الاثنين 26 أيلول (سبتمبر) 2011

متى الاعتراف بعداء امريكا؟

الاثنين 26 أيلول (سبتمبر) 2011 par د. عصام نعمان

في المواجهة الديبلوماسية مع «إسرائيل» وامريكا، لن يظفر الفلسطينيون والعرب لا باعتراف باستقلال فلسطين ولا باحتلالها. هذه الحقيقة يعرفها محمود عبَّاس والقادة الفلسطينيون والعرب الذين يذهبون مذهبه في جدوى الاعتراف بالدولة الفلسطينية في الأمم المتحدة.

كانوا جميعاً يعرفون هذه الحقيقة قبل توقيع «اتفاقات اوسلو» للعام 1993 وبعد مآسي عدم تنفيذها. كانوا يعرفونها قبل خوض غمار مفاوضات ماراتونية مع «إسرائيل» على مدى السنين العشرين الماضية وبعد إعلان فشلها المدوّي في السنة الماضية. وكانوا يعرفونها قبل إلقاء باراك اوباما خطابه الصهيوني الفاجر في الأمم المتحدة وبعده. ومع ذلك، فإن ثمة إصراراً عجيباً غريباً لدى هذا الفريق من القادة الفلسطينيين والعرب على التزام رهان المفاوضات وارتجاء الخير من امريكا.

ها هو أمين سر منظمة التحرير الفلسطينية ياسر عبد ربه يعبّر بصراحة عن «عقيدة» هذا الفريق في تعقيبه على خطاب اوباما بقوله : «نحن هنا في الأمم المتحدة من اجل الدعوة الى تدخل دولي فاعل، بما فيه امريكا، لوضع الأسس التي تفتقدها المفاوضات الجادة وفي المقدمة الاعتراف بدولة فلسطين (...) كما نريد ان نرى هذا الموقف الأمريكي وما زلنا نطمح إليه رغم الخطاب. فالمفاوضات وسيلة هامة من وسائل الوصول الى هذا الغرض...».

المفاوضات، اذاً، هي الهدف، ودعم امريكا لهذا الهدف هو السبيل الى بلوغه. كل ما فعلته «إسرائيل»، بدعم من امريكا، ضد الفلسطينيين والعرب طيلة السنين الستين الماضية لا يستوقف فريق محمود عبَّاس ومن يذهب مذهبه بين الفلسطينيين والعرب. ترى، هل استمع هؤلاء جيداً الى ما قاله اوباما في خطابه الأخير؟ هل قرأوا تعليقات بنيامين نتنياهو وغيره من المسؤولين وقادة الرأي «الإسرائيليين» على موقف الرئيس الأمريكي قبل الخطاب وبعده؟

الى مَن لم يستمع او لم يقرأ جيداً نسوق هذه المختارات: نتنياهو قال لاوباما بعد إطّلاعه شخصياً على موقفه قبل إلقاء خطابه : «اعتقد أن الأمر يشرّفك وأنا أشكرك»!

ايهود باراك قال: «اثبت اوباما مرة أخرى انه حليف لـ «إسرائيل»، وإدارة اوباما تقوم بدعم أمن «إسرائيل» بصورة واسعة وشاملة وغير مسبوقة».

كبير معلقي صحيفة «يديعوت احرونوت» (2011/9/22) ناحوم برنياع وزميله شمعون شيفر اشارا في مقالة مشتركة بعنوان «سفيرنا في الأمم المتحدة» الى انه «لم يسبق أبداً أن ألقي خطاب مؤيد لـ «إسرائيل» بهذا القدْر من على منبر الأمم المتحدة. فأوباما لم يتبنَّ فقط كل الحجج «الإسرائيلية» ضد الاعتراف بدولة فلسطينية من خلال الأمم المتحدة، بل تبنّى أيضاً الرواية «الإسرائيلية» الأساس : «إسرائيل» هي دولة صغيرة، محاطة بالأعداء الذين يسعون الى إبادتها، وأبناؤها يعيشون خطراً على حياتهم كلَ يوم، وجيرانها يربّون أطفالهم على الكراهية».

باختصار، «الإسرائيليون» مبهورون بتصرف اوباما غير المسبوق المؤيد لهم. ومع ذلك نجد بين القادة الفلسطينيين والعرب مَن ما زال مقتنعاً بأن امريكا وسيط نزيه وان المفاوضات يمكن إحياؤها على أسس مؤاتية لنا، وأنها ستوصلنا الى استخلاص حقوقنا المسلوبة. فوق ذلك، يتبرع بعض هؤلاء القادة بتقديم تبرير لتصرفات اوباما فيعزونها الى رغبته في كسب أصوات اليهود الأمريكيين في الانتخابات الرئاسية القادمة بعد نحو عامٍ، وكأن للرؤساء الأمريكيين سياسات مناوئة لـ «إسرائيل» خارج مواسم الانتخابات.

عندما تَفْرغ جعبة القادة العرب من الذرائع والتبريرات، يعترف بعضهم بأن موازين القوى السائدة لا تسمح بأن نحقق شيئاً من خلال المفاوضـات. حسناً، إذا كان الأمر كذلك ، فلماذا يسترسلون في خداع أنفسهم وشعوبهم بأن أمريكا وسيط نزيه وأن المفاوضات يمكن أن تنتج شيئاً؟

آن أوان الخروج من الإدمان على تمويه الحقيقة وخداع النفس وتضليل الشعوب. اذا كانت لمبادرة محمود عباس وفريقه الفلسطيني والعربي الجاري تشخيصها على منبر الأمم المتحدة وفي كواليسها من فائدة فهي افتضاح نهج الإدمان على المفاوضات والرهان على الولايات المتحدة وثبوت عدم جدواه بصورة قاطعة. يتأسس على هذا الواقع الساطع بحقائقه ضرورة الانتقال بلا تردد الى اعتماد نهج الاعتراف بعداء امريكا لحقوق الفلسطينيين ومصالحهم، وانعكاس هذا العداء بالضرورة على حقوق سائر العرب ومصالحهم، والشروع تالياً باعتماد نهج مغاير في مواجهة امريكا يقوم على اعتبارها عدواً صريحَ العداء وحليفاً ثابتاً وفاعلاً للكيان الصهيوني، وشريكاً ضالعاً في حروبها الناعمة والساخنة ضد الوجود الفلسطيني والعربي.

إن اعتماد نهج المواجهة على النحو سالف الذكر ليس مجرد قرار بل هو مسار ينطوي بالضرورة على متطلبات ووسائل وآليات وموارد، ويستوجب تنفيذاً على مراحل ومن خلال ادوار وسيناريوهات تضطلع بها دول وقوى عربية مقتدرة وقادرة على الارتقاء بالعلاقات فيما بينها الى صيغة اتحاد فدرالي يتطور ويتوسع تدريجاً وفق الظروف المتغيرة باطراد. المهم، بدايةً، مغادرة موقف الإدمان على الوثوق بالولايات المتحدة والتوقف عن اعتمادها وسيطاً والسكوت عن مفاعيل شراكتها العضوية مع «إسرائيل».

صحيح أن دولاً عربية عدة تقيم علاقات وثيقة مع امريكا وقد تجد صعوبات شديدة في تجاوزها ناهيك بفكّها. غير أن قيادات هذه الدول تدرك، بلا ريب، ان استمرار هذه العلاقات في وضعها الراهن ما عاد ممكناً. فهي علاقات تمَّ نسجُها في ظروف الثنائية القطبية والحرب الباردة التي سادت العالم بعد الحرب العالمية الثانية، وانها تضررت وتبدلت عقب انهيار الاتحاد السوفياتي، وصعود الصين و«نمور» جنوب شرق آسيا، وتنامي قوى الممانعة والمقاومة في المشرق العربي، وفشل حروب امريكا في العراق وأفغانستان وباكستان واقتراب مواقيت انسحابها منها، وتفاقم الأزمة الاقتصادية والمالية التي تعصف بدول امريكا وأوروبا وتدفعها الى تقليص التزاماتها الخارجية ما ينعكس سلباً على وجودها ونفوذها ما وراء البحار.

الى ذلك، يجب ألاّ يغيب عن المسؤولين وقادة الرأي في عالم العرب والعجم وجود قاسم مشترك جوهري بين جميع الانتفاضات الشعبية التي عصفت، وما زالت، بدول عدة في مغرب الوطن الكبير ومشرقه هو اندلاعها في وجه أنظمة موالية لأمريكا (باستثناء سوريا)، وان واشنطن حاولت احتواءها وتطويق مضاعفاتها بالتضحية برؤوس الأنظمة للاحتفاظ بأجسامها. وإذا كانت سياسة الاحتواء والتطويق قد نجحت جزئياً، بادئ الأمر، فإنها مرشحة للفشل في الحاضر والمستقبل المنظور. ذلك أن القوى الوطنية الحية ، ولاسيما الشرائح الشبابية، أعادت طرح المسألة الوطنية بما هي قضية تحرير واستقلال وطني وقرار سيادي في الإصلاح السياسي والإنماء الشامل والمتوازن. ليس أدل على هذه اليقظة الوطنية والديمقراطية البازغة من اقتحام التظاهرات الشبابية في مصر السفارة «الإسرائيلية»، وإنزال رايتها وحرقها، وإكراه السفير وطاقم السفارة على الفرار الى «إسرائيل». لن يمضي وقتٌ طويل قبل أن تسود الشارع العربي في كل مكان شعارات الكفاح ضد الهيمنة الأمريكية والمطالبة بتوظيف موارد العرب النفطية والمالية في خدمة قضاياهم السياسية والتنموية. إزاء مفاعيل اليقظة والنهوض، ستجد الطبقات الحاكمة نفسها أمام خيارين: الانفتاح على قوى التحرر والتقدم والديمقراطية والتنمية المستقلة والتجاوب مع مطالبها، أو التزام موقف المكابرة والمراوغة والتصلب وبالتالي استحقاق حكم التاريخ.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 49 / 2178290

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

12 من الزوار الآن

2178290 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 13


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40