السبت 22 تشرين الأول (أكتوبر) 2011

مواجهة الجلبي والالتزام الوطني

السبت 22 تشرين الأول (أكتوبر) 2011 par د. محمد اشرف البيومي

لم أكن أعتزم التعليق على ما حدث في مؤتمر الدفاع عن حقوق الإنسان في البحرين، ولكن تفاعل الحدث ومحاولة استغلاله وتوظيفه من قبل البعض دفعني للكتابة في الموضوع لتوضيح الأمور ووضعها في نصابها الصحيح.

ذهبت لحضور المؤتمر الذي كانت الدعوة له عامة كما جاء في نشرات تلفزيونية، وبناء على دعوة من أحد المتحدثين في المؤتمر. ولكوني أعمل في مجال الدفاع عن حقوق الإنسان منذ أكثر من ثلاثة عقود (في جمعية أنصار حقوق الإنسان بالإسكندرية وهي جمعية ترفض التمويل الأجنبي بشدة بل تدينه) فقد رأيت أنه من واجبي وأنا ببيروت في زيارة خاصة أن أشارك في هذا الهدف النبيل، خصوصاً أننا في الجمعية نعتقد أنه من النفاق تأييد حقوق الإنسان للبعض، وعدم التأييد للبعض الآخر. الدفاع عن حقوق الإنسان ومنها حقوق الإنسان العربي، لا بد أن يكون منزّهاً تماماً عن أي اعتبار مذهبي أو اثني أو عنصري، ناهيك عن وقوفنا بشدة وحسم ضد كل هذه التمييزات المقيتة.

ذهبت للمؤتمر دون أن أعرف برنامجه أو المتحدثين فيه ولم يتطرق إلى ذهني أو خيالي مطلقاً أن الداعين للمؤتمر سيستضيفون د. أحمد الجلبي، ولهذا فوجئت عند حضوري أن يكون أمامي مباشرة. لقد رحب بي المنظمون وأجلسوني في هذا الموقع. بالطبع وجدت نفسي في تناقض شديد، لماذا؟

استرجعت في ذهني ما أعرفه عن الجلبي فازددت غضباً. تذكرت دوره كرئيس للمجلس «الوطني» العراقي وعلاقاته مع المحافظين الجدد الذين أعدوا العدة لاحتلال العراق، والذين ساهموا في قتل مئات الألوف من أطفال العراق وعلاقاته بمسؤولين صهاينة، وتساءلت كيف يدعى مثل هذا الرجل؟ تذكرت مشاهد مؤلمة رأيتها بعيني لأطفال يموتون بين أيادي أمهاتهم لغياب الغذاء والدواء بسـبب الحصار المجرم، عندما كنت أعمل في العراق مع هيئة الأمم المتحدة مسؤولاً عن ملاحظة توزيع الغذاء قبل الاحتلال. وتضاعفت دهشتي عندما رأيت أصدقاء في القاعة، كيف ذلك؟

كانت اللحظة التي أدت للمواجهة عندما صعد الجلبي على المنصة وتبين أنه متحدث رئيسي في المؤتمر، بدأ حديثه عن «المعرفة» ثم انتقل لإدانة التدخل الأجنبي في شؤون البحرين (المقصود إدانة دخول قوات درع الجزيرة السعودية لقمع المتظاهرين في البحرين) وهو ما أدينه بشدة، ولكن أن تأتي هذه الإدانة من مهندس التدخل الأجنبي والاحتلال في العراق، فهو غير معقول بالمرة. قررت الخروج من المؤتمر ووجدت من واجبي أن أتصدى لهذا النفاق الذي يفوق العقل ويمتهن ذكاء الآخرين. اتهمني بالجهل والعمالة والانتماء لحزب البعث. أما تهمة الجهل فلا تستحق الرد، وبالنسبة للعمالة فهذا اتهام طريف ومصدره يجعله أكثر طرافة، ويبدو أن البعض يعتقد أن المجتمع أصبح خلواً من غير العملاء، أو أن مصطلح العمالة يحتاج لإعادة تعريف. أما الانتماء لحزب البعث فهو ليس تهمة أصلاً. ولكن الحقيقة أنني لا أنتمي لأي حزب كما أنني أتمسك باستقلالي السياسي الذي يمنحني درجة أعلى من الموضوعية. إن انتمائي الأساسي على مدار ستين عاماً هو مناهضة الظلم بأنواعه البغيضة، وعلى رأس ذلك الاستعمار والصهيونية والاستبداد والاستغلال. لقد تصديت للإهانة وشعرت أنني أقوم بذلك باسم كل عراقي وعربي وشرفاء العالم الذين أدانوا الاحتلال. بعد ذلك تعرض لي حراس جلبي داخل القاعة وخارجها بالشتيمة ومحاولة الاعتداء الجسدي، ولكن بعض السائقين المحترمين حالوا دون ذلك. أما الترحيب الذي غمرت به في البداية فقد تبخر تماماً!

فوجئت بعرض الحادث على التلفزيون والانترنت واليوتيوب. كان من الواضح أن البعض يحاول استغلال الحادث استغلالاً مسيئاً من وجهة نظري، والبعض الآخر الذي يلومني ويتهمني بالإساءة للمؤتمر وهدفه النبيل بدلاً من أن يعتذر، أو على الأقل أن يفسر هذه الدعوة المشينة للجلبي. لهذا أردت تأكيد بعض النقاط التي تدور حول واجبات المثقف الوطني الملتزم.

أولاً : لا بد أن يكون واضحاً تماماً أن تأييد المثقف الملتزم هو تأييد مبدأ لا يخضع لخلافات أو أخطاء فرعية، فالتأييد للمقاومة في لبنان وفلسطين والعراق هو موقف حاسم لا يتأثر بالتحية والترحيب أو بالخلاف الجانبي.

ثانياً : ان الاعتراف بالحق فضيلة والاعتراف بالخطأ واجب. فالجهة التي دعت جلبي ارتكبت خطأ فادحاً وجب الاعتذار عنه. إن دعوة الجلبي الضليع في انتهاك حقوق الإنسان وإعطاءه مكاناً بارزاً في المؤتمر قد أضر بهدف المؤتمر النبيل. أما إلقاء اللوم على من تصدى لهذا الخطأ فهو عبث وهروب من المسؤولية.

ثالثاً : ليس هناك شخص أو قيادة أو مجموعة أو حزب مقدس لا يخطئ وأن أحد مقاييس العظمة هو الاعتراف بالخطأ.
رابعاً : ان التأييد لا يعني الممالأة أو السكوت عن الخطأ فهو يصبح بذلك تأييداً أعمى وصاحبه غير جدير بالثقة. فالمثقف الوطني الملتزم ليس تابعاً أو أبله كما أنه لا يأبه بتعاملات سياسية غير مبدئية، كما أن خلافه لا بد أن يحترم حتى وإن لم يؤخذ برأيه. أما إذا أسيء له فوجب الاعتذار الصريح.

خامساً : المثقف الملتزم يستنكف من الإطراء المبالغ والتكريم المفتعل كما يستنكف إلقاء اللوم عليه، في حين أن اللوم كله في هذه الحالة يقع على أصحاب الدعوة المرفوضة، والتي أساءت لي ولقيادات لبنانية وطنية هامة، انسحبت من اللقاء كما أضرت بهدف المؤتمر بتنصيب الجلبي مدافعاً عن الشعب البحريني.

سادساً : من البديهي أن مواقف المثقف الملتزم الذي يدافع عن حقوق الإنسان في كل مكان، لا علاقة لها البتة بالمذهبية والطائفية والعنصرية. نضطر لقول ذلك في المناخ الحالي.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 45 / 2178541

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

21 من الزوار الآن

2178541 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 19


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40