السبت 29 أيار (مايو) 2010

الحرب وميزان القوى الجديد

السبت 29 أيار (مايو) 2010

دخلت المنطقة العربية الإسلامية في ميزان قوى جديد ظهرت معالمه جيدا في حرب تموز/2006، وأكدته الحرب على قطاع غزة عام 2008/2009. سبق أن انسحبت إسرائيل هاربة من جنوب لبنان هام 2000، وكان ذلك إشارة واضحة بأن إسرائيل لم تعد تصر على شروطها، وأنها يمكن أن تستجيب تحت الضغط العسكري الذي فرضه حزب الله، كما كان إشارة قوية بأن عهد انتصارات إسرائيل قد انتهى وولّى إلى الأبد إلا إذا أرادت ان تحارب عشاق الهزيمة. أما حرب 2006، فأكدت أن إسرائيل لم تعد قادرة على تحقيق ما كانت تحققه في السابق، وأنها غير قادرة على تحقيق النصر على الرغم من دعم أمريكا اللامحدود والعديد من الأنظمة العربية. ومن ثم فشلت إسرائيل في تغيير الأوضاع في غزة على الرغم من التدمير الهائل والقتل الجماعي اللذين قامت بهما.

هذا وقد استطاع حزب الله أن يُدخل في الخدمة العسكرية أسلحة جديدة ومتطورة عام 2007، وأكد ذلك السيد حسن نصر الله عندما تحدث عن المفاجأة الكبرى في أي حرب قادمة دون أن يفصح عنها. وقد كان تحليلي في حينها أنه لا يوجد مفاجأة كبرى أكبر من وجود أنظمة جديدة لإسقاط الطيران أو ما سلاح الجو. ثم حصل أن تحدث السيد حسن عن عشرات آلاف المجندين في الحزب، وهو رقم ليس ضروريا للدفاع، وإنما للهجوم. وما زال السيد حسن يتحدث عن قدرات عسكرية كبيرة وهائلة ومن ضمنها أسلحة تهدد السفن المتجهة إلى إسرائيل عبر البحر الأبيض المتوسط. وإذا كان هذا وارد، وأظنه كذلك لأن السيد حسن لا يكذب ولا يبالغ، فإنه يعني توفر البنية التحتية التي تخدم عمل هذه الصواريخ مثل الرصد الفضائي، وأنظمة تلقي المعلومات وتحليلها وأنظمة التوجيه الإلكتروني والبشري. هل فعلا يملك حزب الله مثل هذه البنية، أم أن البنية موجودة في سوريا والصورايخ في لبنان؟ لا أعلم، لكنني أعي أن إسرائيل تأخذ هذا الأمر بجد.

«حيرة إسرائيل»

منذ انتهاء حرب تموز وإسرائيل تطور أسلحة وتقوم بالتمارين العسكرية المختلفة وتنشئ كتائب وألوية جديدة تتناسب مهامها مع ما هو متوقع من أساليب وصيالات عسكرية من قبل حزب الله. هي تجتهد في إنشاء كتائب لاقتحام المخابئ العسكرية، وتجتهد في إعادة تصفيح الدبابات، وفي صناعة قنابل جديدة خارقة للجبال والوديان، وفي تطوير إنسان آلي قتالي يتقدم أرتال الدبابات أو وحدات الجنود المهاجمة، الخ. هي تواصل الليل بالنهار استعدادا للحرب الهجومية والدفاعية، وتحسب وتجمع وتطرح وتناقش وتدرس لتقيم نتائج أي مواجهة مع حزب الله أو إيران، وربما أيضا سوريا سواء كانت في موقع هجوم أو موقع دفاع.

من الملاحظ هنا أن إسرائيل تتصرف الآن بطريقة مختلفة عما اعتدنا عليه. في السابق كانت إسرائيل تهدد وتهاجم وتنتصر، وكانت الحرب بالنسبة لها عبارة عن لعبة أشبه ما تكون للتسلية. الآن إسرائيل تفكر ثم تفكر ثم تفكر وما زالت تفكر. في السابق، كانت إسرائيل تقوم بالتدريبات الهجومية واحتلال أرض العدو ومدنه، وكان جنودها يتدربون على اقتحام المدن ومحاصرة قوات العدو ودفاعاته، لكنها اليوم تضيف إلى تلك تدريبات حول كيفية طرد قوات العدو من مناطق إسرائيلية محتلة، وعلى كيفية إيواء الشعب المذعور، وكيفية الحد من تأثير المعنويات الشعبية الهابطة على معنويات الجنود في الجبهة. وفي السابق، كانت تسهل إسرائيل عمل وسائل الإعلام أثناء التدريبات العسكرية، لكنها اليوم تبدو حريصة على سرية العمل على الأقل في بعض النواحي. وفي السابق ايضا كانت تتحدث عن الردع الإسرائيلي الذي لا يجابهه أحد، أما الآن فهي تتحدث عن ردع متبادل وعن إمكانية تحييد الطيران الإسرائيلي بسبب الردع الصاروخي لحزب الله.

أكبر مشكلة صدمت إسرائيل في حرب تموز هي عدم توفر معلومات عن تسليح حزب الله. لقد فوجئت مرارا، ومعها الولايات المتحدة. لقد خاضت حربا عمياء في حين أن حروبها مع الأنظمة العربية كانت دائما على بينة، وإن لم يكن النظام نفسه يزود إسرائيل بالمعلومات عن جيشه، كان لدى إسرائيل ما يكفي من الجواسيس والعيون. لقد فاجأها حزب الله في السابق، وهي تخشى المفاجآت الآن بخاصة بعد التطور الهائل الذي حصل في الصناعات العسكرية الإيرانية والسورية. ما الذي يملكه حزب الله؟ هل هي صواريخ مضادة للطائرات، أم أسلحة موجهة بأشعة الليزر، أم أنواع من الأسلحة يصعب التكهن بها. وإسرائيل تزداد تساؤلاتها عندما ترى نصر الله يتحدث بهدوء واطمئنان وثقة.

وربما السؤال الكبير الذي تطرحه إسرائيل على نفسها يتمثل برد فعل الأطراف التي لا تقع تحت هجوم. هل سيؤازر حزب الله حماس إذا هاجمت إسرائيل غزة؟ وهل ستدخل سوريا الحرب إذا تمت مهاجمة حزب الله؟ ماذا عن رد الفعل الإيراني؟ وماذا سيكون وضع السلطة الفلسطينية وبعض الأنظمة العربية إذا نشبت الحرب؟ وهل سيكون بمقدورها أن تحقق النتائج، أو تحقق النصر بوقت قصير؟ الأسئلة امامها كثيرة ومحيرة، ومن الصعب جدا أن تجد أجوبة قاطعة إلا إذا نشبت الحرب.

احتمالات الحرب

أرى أنه لا مفر أمام إسرائيل إلا الحرب. لا شك أن قيام إسرائيل بحرب الآن عبارة عن مغامرة كبيرة، لكن شن الحرب في المستقبل عبارة عن مغامرة أكبر. إسرائيل لا تعرف تماما قوة وحجم العدو الذي يمكن أن تواجهه فيما إذا شنت حربا على أي جبهة من الجبهات والتي هي أربع: جنوب لبنان وسوريا وغزة وإيران، وهي ليست متيقنة من النصر حتى لو دعمتها الولايات الأمريكية وخاضت الحرب معها، لكن معرفتها قد تكون أقل مستوى في المستقبل، وبالتأكيد سيكون عدوها قد طور مزيدا من الأسلحة الفتاكة بخاصة أن المستوى التقني الإيراني والسوري يتسارع هندسيا وليس حسابيا.

إذا فقدت إسرائيل قوة الردع فإن وجودها يصبح مهددا، ولا أرى أن المخطط الاستراتيجي الإسرائيلي يرغب في إبقاء إسرائيل تحت وطأة انطباع قد يشجع أعداءها على مهاجمتها. إنه يبحث بجد واجتهاد عن وسائل وأساليب جديدة لاستعادة هيبة الجيش الإسرائيلي وإثبات أن إسرائيل أقدر بكثير مما تتصور تنظيمات المقاومة وإيران وسوريا والقريب والبعيد. لدى هذا المخطط قنابل نووية، لكنها قد تصلح ضد إيران أو ضد حلب ودير الزور والرقة، لكنها لا تصلح ضد النبطية وصور ومارون الراس وغزة ورفح بسبب قربها من التجمعات السكانية اليهودية. لكن عليه أيضا أن يحسب رد الطرف المقابل فيما إذا قرر استعمال هذا الخيار. إيران وسوريا تستطيعان امتصاص ضربات قنابل نووية تكتيكية، لكن إسرائيل لا تستطيع أن تمتص وابلا من الصواريخ التقليدية خاصة فيما إذا تم توجيهها إلى منطقة الوسط المسماة بمنطقة غوش دان. وهل يضمن هذا المخطط أن الطرف الآخر لن يرد بأسلحة كيماوية أو جرثومية. هذا علما أن مساحة إسرائيل حوالي 21,000 كم2 تقريبا، والمساحة المسكونة حوالي 15% تقريبا، بينما مساحة إيران 1,600,000 كم2 والمساحة المسكونة حوالي 8%.

من المحتمل أن إسرائيل وأمريكا قد طورتا أسلحة تدميرية جدية لا نعلم عنها، وقد يفاجأ حزب الله مثلما سيفاجئ هو إسرائيل. لكن التقدير أن أمريكا وإسرائيل قد ركزتا في السنين السابقة على تطوير وسائل قتالية تقلل من الخسائر البشرية وعلى القنابل الخارقة للدفاعات تحت أرضية، وعلى الطيران الإلكتروني والجندي الإلكتروني. كم أنجزتا في هذه الميادين؟ لا أعلم. لكن يبقى أن المخطط الاستراتيجي الإسرائيلي يطرح على نفسه الكثير من الأسئلة، وهناك بالتأكيد ما يستطيع أن يجيب عليه، وما لا يستطيع أن يجيب عليه، وهو يبقى في كل الأحوال تحت ضغط مستمر من المستوى السياسي الذي يبحث عن مخرج لهذا المأزق الأمني والعسكري.

في المقابل، عدم قيام إسرائيل بحرب، وبقائها تحت وطأة فقدان قوة الردع يعني أن عليها الاستجابة لوضع جديد يترتب عليه قبول مواقف لم تكن تقبل بها في السابق. فمثلا قد تصر سوريا على انسحاب من الجولان دون قيد أو شرط، وقد تضطر إسرائيل أن تفعل ذلك مثلما فعلت عام 2000. هذا يعني أن الجيش السوري سيعود إلى مرتفعات الجولان، ووزارة الزراعة السورية ستكون على بحيرة طبريا. ومن المحتمل أيضا أنها ستخضع لبعض الشروط الفلسطينية من أجل أن تخفف من إحراج الأنظمة العربية، ومن أجل تقوية أواصر التحالف العربي الإسرائيلي الأمريكي القائم حاليا. لكن هذا قد يخضع لنظرية الدومينو بحيث يقود التنازل إلى تنازل آخر وهكذا.

قرار الحرب ليس سهلا، وستفكر إسرائيل فيه مرارا بخاصة أن جبهتها الداخلية قد تغيرت وتبدلت، ولم تعد إسرائيل التي كانت في مرحلة بناء الدولة هي إسرائيل الموجودة الآن. الآن إسرائيل تعاني من الفساد المستشري والذي وصل مرتين على الأقل إلى رئاسة الدولة، ومن الترهل المعنوي والثقافة الاستهلاكية والهروب من التضحية. لكن في النهاية لا خيار أمام إسرائيل إلا الدفاع عن نفسها وهي تعي المغامرة.

تغير ميزان القوى

ميزان القوى في المنطقة العربية الإسلامية قد تغير، وكل ميزان قوى يفرض علاقاته الخاصة به. ميزان القوى القديم الذي كانت فيه إسرائيل هي القوة التي لا تقهر لم يعد موجودا، وميزان القوى الجديد يفرض تحالفات جديدة وتحديات جديدة. وأمام المهيمنين السابقين خياران: إما الاعتراف بميزان القوى الجديد أو العمل على ضربه والعودة إلى سابق العهد. تاريخيا، يلجأ المدافعون إلى الحرب.

على فرض أن المدافعين قرروا ألا يحاربوا، فماذا سيفعل الذين قلبوا الميزان؟ ربما لن يفعلوا شيئا إذا استجابت القوى المهيمنة سابقا للطلبات والشروط، لكنهم سيحاربون إن لم تتم الاستجابة. مطلوب من إسرائيل الآن أن تنسحب من الأراضي اللبنانية ومن مرتفعات الجولات وأن تسمح للاجئين في لبنان أن يعودوا إلى فلسطين، فهل سيقف حزب الله وسوريا وإيران عند تكرار المطالب أم سيتخذون إجراء حربيا؟

تقديري أن حزب الله يعد العدة للانتقال للهجوم إن لم يكن بالفعل قد وصل إلى هذه المرحلة. حزب الله لديه الآن من النفير (الأعداد الجاهزة للقتال) ما يؤهله للهجوم، وتقديري أن لديه قدرة على تحييد الطيران الإسرائيلي وربما إسقاطه، وبهذا يكون قد قطع شوطا كبيرا في مستلزمات الحرب الهجومية. لكن من الأفضل لحزب الله أن يهاجم من خلف خطوط العدو، وهذا ممكن إذا طور ووسائل وأساليب تمكنه من دخول بعض البلدات اليهودية بسرعة خاطفة بحيث لا يتمكن العدو من استخدام أسلحته البرية الثقيلة، ويكسب حزب الله الوقت لإقامة رؤوس جسور محمية تفاجئ العدو بالعديد.

من الناحية العسكرية، يستطيع حزب الله شن هجوم إذا ضمن قدرة الجيش السوري على تقديم الدعم البري، لكن هل سيفعل الجيش السوري ذلك قبل أن يطمئن أن حزب الله يحقق إنجازات ميدانية؟ ويبقى المهم أن العرب هم الذين يجب أن يهاجموا وليس إسرائيل لأن أراضيهم هي المحتلة وشعوبهم هي المهجرة.

الخلاصة

المنطقة العربية الإسلامية تغلي، وقوى كثيرة تستعد للحرب في الصباح والمساء، في تكتم أحيانا، وأحيانا أخرى في العلن. قوى كثيرة تصنع السلاح وتطوره، وتطور جيوشها وتقوم بالتدريبات العسكرية وتحشد وتهدد وتتوعد. هذا الغليان لن يُترك يبرد، ولا شيء يبرده إلا الانفجار.

وتقديري في النهاية، وفق ما أتابعه من تطورات تقنية وميدانية، إسرائيل ستتلقى ضربات قوية. قطعا ستكون الخسائر في الجانب العربي كبيرة وهائلة، لكن خسائر إسرائيل ستكون فادحة ايضا، وستضطر معها أن تقبل ما لم تكن تقبل به. قد لا تتدمر إسرائيل في الحرب القادمة، لكن وجودها سيبقى في دائرة التساؤل.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 9 / 2176534

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

20 من الزوار الآن

2176534 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 6


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40