الثلاثاء 27 أيلول (سبتمبر) 2011

فلسطين والعالم ولكن...

الثلاثاء 27 أيلول (سبتمبر) 2011 par الياس خوري

ذهب محمود عبَّاس الى الأمم المتحدة كي ينهي مساراً بدأه عندما تسلم رئاسة الحكومة التي سقطت زمن عرفات، ثم استؤنف عندما صار رئيساً للسلطة بعد مقتل عرفات.

المسار العبَّاسي كان واضحاً، فالرجل استدار بشكل كامل، معلناً انه سيكون سادات فلسطين، أي سيجلب السلام ولو على حساب احداث انقلاب جذري في حركة «فتح»، وتحويلها من حركة مقاومة الى حزب للسلطة.

نفذ عباس كل طلبات الرباعية بحذافيرها، حلّ «كتائب شهداء الأقصى» وفرض ما يشبه الاقامة الجبرية على مقاومي «فتح»، منع أي مقاومة، أعاد بناء الاجهزة الأمنية على طريقة دايتون، وجلس ينتظر تحقيق الوعود. أصرّ على انه يملك استراتيجية واحدة هي المفاوضات، واعلن ان بديل المفاوضات هو المفاوضات، وتوقع ان يفي الامريكيون بوعودهم وان يصل عبر ذلك الى شيء يشبه دولة فلسطينية.

احرق عبَّاس كل سفنه، رفض اعتماد استراتيجية عرفات المزدوجة : مفاوضات ومقاومة، وبرهن للأمريكيين على انه مخلص في التزاماته معهم، وانه مستعد ان يكون مثلما طلبوا واكثر.

عبَّاس واضح وحاد ويتميز بالعناد، انه عكس قائده عرفات، لا يناور ولا يحاول المشي بين النقاط. قالها منذ البداية انه كان ضد عسكرة الانتفاضة الثانية، حتى وصل به الأمر الى الإيحاء بأنه كان ضد الانتفاضة نفسها. حلب حليباً صافياً وكان افضل من توقعات الامريكيين.

ولكن...

قدم عبَّاس صورة جديدة لقيادة فلسطينية مختلفة. انه رجل الدول المانحة، والمفاوض المستعد دائماً للتوصل الى حل حتى وان كان غير مرض للكثيرين.

ولكن..

وكان مقامراً، وضع «السولد» كله على الطاولة، واختار السلة الأمريكية كي يضع فيها كل الآمال والتوقعات، وكان واثقا من صدق اوباما واخلاص توني بلير.

ولكن...

حسب عبَّاس كل الاحتمالات، وكان يتوقع من «الإسرائيليين» الغدر، لكنه كان واثقاً بصدق الدول الغربية، وبالأثر الايجابي الذي تركه اداؤه على الامريكيين.

ولكن...

كل الحسابات بدت صحيحة في الحقل، ولكن عندما وصلت الأمور الى البيدر، ظهرت الحقيقة الكبرى التي كان السيد عبَّاس يجهلها او يتجاهلها، وهي حقيقة بسيطة وواضحة تقول ان جهد دعاة السلام في المؤسسة «الإسرائيلية» وفي «الاستابليشمنت» الامريكية له هدف واحد هو انقاذ «إسرائيل» حتى ولو اقتضى الأمر، في بعض الأحيان، انقاذها من نفسها.

اي ان الهدف الثابت للمانحين هو دعم «إسرائيل» وتلميع صورتها، والحفاظ على تفوقها في كل شيء.

المؤسسة الغربية ليست معنية بالشعب الفلسطيني إلا في هذا الإطار. الفلسطيني غير مرئي، واذا ظهر على شاشة الوعي والسياسة فمن اجل ان لا يزعج «إسرائيل» او يمسها بسوء.

هدف المانحين لم يكن تحويل الاقتصاد الفلسطيني الى اقتصاد ريعي قائم على القيم النيوليبرالية فقط، ، بل بناء دورة اقتصادية تريح «إسرائيل» وتنزع فتيل المقاومة.

ما غفلت عنه القيادة السياسية الفلسطينية هو انها حين تضعف قدراتها على المس بـ «إسرائيل» فانها تفقد اي قدرة على الضغط او المناورة السياسية.

وهذا ما يحدث اليوم امام اعين العالم بأسره، يبدو الرئيس الفلسطيني في صورة من يحاول استعادة لغته، ملوحاً بالحق الفلسطيني من دون ان يمتلك اي وسيلة لاقناع الغرب بأن الحفاظ على «إسرائيل» يحتاج الى تنازلات «إسرائيلية» وإلا...

لقد اخرجت السلطة هذه الكلمة من التداول السياسي، وهنا يقع الخطأ. لا يوجد سوى بديل واحد هو حل السلطة، وهنا تقع المسألة التي تحتاج الى نقاش.

هل حل السلطة يخيف الغرب و«إسرائيل»؟ واذا كان الأمر كذلك فلماذا كانت السلطة أصلاً؟

يبدو سؤالي مبسطاً وساذجاً، لكن في لحظات الانعطاف الكبرى يجب العودة الى البديهيات، أي الى الأسئلة الأولى. وهنا نفاجأ بأن ورقة التهديد الجدية الوحيدة التي تملكها السلطة هي حل نفسها، واعادة الأمور الى المربع الأول.

هل صحيح إذاً أن بقاء السلطة الفلسطينية هو حاجة «إسرائيلية»؟

نعم ولا، من هذه «اللعم» التي ابتدعها عرفات بدأ الالتباس الذي وصل الى ذروته مع افضل خطاب القاه عبَّاس في حياته. فالوضع السياسي الذي نتج عن الانتفاضة الاولى، ابرز التضامن العالمي و«الإسرائيلي» مع الشعب الفلسطيني، وهو خطاب متعدد بالطبع، لكن مركز ثقله كان محاولة انقاذ «إسرائيل» من نفسها، لأن الاحتلال يحطم صورتها. هذا المشروع الايديولوجي اطيح به بالكامل بعد فشل «كامب ديفيد» الفلسطيني- «الإسرائيلي» واندلاع الانتفاضة الثانية، وصولاً الى تسلم اليمين الشاروني للسلطة، حيث اعادنا شارون الى خطاب النكبة، مطيحاً في زمن ما سمي «بالحرب على الإرهاب»، بكل دلالات الخطاب السلمي السابق.

هنا تحولت السلطة التي فقدت السيطرة حتى على المنطقة (الف) الى ما يشبه الادارة المحلية في ظل الاحتلال، وهذا ما تسعى «إسرائيل» الى تثبيته.

عبَّاس في خطابه على الأقل، اعلن رفضه هذه المعادلة الجديدة، ورمى القضية بلغتها الاصلية (مستخدماً تعابير التطهير العرقي، وادانة الاستيطان وحقوق اللاجئين) في وجه العالم، وقال انه لا يستطيع اكثر من ذلك، وان هاوية التنازلات انتهت لأنها وصلت الى القعر، واذا استمر الوضع على ما هو عليه فانه سيمشي.

لكن نتنياهو لم ينتظر طويلاً، رمى القفاز في وجه السلطة وقال لا، اما اوباما فهو لا يدري كيف يوفق بين عاصفة الثورات العربية وواقع انه اسير السياسة «الإسرائيلية».

هنا يقع السؤال.

هل الجواب على الموقفين «الإسرائيلي» والأمريكي يكون بحل السلطة فقط، أم أن هناك خيارات أخرى أبرزها عودة الشتات الفلسطيني الى لعب دوره الذي أُبعد عنه قسراً، والعودة تالياً الى ألف باء مشروع التحرر الوطني وهو مقاومة الاحتلال بمختلف الوسائل؟

ولكن...

هل لا تزال القيادة الفلسطينية تملك القدرة على طرح خيار المقاومة، أم أن الوقت قد حان كي يعلن الفلسطينيون، مثلما أعلنت الثورات العربية، فراغ القيادة، ويصنعون قياداتهم الجديدة في الشارع؟

هذا هو السؤال.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 76 / 2165497

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

12 من الزوار الآن

2165497 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 12


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010