الجمعة 28 تشرين الأول (أكتوبر) 2011

هل كان على الغنوشي أن يبقى في المنفى؟

الجمعة 28 تشرين الأول (أكتوبر) 2011 par د. حبيب فيَّاض

لا يقف بعض المثقفين والإعلاميين العرب، عند حدود الإحساس بالخيبة لتفوق حزب حركة النهضة الإسلامية في الانتخابات التونسية الأخيرة، بل يذهب هؤلاء إلى حد التطرف اعتراضاً على هذا التفوق، انطلاقاً من رؤى ما زالت تحاكم الإسلاميين وفق اعتبارات ومناخات غابرة، من دون الأخذ بالتحولات والمراجعات والتجارب التي أعادت إنتاج إسلام سياسي يقوم على التعدد والانفتاح والحرية.

وكأن المطلوب من حركة النهضة أن تكون ضد ذاتها وان تعمل في غير مصلحتها، وبالتالي أن تخسر في الانتخابات أو لا تشارك فيها، أو على الأقل أن تسعى إلى فوز اقل تفوقاً. كل ذلك استناداً إلى مبررات يسوقها أصحابها تحت ستار نقد التجربة الانتخابية التأسيسية في تونس. بدءاً من التشكيك بصدقية الخطاب المعتدل لحركة النهضة وإدراجه في خانة التقية والتستر على قاعدة التمسكن من أجل التمكن، مروراً باستحضار تجارب إسلامية فاشلة وتقديمها بصورة النموذج المرشح للتمدد إلى الداخل التونسي وسائر بلدان الثورات العربية، وليس انتهاء بالتخويف من الفتن والحروب الداخلية المصاحبة لوصول الإسلاميين إلى السلطة أينما كانوا، على قاعدة أن العنف وسيلة تغيير حاضرة دوماً في برامج عمل الحركات الإسلامية. كل ذلك بغية تحميل الإسلاميين مسؤولية نجاحهم والتعمية على الموجبات التي أدت إلى إخفاق منافسيهم وخصومهم.

لهذه المبررات ومثلها، كان يجب أن تفرز صناديق الاقتراع في تونس نتائج مختلفة وفق منطق معاكس لمسار الديموقراطية الذي جاءت به ثورة الياسمين! وربما كان من الأولى بالشيخ راشد الغنوشي أن يبقى في المنفى بعيداً عن الانخراط في التحولات التي تشهدها بلاده، بل ربما كان من الأجدى أن تبقى تونس محكومة باستبدادية الفرد بدلاً من تداول السلطة بمشاركة جماعة لا مشكلة معها سوى أنها تحمل قيماً دينية!

إن الاعتراض على وصول الإسلاميين إلى السلطة على خلفية اعتبارهم فاقدين لأهلية الحكم والإدارة، كما أن اتهامهم بالتطرف في حال كونهم خارج السلطة، ليسا سوى محاولة لإيجاد إطار نظري يضع الإسلام السياسي أمام أفق مسدود، غير أن الإطار الواقعي للمسألة مختلف تماماً، بمعنى أن التأييد الشعبي للإسلاميين يشكّل ضمانة وصولهم إلى السلطة ما دام حراكهم الأكثر تعبيراُ عن تطلعات الناس، وطالما هم في حالة مراجعة ونقد دائمين لتجاربهم. ولا يصح، بأي وجه، إحالة استقطابهم السواد الأعظم من الناس إلى انحطاط الوعي في الشارع، لان ذلك سيؤدي إلى مفارقة كبرى قوامها : الشعب في كامل وعيه في الثورات العربية، لكنه غائب عن الوعي في خياراته الانتخابية؟

ثمة خوف من أن البعض يريد اختلاق بيئة صراع مع الإسلاميين على خلفية اعتبارهم مصدراً للتخلف بعد الأنظمة العربية، هذا في وقت يبدي فيه الإسلامي، المتهم بالانغلاق والأدلجة، درجة عالية من المرونة، تعبيراً عن استعداده للمشاركة المجتمعية والسياسية، من دون أن يلقى المرونة نفسها من الآخر حامل لواء التعددية والليبرالية، وأيضاً في ظرف أوجدت فيه الثورات العربية فرصة جديّة للتعايش الديموقراطي ـ بين الدين، شرط أخذه بمعناه الوسطي ـ والعلمانية بما هي حق اللاديني بالمشاركة وليس بوصفها إقصاء للمتدينين، في ظلّ فهم الديموقراطية باعتبارها حامية لحقوق الأقلية أكثر مما هي امتيازات للأكثرية.

مهما يكن، فإن قواعد الاعتدال والتعدد تستدعي قبول الإسلاميين كشركاء في السلطة طالما وصلوا إليها عبر العملية الانتخابية. وإلا فنحن أمام علمانية سلفية تقوم على إقصاء الديني ومحاربته على غرار ما تقوم به السلفية الدينية من إقصاء وتكفير لكل ما هو آخر ومختلف... ذلك أن بعض العلمانيين، وعلى الطريقة السلفية نفسها، مازال يعيش على معتقدات «السلف الصالح» من العلمانيين الأوائل.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 8 / 2166019

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

28 من الزوار الآن

2166019 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 28


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010