الجمعة 7 تشرين الأول (أكتوبر) 2011

معنى «حق العودة»

الجمعة 7 تشرين الأول (أكتوبر) 2011 par الياس سحاب

لا شك بأن أي حديث مستمر ومتواصل عن دولة فلسطينية، في ظل موازين القوى الحالية بين الفلسطينيين و«الإسرائيليين»، هو حديث يبعث بالضرورة والمنطق على القلق من مدى التنازلات التاريخية المطلوب سلفاً تقديمها، قبل الحصول على أي شيء من تفاصيل الدولة العتيدة.

ولا تبدو ملامح هذه التنازلات فقط في قراءة ما يقوله ميزان القوى الحالي بين الفلسطينيين و«الإسرائيليين»، بل أيضا في قراءة العبارات التي ترد بكل براءة وبأسلوب شديد الوضوح في احاديث المسؤولين الدوليين والمسؤولين «الإسرائيليين»، وبدرجة اقل من الوضوح، واكثر من غض الطرف، على لسان المسؤولين الفلسطينيين. ولعل اخطر هذه التنازلات يتمثل في التنازل الفلسطيني المسبق عن «حق العودة».

لقد جاء هذا التنازل شديد الصراحة والوضوح والمباشرة، بل والفخر حتى الاعتزاز، في الوثيقة الشهيرة التي وقعها في جنيف قبل سنوات عدد من المثقفين «الإسرائيليين» والفلسطينيين، بحجة ان الإصرار العربي أو الفلسطيني على وضع حق العودة على رأس الشروط اللازمة لأي تسوية حقيقية للصراع، إنما هو إصرار نابع عن موقف غير واقعي وغير عقلاني، لأن «إسرائيل» «لم يعد فيها شبر واحد يتسع لعودة لاجئ واحد».

لكن الصفة غير الرسمية لتلك الوثيقة، التي ما زالت مطروحة لأداء دورها في التمهيد لما يحمل الصفة الرسمية الكاملة من التنازلات الفلسطينية، لم تمنع أبدا، بل كانت مقدمة طبيعية، لسلسلة من ظهور أساليب جديدة لتقديم التنازلات واحدا بعد الآخر، بأساليب مخففة وملتبسة وخبيثة، ولكن بإصرار وتكرار يجعل هذه التنازلات تحفر عميقا في وجدان الشعوب العربية (وعلى رأسها شعب فلسطين)، حتى نصل عندما تدق ساعة المفاوضات النهائية الحقيقية، الى حالة تكون فيها كل هذه التنازلات التاريخية قد أصبحت مقبولة من الفلسطينيين بشكل خاص، وعلى رأسها التنازل عن حق العودة.

أخطر العبارات المستخدمة منذ مدة في التصريحات الرسمية لكبار المسؤولين الفلسطينيين في هذا الشأن عبارة «البحث عن تسوية عادلة لقضية اللاجئين».

في قاموس الطرف الأقوى، أي الحركة الصهيونية وحلفائها الدوليين في أوروبا وأميركا، فإن هذه العبارة تعني بدقة شديدة نسيان الفلسطينيين «حق العودة» نهائياً (أي نسيان فلسطين)، عن طريق حل قضية اللاجئين، بإسكانهم في البقاع التي يعيشون فيها حاليا، مع قروش زهيدة تسمى تعويضا، والسماح لدويلة فلسطين القادمة، بان تستقدم الى أراضيها ما تراه مناسبا من أعداد هؤلاء اللاجئين الراغبين بالعودة.

اغلب الظن، بل المؤكد، ان هذا المعنى الصهيوني لعبارة «تسوية قضية اللاجئين» ليس له أي معنى أفضل في قاموس المسؤولين الفلسطينيين والعرب، لأن ليس في ميزان القوى الحالي بينهم وبين «إسرائيل» ما يسمح لهم بتنفيذ أي معنى أفضل للعبارة.

إن تطبيعا ملتويا وخبيثا ومشوها لحق العودة، لا يساوي في حقيقة الأمر، سوى التصديق على ان قضية فلسطين قد ظهرت فقط في احتلال عام 1967، المطلوب إيجاد حلول له. اما الجريمة الأصلية التي وقعت في العام 1948، فهذا ما يطلب الى العرب والفلسطينيين خصوصا، مسحه مسحا تاما من ذاكرتهم، اي نسيان فلسطين الى الأبد.

هذا هو المعنى الحقيقي والوحيد لعبارة «تسوية قضية اللاجئين» في إطار ميزان القوى الحالي بيننا وبين الحركة الصهيونية وحلفائها.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 13 / 2176796

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

5 من الزوار الآن

2176796 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 4


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40