعة.

الفلسطينيون والعرب المقاومون الآخرون، ليسوا مدمني خطف جنود، ولا يسرهم ان تكون قيمة الجندي «الإسرائيلي» الواحد اكثر من مئة اسير عربي، ولكن ماذا يفعلون اذا كانت كل اساليب الاستجداء التفاوضي، ومبادرات السلام، واغصان الزيتون العربية، فشلت جميعاً في الافراج عن الأسرى الفلسطينيين، وان ما تفرج عنه الحكومة «الإسرائيلية» في صفقات التبادل تعوضه مضاعفاً باعتقال مئات الفلسطينيين في أشهر معدودة.

***

ان تأسر «إسرائيل» المئات او الآلاف من النشطاء السياسيين فهذا امر مشروع، اما ان يرصد عرب اموالاً لمساعدة اسر الشهداء لإعالة اطفالهم من الجوع واعادة بناء منزل هدمته الجرافات «الإسرائيلية» وسوّته بالأرض، او لأسر جنود في مهمات عسكرية، يستعدون لارتكاب مجازر ضد مدنيين، فهذا امر مرفوض ومستنكر ودليل ارهاب وهمجية.. أي عدالة هذه.. وأي ديمقراطية هذه التي يتحدثون عنها، ويعايروننا بها؟

كنا نتمنى لو ان السلطات المصرية التي كانت وسيطاً في صفقة شليط قد طبقت المعايير نفسها بالمطالبة بالإفراج عن اسرى فلسطينيين الى جانب اشقائهم المصريين (18 معتقلاً) مقابل الافراج عن الجاسوس «الإسرائيلي» المحتجز لديها، وهي القادرة على ذلك، خاصة ان معظم الأسرى المصريين المفرج عنهم قد اوشكت احكام سجنهم على الانتهاء. فنهج مصر الثورة يجب ان يكون مختلفاً عن نهج حكومة الفساد التي سقطت بسواعد ثوار المدن والقرى المصرية، وانحياز قواتهم المسلحة الى مطالبهم العادلة.

كما نتمنى ايضاً ان لا ترهب هذه الدعوات «الإسرائيلية» المتعطشة لسفك الدماء الشيخ عوض القرني والأمير السعودي خالد بن طلال، وان يجدا الحماية اللازمة من قبل الحكومة السعودية في مواجهة التهديدات الهمجية والإجرامية التي يتعرضان لها.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 26 / 2181351

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

12 من الزوار الآن

2181351 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 10


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40