الخميس 13 تشرين الأول (أكتوبر) 2011

لا تضعوا «حماس» بين المطرقة والسندان

الخميس 13 تشرين الأول (أكتوبر) 2011 par منير شفيق

منذ أن انطلقت الثورة الفلسطينية بقيادة حركة «فتح» في مطلع العام 1965 وضعت مجموعة من المنطلقات الأساسية التي يفترض بها أن تهدي مسارها وتكون دليلاً لها في التطبيق العملي (الممارسة ورسم السياسات). وكان من بينها مبدأ أو منطلق عدم التدخل في الشؤون الداخلية للبلاد العربية (والإسلامية بعامّة كذلك).

هذا المبدأ العام والدليل للتطبيق العملي استند إلى مبدأ المحافظة على الهدف الأول وهو التركيز على تحرير فلسطين وحشد كل القوى التي يمكن حشدها لدعم الثورة الفلسطينية كما لدعم المقاومة ضد الاحتلال. وكان كل تخلٍّ عنه يُحدث خللاً في مبدأ الحشد وفي مبدأ التركيز على الهدف، كما كان من شأنه أن يؤدي إلى إقحام الثورة - المقاومة في معارك حامية لا قِبَلَ لها عليها، ولا مكان لها فيها بسبب ظروف التجزئة العربية والقطرية.

هذا المبدأ - المنطلق - دليل العمل تبنّته حركة «حماس» (والجهاد كذلك) عندما انتقلت قيادة تحرير فلسطين والمقاومة إليها. لأنّ الدواعي والأسباب نفسها التي كانت وراءه حين صاغته حركة «فتح» ما زالت قائمة، وبالقوّة ذاتها حتى اليوم، بل طبّقته الثورات والمقاومات على مستوى عالمي. فالتركيز على الهدف، والحشد أوسع حشد، وعدم الدخول في معارك جانبية طبّقته الثورتان الشعبيتان في مصر وتونس.

على الرغم من أنّ هذا المبدأ يكاد يصل إلى درجة البدهية إلاّ أنّه كان موضع خلافية على المستويين الرسمي والمعارض عربياً، كما في ما بين عدد من فصائل المقاومة الفلسطينية، وكثيراً ما دارت حوله الصراعات الحادّة، وذلك من قِبَل من أراد الإفادة من المقاومة في جرّها إلى قرصه في صراعه الداخلي أو العربي - العربي. وكانت هنالك مراحل تخلّت فيها قيادة «فتح» عن الالتزام الصارم به، ولكن في كل تلك المراحل كانت النتيجة سلبية عليها وعلى المقاومة، في حينه، لا بل أشدّ سلبية بعد حين.

ولا مبالغة إذا قلنا أنّ هذا التخلّي إلى جانب عوامل وسياسات أخرى يمكن أن يُعزى إليه الإسهام في ما وصلته «فتح» من تدهور.

فعلى الكثيرين أن يتذكروا سلبية انحياز قيادة «فتح» في بعض المراحل للعراق في مواجهة سورية، أو إيران بعد الثورة، أو الانحياز إلى جبهة ما سمّي بمحور الاعتدال العربي في العشر سنوات الأخيرة. وقد وضع هذا المحور خنجره في ظهر المقاومة وتواطأ مع العدّو الصهيوني ولاسيما في عدوان 2008/2009 وحصار قطاع غزة.

ما واجهته «فتح» في تبنّيها لهذا المبدأ خلال السبعينيات من القرن الماضي أخذ يتكرّر، مع الفارق أو الفوارق، اليوم بالنسبة إلى «حماس» و«الجهاد». فهما اليوم في عهد الثورات الشعبية العربية، كما في الظروف الراهنة عموماً تتعرضان من قِبَل قوى يُفترض بها ألاّ تضعهما بين المطرقة والسندان، فـ «حماس» اليوم تواجه ضغطاً شديداً من قِبَل تلك القوى التي يفترض بها أن تكون داعمة لها، ومتفهمة لموقفها.

كانت المعارضة في كل بلد عربي تنتقد علاقة «فتح» بنظامها وتريد منها أن تقف ضدّه أو تنحاز إليها، وكانت أغلب الأنظمة تعمل على حظر أيّة علاقة بين «فتح» والمعارضة والشعب في بلدها ولو كان محصوراً، بصورة حاسمة، من أجل كسب الدعم ضدّ العدو الصهيوني. وكان على «فتح» (في عزّ مرحلتها الثورية) أن تواجه الضغوط من خلال التمسّك بتركيزها على قضية مقاومة العدو الصهيوني والمؤامرات الأميركية ضدها من جهة، وبما يقتضيه ذلك من تطبيق لمبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية (على تنوّعها الشديد بين قوى المعارضة نفسها كذلك) من جهة ثانية. وما كان ينبغي لها أن تتخلّى عن أيّ من هذين الموقفين المترابطين ترابطاً عضوياً، عدا في الحالة التي تُطعن فيها من الظهر. بل حتى في هذه الحالة ما كان ينبغي لها الدفاع عن نفسها بأكثر من إبعاد الطعنة الموجهة إليها، أو بالقدر المتعلق بها من دون أن تتعدّى حدود ذلك.

صدرت مقالات وطروحات من قِبَل بعض داعمي المقاومة تطالب «حماس» بالانحياز الكامل إلى جانب النظام في سوريا ضدّ ما يواجهه من معركة داخلية، وذلك استناداً إلى مواقف النظام، وخصوصاً، رئيسه من احتضان لـ «حماس» والمقاومتيْن في لبنان وفلسطين، وما تحمّله في سبيل ذلك من ضغوط وتضحيات.

وفي المقابل راحت تصدر مقالات وأطروحات بل وفتاوى تطالب «حماس» بالخروج من سوريا واتخاذ مواقف حازمة ضدّ النظام، بل وموافقة المعارضة على المضيّ حتى النهاية وراء شعار إسقاطه.

وبهذا وُضِعت «حماس» بين المطرقة والسندان بعيداً من ضرورة بقائها حركة مقاومة تركّز على هدف مقاومة الكيان الصهيوني والمؤامرات الأميركية ضدّ الشعب الفلسطيني.

وبهذا لم يكتف أحد الطرفين بأن تعلن «حماس» تقديراً لا حدود له لموقف النظام والرئيس الأسد إلى جانبها وجانب المقاومة ضدّ العدو الصهيوني، فأراد لها أن تخوض في الشأن السوري طرفاً أصيلاً بغضّ النظر عن كونها مقاومة فلسطينية لها حدودها من حيث التدخل في الشأن الداخلي للأقطار العربية، فضلاً من واجبها إزاء فلسطين.

وكذلك لم يكتف الطرف الآخر أن تعلن تأييدها للإصلاح ومدّ يدها للمساعدة باتجاهه، فأراد لها أن تنخرط في الشأن السوري طرفاً أصيلاً بغضّ النظر عن كونها مقاومة فلسطينية لها حدودها التي يضعها لها هو قبل غيره، مثلاً لو تدخلت في الخلافات في ما بين قوى المعارضة نفسها.

ومن ثم يكون الطرفان يريدان لـ «حماس» أن تحرق نفسها وأوراقها، كما حرمان سوريا دوراً إيجابياً يمكن أن تلعبه إذا ما جاء أوانٌ لمصالحة تاريخية، أو لحلٍّ يُخرِجُ الوضع من مأزق لم تظهر كل أبعاده الخطرة بعد.

فالموقفان يُسيئان تقدير الموقف ويُغلّبان وجهة نظر أحادية الجانب يظنّانها مبدئية فوق كل الاعتبارات والأوجه الأخرى المعقدّة للصراع.

وكلمة، لمن يذهب إلى حدّ إصدار الفتاوى معتمداً على وجهة نظر أحادية في تناول إشكالية النصرة في الإسلام، وذلك حين لا يتوقف، ولو للحظة واحدة، أمام الآية الكريمة المُحْكمة : (وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلَّا عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ) «الأنفال:72»، فهل هنالك ما هو أغلظ من ميثاق المقاومة بين «حماس» و«الجهاد» من جهة والنظام السوري ورئيسه من جهة أخرى.

ففي هذه الآية يُغلّب الميثاق والعهد على واجب النصرة، وقد طبّق ذلك في صلح الحديبية نصاً وعملاً.

وإنّ من يُمسك بالقضية الفلسطينية ويتحمّل مسؤولية المقاومة يحمل ثقلاً عظيماً، وميثاقاً غليظاً، فلا يجوز له أن يخطئ في الانحراف عن هدف التحرير، والحشد الأوسع وراء المقاومة، أو في خوض معارك جانبية، وإن مسّت نتائجها، بصورة غير مباشرة، قضية فلسطين في نهاية المطاف، أو أثرّت في المقاومة سلباً، أو إيجاباً، لاحقاً. فالمطلوب من «حماس» و«الجهاد» أن يحافظا على موقعهما الأساسي والهام جداً في سوريا، كما على موقفهما المتوازن الذي يحافظ على سوريا الممانعة للمخططات الأميركية، والحاضنة والداعمة للمقاومة، والذي يدعم مطالب الإصلاح الجذري في الحريّة والتعدديّة والديمقراطية.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 24 / 2182084

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع في هذا العدد  متابعة نشاط الموقع وجهات العدد   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

24 من الزوار الآن

2182084 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 20


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40