الجمعة 14 تشرين الأول (أكتوبر) 2011

رهانات «إسرائيل» مع مصر

الجمعة 14 تشرين الأول (أكتوبر) 2011 par د. محمد السعيد ادريس

منذ سقوط النظام السابق في مصر لم يتوقف «الإسرائيليون» عن متابعة ما يحدث في الداخل المصري لمعرفة تأثيره في العلاقات المصرية «الإسرائيلية» ومستقبل معاهدة السلام، وأثر أي تغيير يحدث في الأمرين على الأمن «الإسرائيلي». ولا يستطيع أحد أن يجزم بأن الصهاينة اكتفوا فقط بالمتابعة، لكن الأرجح أنهم يعملون بمختلف السبل لإعادة مصر إلى سابق عهدها لم تتكشف أسرار علاقاته وارتباطه هو وأركان نظامه مع الكيان الصهيوني، وفي مقدمتها مسائل من نوع التنسيق الأمني المشترك الذي سخّر «الإسرائيليون» مصر من خلاله لخدمة أهداف ومصالح «إسرائيل»، سواء أكانت أمنية أم سياسية، والتي جعلت منه «كنزاً استراتيجياً» للدولة الصهيونية.

وعلى نحو ما انشغلوا في السنوات الماضية بمستقبل الخلافة السياسية في مصر ومعالم مرحلة ما بعد مبارك، ينشغلون الآن أيضاً بتتبع ما يمكن تخيله أو توقعه من سيناريوهات لمستقبل الأوضاع في مصر، وما سوف تؤول إليه ثورتها. في السنوات الماضية وصل الغرور «الإسرائيلي» إلى مداه بالنسبة إلى تقدير «الإسرائيليين» لحدود نفوذهم في مصر وقدرتهم ليس فقط على التنبؤ بالمستقبل المصري، بل والمشاركة في التخطيط لهذا المستقبل على نحو ما جاء على لسان رئيس «الشاباك» الأسبق آفي ديختر الذي أكد أن التغيير الذي سيحدث في مصر لن يكون مصرياً بحتاً، بل سيكون لأطراف أخرى خارجية دور أساسي في تحديد من سيأتي رئيساً لمصر بعد مبارك.

توقعات ديختر أطاحتها الثورة المصرية وأثبتت أن القرار الاستراتيجي سيبقى في النهاية قراراً مصرياً، لكنهم رغم ذلك مازالوا يعبثون في الداخل المصري، والفتنة التي اندلعت يوم «الأحد الدامي» التاسع من أكتوبر/ تشرين الأول الجاري يصعب تبرئة أطراف خارجية من إشعالها، وفي مقدمة هذه الأطراف بالطبع الصهاينة وحلفاؤهم من فلول النظام المخلوع الذين يعملون جاهدين من أجل إسقاط الثورة وإفشالها، وأنشطتهم المريبة في سيناء من أهم مؤشرات التورط «الإسرائيلي» في أزمات مصر.

مثل هذا العبث محكوم برؤى سياسية لمصر ودورها الإقليمي في مرحلة ما بعد مبارك، وبهذا الخصوص تتعدد الرؤى بين من يرى أن مصر لن تستطيع أن تفلت من علاقاتها مع «إسرائيل» والولايات المتحدة، وبين من يرى أن مصر الثورة لن تكون قادرة على أن تعود إلى تهديد «إسرائيل» أو شن حرب عليها، وهذا الرأي يتمادى في تفاؤله ويؤكد أن الوقت الراهن لا يسمح للعرب بالعودة إلى شن حرب ضد «إسرائيل» على غرار حرب أكتوبر/ تشرين الأول عام 1973، وهناك من يرى أن الأولوية يجب أن تكون في إطار العمل على استعادة مصر حليفاً أو شريكاً، وعدم الاكتفاء بصياغة توقعات.

رهان عجز مصر عن الخروج من قيود علاقاتها مع «إسرائيل» والتبعية للولايات المتحدة أوضحه الجنرال احتياط غيورا إيلاند في دراسة استراتيجية صدرت عن معهد دراسات الأمن القومي في جامعة «تل أبيب»، إذ اعتبر في الدراسة التي حملت عنوان: «قلاقل الشرق الأوسط وأمن «إسرائيل»»، أن التغيير في مصر يبدو اليوم أقل مما تم توقعه عندما شهد ميدان التحرير «مظاهرات عملاقة».

ورجّح إيلاند أن تشكل الأحوال الاقتصادية مشكلة جوهرية أمام النظام الحاكم الجديد والذي سيليه، وأن «الاقتصاد المصري مرهون بأربعة قطاعات ترتبط بشكل مباشر أو غير مباشر بـ «إسرائيل» وهي : السياحة وتصدير الغاز ومداخيل قناة السويس والدعم الاقتصادي والعسكري الأمريكي». وبناء على ذلك يرجّح إيلاند ألا تطرأ تطورات جوهرية على العلاقات الثنائية السياسية والاقتصادية بين مصر و«إسرائيل»، رغم «التغيير التكتيكي» المتمثل في اتساع عمليات تهريب السلاح و«الإرهاب».

أما رهان صعوبة تعرّض «إسرائيل» إلى حرب من جانب مصر على غرار حرب أكتوبر/ تشرين الأول عام 1973 فقد عبّرت عنه وثيقة صادرة في سبتمبر/ أيلول الفائت 2011 عن «المجلس «الإسرائيلي» للسلام والأمن»، وهو جمعية خبراء في مجال الأمن القومي تضم في صفوفها كبار الجنرالات السابقين في الجيش «الإسرائيلي». وتعدّ هذه الوثيقة أحدث ما توصل إليه الفكر الاستراتيجي من تقدير لمصادر تهديد «الأمن الإسرائيلي» على ضوء تطورات وأحداث ربيع الثورات العربية، وفيها جرى استبعاد أي توقّع بشن حرب مصرية أو حتى عربية ضد «إسرائيل»، على ضوء تقدير استراتيجي لميزان القوة بين «إسرائيل» والدول العربية وفي مقدمتها مصر، وذلك للأسباب الآتية :

- التغيرات التي طرأت على النظام العالمي، والتي فقد العرب بسببها تأييد قوة عظمى تدعم مثل هذه الخطوة (الحرب)، وتساندها (المقصود هنا هو غياب الاتحاد السوفييتي السابق، كموازن دولي للدور الأمريكي الداعم لـ «إسرائيل»).

- انهيار دعوة الوحدة العربية وتداعي العمل العربي المشترك، وانفراط الرابطة العربية بشكل عام، ما أدى إلى استبعاد أي فرص لتشكيل تحالف عربي ضد «إسرائيل».

- توقيع «إسرائيل» معاهدتي سلام مع كل من مصر والأردن أدتا إلى إخراج البلدين من دائرة الحرب والمواجهة، وانخراط معظم، إن لم يكن كل الدول العربية، في مشروع مبادرة السلام مع «إسرائيل» منذ عام 2002، وهي المبادرة التي لا ترى بديلاً للعملية السلمية في العلاقة مع «إسرائيل».

- تدمير القدرات العسكرية والمجتمعية العراقية التي أنهت دوره كجبهة شرقية ضد «إسرائيل» على الأقل في الأمدين القريب والمتوسط.

لهذه الأسباب ترى «إسرائيل» أن الخطر الذي يتهدّد أمنها، في الوقت الراهن وفي الأمد المنظور ليس من الدولة المصرية أو أي دولة عربية، ولكنه ينحصر في مصدرين : حرب العصابات و«الإرهاب»، ولعل هذا ما يدفع «الإسرائيليين» الآن إلى جعل الخطر الأمني المنطلق من سيناء أولوية قصوى.

وهنا نأتي إلى الرهان الثالث المتمثل في تضخيم خطورة هذا التهديد، ومحاولة خلق قناعة دولية بأن مصر ما بعد ثورة 25 يناير، لم تعد قادرة على السيطرة على حدودها مع «إسرائيل».

ما جاء على لسان كل من رئيس الحكومة «الإسرائيلية» بنيامين نتنياهو ووزير حربه إيهود باراك يكشف عن استهدافات «إسرائيلية» في سيناء، وأن هناك مشروعاً «إسرائيلياً» يرمي إلى جعل سيناء «ورقة أزمة» في العلاقة مع مصر، وتوظيفها باتجاه ترويض النظام الجديد وجعله أسيراً لتعهّدات نظام السادات ونظام مبارك بالنسبة إلى العلاقة مع «إسرائيل».

ففي مقابلة لنتنياهو مع صحيفة «جيروزاليم بوست» (28/9/2011) تعمد أن يشيع بأن «هناك العديد من القوى التي تسعى إلى تقويض السلام، وتسعى إلى استخدام سيناء ليس فقط كنقطة انطلاق للاعتداءات من غزة، بل تسعى إلى استخدام غزة كنقطة انطلاق لهجمات من سيناء». أما باراك فقد حذر في مقابلة مع صحيفة «معاريف» من خطورة الوضع في سيناء. لم يتوقف الأمر على ذلك، بل إن باراك تعمّد التشكيك في قدرة حكام مصر الجدد في السيطرة على الأوضاع داخل مصر، وخاصة على أرض سيناء عندما أشار إلى وجود مشكلات أمنية في سيناء، وأن «إسرائيل» وافقت على وجود عسكري مصري متزايد لحل تلك المشكلات، لكنه قال أيضاً «هل أستطيع أن أقول لكم إنه تم حلّها (المشكلات) .. رهان مهم لكل قيادة مصرية، لكنني لا أعتقد أن القيادة تسيطر على كل شيء».

هذا التشكيك في قدرة القيادة السياسية والعسكرية المصرية على حلّ المشكلات الأمنية في سيناء، تطور إلى حالة فزع «إسرائيلية» من الجهود المصرية الحديثة لتعمير سيناء على نحو ما أكده تقرير أعدّه مركز «بنيامين فرانكلين - بيغن «الإسرائيلي»»، حيث اعتبر هذا التقرير أن الاستثمارات المصرية الجديدة في سيناء «تؤسس لمجتمعات حديثة»، وأن هذه المجتمعات «ستكون محاور ارتكاز سكاني في سيناء مستقبلاً»، وأن هناك نوايا مصرية لإحداث تكامل بين الاستثمارات الصناعية والخدمية والتعليمية داخل سيناء، وأن هذا التلاحم «سيعمل على ربط سيناء بالوطن الأم بشكل كبير».

يريدون سيناء فارغة، كي تبقى أحد ثلاثة خيارات :

- أن تكون عمقاً استراتيجياً للأمن «الإسرائيلي»، ومنطقة أمنية عازلة بين «إسرائيل» ومصر.

- أن تكون وطناً بديلاً للفلسطينيين أبناء غزة عند فرض خيار الوطن البديل في الأردن لفلسطينيي الضفة الغربية، لإكمال مشروع الاستيطان والتهويد الكامل لكل فلسطين.

- العودة إلى احتلالها مرة ثانية عندما تتوافر شروط ذلك وفي مقدمتها العدد الكافي من المهاجرين اليهود.

رهانات خطرة تكشف إلى أي مدى يخشى «الإسرائيليون» ما يحدث في مصر من تطورات، وإلى أي مدى مازالت مصر عدواً استراتيجياً لهم.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 44 / 2182132

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع في هذا العدد  متابعة نشاط الموقع وجهات العدد   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

21 من الزوار الآن

2182132 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 21


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40