الأربعاء 5 تشرين الأول (أكتوبر) 2011

مصر التي أمامنا

الأربعاء 5 تشرين الأول (أكتوبر) 2011 par عوني صادق

«تترنح الثورة المصرية ... ما بين مطرقة مشتهي السلطة وسندان عبيد السلطة، وتفقد الثورة ملامحها وهم يحاولون تشكيلها وفق أهوائهم وطبقاً لأغراض أحلاها مر وأفضلها سيئ، وبصورة تجعل من التنبؤ بالمستقبل نوعاً من الإبحار في التشاؤم» (د. رأفت رضوان - «المصري اليوم» 29/9/2011).

المقتبس المثبت أعلاه لا يمثل الموقف الأكثر تشاؤماً في أوساط الوطنيين المصريين، كما تظهره كتاباتهم. ولعل الكاتب حرص على أن لا يُنْظَرَ إليه على أنه من فئة «مغالية» في التشاؤم. ولا شك أن خوف الوطنيين المصريين وحرصهم على نجاح ثورتهم، ربما يوقعهم في ما قد يعتبره البعض تشاؤماً. وهنا لا بد من الإشارة إلى أن خوف وحرص بعض العرب على هذه الثورة ربما يكون أشد من خوف وحرص أشقائهم المصريين لسبب بسيط، هو أنه يحلم أن تحمل التغيرات الجارية في الوطن العربي حلولا لمشكلاته وقضاياه القومية، ويعرف ما يعنيه وزن مصر في ميزان القوة العربية في ظل ثورة ناجحة. في كل الأحوال، ولأن الوضع في مصر لا يزال في حالة من «السيولة» يصعب معها الإمساك به، أو معرفة الاتجاه الذي تتطور به الأمور بصورة يقينية، إلا أن التوقف في بعض «المحطات»، قد يساعد على ذلك.

الثورة، في كلمة واحدة، تعني التغيير. قد يقال إن ذلك يحتاج إلى الوقت، وهذا صحيح عندما يكون المقصود هو الوصول إلى التغيير الناجز، لكن هذا لا ينفي أن التغيير يبدأ من اللحظة التي تقع فيها الثورة. ويمكن تلخيص «الأزمة» الحالية في مصر في عبارة يرددها الوطنيون المصريون، فيطرحون سؤالاً ويجيبون: «ماذا تغير؟ لم يتغير شيء»! ولعل مجال السياسة الخارجية يأتي، عادة، في مقدمة المجالات التي تكشف فيها الثورة عن التغيرات الحاصلة بعد الثورة. وإذا كانت السياسة الداخلية للدولة تحدد سياستها الخارجية، فإن السياسة الخارجية للدولة، بدورها، لا بد أن تعكس وتكشف، إلى هذه الدرجة أو تلك، طبيعة الأهداف التي تريد الدولة تحقيقها على الصعيد الداخلي. ولا توجد سياسة خارجية تتعارض مع الأهداف الداخلية للدولة، من دون أن يشير ذلك إلى خلل في نظامها السياسي. وبالنسبة لمصر، تصلح العلاقة مع الولايات المتحدة لتكون مقياساً عن جواب للسؤال المطروح: هل تغيرت السياسة المصرية بعد الثورة؟

على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها السادسة والستين، التقى في نيويورك يوم 28/9/2011 وزير الخارجية المصري محمد عمرو كامل نظيرته وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون وعقدا مؤتمراً صحفياً مشتركاً. كان أول ما يلفت النظر في ما قاله وزير الخارجية المصري أنه قدم اعتذاراً عن الهجوم الذي تعرضت له السفارة «الإسرائيلية» في القاهرة يوم 9/9/2011، حيث قال: «إن الاعتداء على السفارة «الإسرائيلية» كان حادثاً مؤسفاً دانته جميع الأطراف في مصر». من جانبها، قالت كلينتون بهذا الخصوص: إنها «تحدثت مع وزير الخارجية وأعربت عن شكرها له ولكبار المسؤولين في الحكومة المصرية على استجابتهم في هذا الصدد».

وفي المؤتمر أيضاً، أكد وزير الخارجية المصري أن «مصر والولايات المتحدة تتمتعان بصداقة وشراكة طويلة الأجل»، مشيراً إلى أن الولايات المتحدة ساعدت مصر في كثير من مجالات التنمية، وأنها تواصل ذلك، وأضاف: «نحن على ثقة من أن صداقتنا وتعاوننا سيتعززان في المستقبل ... وأن مصر والولايات المتحدة عملتا في الماضي لدعم السلام والاستقرار في منطقة «الشرق الأوسط»، وأنهما سيواصلان جهودهما في هذا الصدد».

ذلك ما جاء على لسان وزير الخارجية المصري، كما نقلته الصحيفة المصرية، عن طبيعة العلاقات مع الولايات المتحدة الأمريكية بعد 25 يناير، فهل فيه ما يكشف عن أي تغيير في سياسة مصر الخارجية بعد الثورة؟ لقد تحدث وزير الخارجية المصري عن «المساعدات» التي قدمتها الولايات المتحدة لمصر في مجالات التنمية، وعن «التعاون» مع مصر لدعم «السلام والاستقرار في منطقة «الشرق الأوسط»»، واثقاً أنهما سيواصلان جهودهما في هذا الصدد. ويعرف المصريون والعرب المعاني الحقيقية لتلك المساعدات والجهود. وفي هذه المناسبة، نشير إلى أنه في الوقت الذي كان وزير الخارجية المصري يعقد مؤتمره الصحفي مع نظيرته الأمريكية، كانت لجنة الميزانية في مجلس النواب الأمريكي تضع لمساتها الأخيرة على مشروع القرار (2538) الخاص بالمساعدات الخارجية، وضمنها المساعدات لمصر، حيث ينص البند (951) منه على أن «تربط المساعدات بعدم سيطرة منظمة «إرهابية» على حكومة مصر»، وأن تنفذ القاهرة «بشكل كامل» معاهدة السلام مع «إسرائيل»، و«تدمر شبكة التهريب والأنفاق بين مصر وقطاع غزة»، مع إعطاء مرونة لأوباما في مواصلة تقديم المساعدات في حال قدم تقريراً إلى اللجنة الخارجية المعنية في الكونغرس!

لا، لا نريد أن نحكم. لكن هذه هي مصر التي أمامنا الآن.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 7 / 2178308

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

25 من الزوار الآن

2178308 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 25


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40