الأحد 30 تشرين الأول (أكتوبر) 2011

عصا غانتس و«المقاومة الالكترونية»!

الأحد 30 تشرين الأول (أكتوبر) 2011 par عبداللطيف مهنا

لا أحد يكثر من الحديث عن «السلام» مثل «الإسرائيليين». وحديثهم الدائم عنه لا يلهيهم لحظةً عن مسألتين مركزيتين في سياساتهم لازمتا طبيعة كيانهم الغازي الغاصب لفلسطين العربية منذ افتعاله وإقامته على أنقاض الوطن الفلسطيني ونجمتا عنها، وكان كلامهم هذا عن «السلام» من لزومهما وفي خدمتهما. نعني بهاتين القضيتين، استراتيجية التهويد الدائب، وعمليته المستمرة منذ البدء وفق الظروف والحقب التي مرت بها، وجرى ويجري بالسبل المختلفة التي توافرت له وتم أو يتم بها، بالتوازي مع الاستعداد الدائم للحرب وكأنما هي على وشك الاندلاع بين لحظةٍ أو أخرى. ولأن وجود «إسرائيل»، ككيان استعماري، وباعتبارها ثكنة متقدمة للمركز الغربي الاستعماري لها، دورها ووظيفتها في سياق مشاريع هيمنته في المنطقة، فهي أصلاً وبالضرورة كيان نقيض لمفهوم السلام، والسلام عندها، أو كما تفهمه، لا يعني سوى استسلام العرب، أو إنجاز كامل استهدافات استراتيجيتها الصهيونية الثابتة منذ أن وضعت والتي لا تتبدل، والحديث «الإسرائيلي» المفرط عن السلام لا يلقى جزافاً وإنما له وظيفته، حيث يأتي في سياق التعمية والتمويه وكسباً للوقت لإنجاز التهويد الكامل لكامل فلسطين ومعها ما أضيف لها من الأراضي العربية المحتلة.

أما الاستعداد للحرب، وفي المقدمة منه سياسة التطوير والتحديث الدائب للآلة العسكرية «الإسرائيلية» ورفدها أولاً بأول ولحظة بلحظة بآخر ما توصلت إليه عبقرية القتل الغربية من ابتكارات الموت، فلأن «الإسرائيليين» ومن يرعاهم في الغرب يدركون استحالة السلام من دون إعادة الحقوق المسلوبة لأهلها، الأمر الذي ليس في واردهم، بل إن مجرد التسليم بهذه الحقوق ناهيك عن إعادتها أمر يتنافى مع طبيعة «إسرائيل» واستهدافات من افتعلوها وأقاموها وفرضوها ويتعهدون بحمايتها ومدها الدائم بأسباب البقاء.

انطلاقاً مما تقدم، وباستذكاره، يمكن فهم الدعوات «الإسرائيلية» الراهنة للتفاوض المقترنة مع توارد آخر أنباء العملية التهويدية، التي من بينها الإعلان عن حي تهويدي مزمع بناؤه جنوبي القدس المحتلة، والتي به سوف يتم تطويقها نهائياً، إلى جانب استمرارية العبث بأحشائها بهدف إتمام تهويدها ديموجرافياً بتفريغها من أهلها، وكذا الإعلان عن نية «تشريع» المستعمرات التي تدعى بـ «العشوائية»، وكأنما هناك ما هو مشروع في عملية الاحتلال والتهويد بأسرها!

هذا يقودنا إلى ما سمعناه من الجنرال بيني غانتس بمناسبة تغيير جرى مؤخراً فيما تدعى «شعبة الحرب الإلكترونية» التابعة لجيش الاحتلال... قال الجنرال : إن «هذه الشعبة كيفت جهودها مع التحديات الراهنة عبر الفهم بأننا في المواجهة المقبلة سوف نضطر للحرب ببعد آخر هو البعد الالكتروني. وهذه الشعبة هي من يرسم طريق الجيش «الإسرائيلي» في الدهاليز المركبة لثورات الاتصالات التي تحدث من حولنا».

حديث الجنرال غانتس جاء في سياق التغطية التي عكست فيها الصحافة «الإسرائيلية» ما سرّب لها حول ما دعي بمنظومة «عصا الساحر» الصاروخية المضادة للصواريخ، التي يقال أنها الأكثر تطوراً من سالفتها الشهيرة المسماة بـ «القبة الحديدية»، والمفترض إنها ستكون السابقة لأخرى ثالثة على الطريق ستكون الأكثر تطوراً وفق المعلن يجري الآن العمل عليها، وهي منظومة «حيتس» الموصوفة بالمضادة للصواريخ حاملة الرؤوس النووية. والكلام «الإسرائيلي» برمته يعكس قلقاً وتحسباً حقيقيين، ليس اتجاه حروب المستقبل فحسب، وإنما راهن ما يعتبرونه كماشة صواريخ المقاومتين، اللبنانية شمالاً والفلسطينية من غزة جنوباً، وتهديدها لما يدعونها منطقة «غوش دان»، أو الساحل الفلسطيني المحتل، الذي يتكثف فيه الوجود الديموجوغرافي «الإسرائيلي» الرئيس من حول مركزه في «تل أبيب»، لا سيما بعد التحذيرات الأخيرة التي سمعوها وأخذوها في الحسبان عندما جاءتهم جليةً من قبل قيادة المقاومة اللبنانية، ولاعتقاد «الإسرائيليين»، الذين لم ينسوا بعد دروس حربهم العدوانية الأخيرة على لبنان، أن صواريخ المقاومتين ستطال أول ما ستطال هذه المنطقة التي يصفونها بـ «البطن اللينة» في أية حرب مقبلة.

إذن «الإسرائيليون» يستعدون لمقاومة عربية الكترونية يرونها قادمة حتماً، ويتحرزون لها في سياق استعداداتهم الدائمة للحرب الدائمة، ويتحسبون أيما تحسب لما دعاه الجنرال غانتس «ثورات الاتصالات التي تحدث من حولنا». وهذا أمر يمكن القول إنه ليس بمعزلٍ عن تشكيل حماتهم الغربيين لتحالفٍ يكمل ما بدأه «النيتو» في ليبيا، من أولى مهامه المعلنة نبش الصحراء الليبية في سياق عملية ملاحقة كانوا قد بدأوها بالفعل للصواريخ الليبية المضادة للطائرات، التي يزعم «الإسرائيليون» أنها سوف تجد طريقها إلى غزة.

مشكلة «الإسرائيليين» أن قبتهم الحديدية، التي كانوا قد أحاطوها بكل تلك البروباجندا التي رافقتها فكرة وتطبيقاً، قد فشلت في مواجهة الصواريخ البدائية التي تمكن المقاومين الفلسطينيين من تصنيعها في ظل الحصار الإبادي المطبق والمحكم على قطاع غزة، وأن كل صاروخ من صواريخ عصا ساحرهم الجديدة سوف يكلفهم فقط مبلغ مليون دولار، كما ليس هناك ما يضمن تفوقه على سابقيه من صواريخ قبتهم السالفة تلك المتواضعة النتائج، أما فعالية منظومة حيتسهم المرتجاة فمازالت شأناً أمره في علم الغيب...



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 49 / 2165493

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

11 من الزوار الآن

2165493 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 11


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010