الخميس 13 تشرين الأول (أكتوبر) 2011

وفاء يستحث وفاءا...

الخميس 13 تشرين الأول (أكتوبر) 2011 par أيمن اللبدي

من الطبيعي أن يوجد دوماً، على خلفية كل إنجاز وطني أيما كان بطله وصاحبه، من يهرع إلى عقد المقارنات، ومن يحاول الفهم أو تعمية الفهم على أساس ذلك، مستعيناً بما أمكنه من أدوات، قد يكون بعضها تالفاً منذ البداية، ولا يصلح لأي استخدام، هذا القول ينطبق على ما أنجزته عملية «وفاء الأحرار» مؤخراً، بل لقد استبق ذلك بكثير نفر من أئمة محاولة «تعمية الفهم»، بحيث طالما أشهروا في وجه الناس، الثمن الذي دفعه الشعب الفلسطيني - وهو باهظ -، للنيل من قيمة هذا الإنجاز، أكثر منه تقييماً له.

هذا إنجاز وطني وقومي مبارك، يستحق الإشادة بأبطاله وفرسانه وصانعيه، يجسِّد بشكل واضح «معالم الطريق»، فالطريق الوحيد المفضي إلى السلامة وإلى النجاة كان دوماً واحداً، بينما تعدّدت مسالك الضياع والتوهان، في كل أمر على كل لون وكل مبرِّر، إنه إنجاز يعيد الفرصة لرؤية الثمار الناجزة التامة متجسدة حقيقة، بحيث تغني ألف مرة عن أبدع خيال في مسألة ثمار وهمية متخيلة، صارت أقرب إلى أحد مستحيلات العرب الشهيرة، فهي جار العنقاء وصديق الغول الوفي، عندما يتعلق الأمر، بتحقيق إنجاز وطني حقيقي وانتزاعه من العدو الغاصب، دون يد القوة وعوضاً عنها الركون إلى القبل والأحضان. والمسألة الأخرى في ذات الإطار، أنه تذكير للمؤمنين بأن الركون إلى إنجاز ما يعقبه تراخٍ، هو في النتيجة الحاصلة سير على طريق أخرى، الحافر على الحافر حتى لو كانت النوايا سليمة ومعللة، فباني المدماك إن أخذ استراحة طويلة، سيجد مدماكه وقد عبثت به مقتضيات وتبعات مدة استراحته، وعلى مقياسها الكمي طردياً في هذا الشأن!

إن قيمة هذا الإنجاز يتجاوز الوفاء المستوجب استحثاث الوفاء من جنسه، ولا يقتصر على موضوع تحرير الأسرى، ولا على موضوعة كيفية الوصول إلى تحقيق الربح الوطني في أية معركة مع هذا العدو وأصنافه، وإن كان كلُّ ذلك متحقق في أولى درجات سلّم الأولوية والأهمية، بل إن قيمته الحقيقية وجوهره، يكمن في أن المبدأ والثبات عليه، هو وحده الكفيل بتجسيد المعنى الحقيقي للحرية والكرامة والإرادة، مهما كانت النتيجة الحاصلة، سواء بسواء، أكانت ذات الشوكة أم غيرها، وهو أساس كل ما أنجزته هذه الأمة منذ فجرها، وهو منهاج اتصال صوابية مسلكها إن أرادته حقاً، صلة مطلوبة تصل الجوهر بالزمان، وتعيد صياغة علاقات وقوانين الغلبة في المكان، إن تمترست عنده وأوفت له ما يستحقه من عظم الأمانة والعهد فيها.

في مسألة الحقيقة التي ظلت كما يبدو مختفية، خلف محاولات التعمية هنا، أن الظاهر على سطح الدوافع، هو شيء من متبقيات ملحقات القبلية الفصائلية المشهورة، في ممارسات بعض الفصائل الفلسطينية عادة، وفي ممارسة ملحقات وطيف حركة «فتح» يوم انسخلت، عن أهم مقولاتها في المسلكية والمنهاج، فيما يتعلق بالعلاقة مع أزهار الحديقة النضالية الفلسطينية، وشعارها حول «تفتح ألف زهرة في البستان»، هذا ما كان ظاهر السطح، أما عمقه فهو شيء آخر تماماً، إنه عميق بحيث تكون حقيقته من ذلك النوع الذي يمكن أن يسمى «صدمة حقيقية»، لأنها ببساطة لا تقل ذلكم بحال.

المسألة تتجه مع شديد الأسف لموضع آخر، رغم الشعارات المرفوعة والتشدُّق بها صباح مساء، بل والمباهاة باستدراكها «أي قضية الأسرى» لتضاف بنداً جديداً، كما كرَّرها محمود عبَّاس أكثر من مرة، على أنها ما استدركه في مسألة بنود مفاوضاته المؤبدة مع «جيرانه»، كجزء من الصفقة التي يعيش من أجلها ولا يكاد يلتقط نفسه، من التجوال الطائر في أصقاع الأرض، للحصول على التأييد والمباركة لها، مع العدو الصهيوني المحتل والمتكئ إلى اطمئنانه، بما يدور ويقع في الأرض المحتلة في الضفة الفلسطينية، حيث تسهر أجهزته «الأمنية» مع أجهزة العدو، على السكينة والهدوء التام، بما يتطلبه ذلك في فرضه على الشعب الفلسطيني هناك، طبعاً دون إزعاج لحركة ومشاريع «المستوطنين»، ترى إلى أين تتجه؟

هل يمكن إنكار اتجاهها إلى القطيعة أصلاً مع الإرث المقاوم كما تؤكدها الظواهر؟ أو يمكن المجادلة بأنها تحاول أكثر من ذلك تبني دور قذفها بكل شكل من أشكال التحقير، بل وأحياناً التقزيم والتماهي مع منطوق العدو الدائم، الذي ما انفك يشهره بوجه كل فلسطيني وعربي، بأن لا شيء ينتزع من العدو رغماً عن أنفه، بل برضاه وعن طريق واحد وحيد، هو طريق «المفاوضات» وطبعاً ذلك النوع الذي هو على قياس، ووفق رغبة العدو وذراع تحكمه!

صحيح أنه لا مجال أمام ألسنة كثيرة في هذه القبيلة، وهي ترى فرح أبناء شعبها بهذا الإنجاز الذي حققته إرادة المقاومة، وفرضته على العدو المتغطرس، سوى أن تنساق إلى إبداء السرور المصطنع، وافتعال الرضا الممزوج بالغيظ المختزن، وليس أمام وجوه هذا النفر سوى محاولة لبوس قناع المشاركة ولو على استحياء، متلحفاً من جديد بتكرار سمج ممجوج «لبحر الأسرى المتدارك»، والذي تدارك به محمود عبَّاس - كما يريد أن يظهره هو - غفلة سلفه، الشهيد المغدور ياسر عرفات بهذا الشأن، طاوياً باللي العنيف عنق الحقيقة التي لا أظنن أحداً، أصيب «بالزهايمر سياسي» بعد، يتيح له أن ينسى حقيقتين : الأولى لأنه لا يمكن بأي حال تصديق غفلة فيمن كان يردد صباح مساء، قصة «تبييض السجون الصهيونية»، والثانية نسيان صاحبنا أنه لطالما أطال المديح لنفسه بأنه مهندس اللقيطة «أوسلو» وصاحب النقاط السبع أو التسع، فإن تدارك فليتدارك على صنيعه، وهو بكلها على كل حال غير مهموم.

مهم أن نرى في مسألة هذا الإنجاز سلامة البوصلة، فالبوصلة الوحيدة الصالحة لكي يرى أسرى الحرية الطريق إلى خارج زنازينهم ومعتقلاتهم النازية، هي طريق الكفاح الوطني الحقيقي المبني على برنامج سليم، يستند إلى ما هو مجرّب ومثمر وفعال، وليس إلى أوهام وأحلام مشروع سياسي مخلخل، لم يأت ابتداء من صاحب اجتهاد سياسي وفكري معتبر، ولا من مقاتل له شرف تغبير قدميه بساحات العزة والشرف، فضلاً عن يكرّر صباح مساء أنه لم يحمل مسدساً في حياته، وذلك قبل النظر إلى سجل الفشل الذريع المستمر منذ عام 1993 وحتى الآن في إطلاق أسير واحد، عبر هذا المنهاج الخرب.

لأصحاب منهج الهروب تجاه عقد المقارنات، والتلطي خلف فداحة الأثمان وكبر التضحيات، أسئلة ولادة ستكفي لإظهار عقم منطقهم، وسقم نفسيتهم، وغرضية مطالعاتهم الحثيثة، فمن حيث المبدأ فهي تضحيات وفداء مستوجبة من شعب محتل، يكافح ويقاتل من أجل حقوقه، يدفع وما انفك دافعاً، أغلى الأثمان يومياً وعلى مدار الساعة، جرآء كونه مستهدفاً بداهة، ولا يحتاج العدو الصهيوني الشارع في تنفيذ مشاريعه وتجسيدها يومياً، سبباً إضافيا ليفتك وينكّل ويعتدي، إلا إن كان الأمر يقاس على سلوك الدجاج في انتظار المصير، فهذا عندها تفكير لا يليق إلا بمن وضع نفسه في حظيرة الدواجن والخراف، وإذا كان دفع الأثمان دون دعوة ولا حاجة يتم يومياً ولا ينتج عنه إلا الخسارة المتراكمة، والتي لا تزيد إلا في شهية القاتل والجلّاد من نمط هذا العدو المتغطرس، فعلى الأقل ثمة فضائل تتحقق عندما يتم دفع الثمن في معركة تحقيق المبدأ، وهز هذه الغطرسة بمنازلة من هذا النوع، وتدرّج فرض إرادة صاحب الحق على سالبه، والتذكير الدائم بأن الحق لن يضيع، طالما بقي صاحبه قائما غير قاعد، إذ شتّان بين المطالبة بالحقوق وهم على جنوبهم، والمطالبة بالحقوق قياماً ووقوفاً!



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 49 / 2165535

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

9 من الزوار الآن

2165535 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 5


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010