الجمعة 16 أيلول (سبتمبر) 2011

الثورة الأشد صعوبة

الجمعة 16 أيلول (سبتمبر) 2011 par أمجد عرار

من الطبيعي أن نشعر بالسعادة إزاء التغيير الإيجابي والنهوض بحالتنا العربية وصولاً إلى وضع تنبت فيه الحياة الديمقراطية الحقيقية في تربتنا، وتتحقق التنمية والرخاء لشعوبنا، وتنتصر حرية التعبير على القهر والكبت، وتتحقّق العدالة بعيداً عن الظلم والاستعباد والاضطهاد الطبقي، والمواطنة بدل العصبية الطائفية والعشائرية، وإنتاج العلم بدل استيراد نتائجه، واستثمار طاقات المجتمع كلها بدل تعطيل معظمه، وامتلاك القرار بدلاً من تنفيذه. ولعل بوادر هذا التغيير تتفاعل حالياً وضمانتها أن تصل الثورة المصرية إلى مبتغاها، إذ إنها في الحقيقة ما زالت مستمرة، ولم ترتفع عنها أخطار حرفها والانقضاض عليها لتجييرها لمصالح طبقية أو حزبية ضيّقة، وهذه أيضاً ملامحها واضحة للعيان.

إذا أردنا توخي الدقّة، فإننا كأمة عربية ما زلنا نحبو باتجاه الوضع الذي نريد أن نكون عليه، فما تحقق لا يتعدى الأجزاء الصغيرة من الصرح المأمول، أي من السابق لأوانه الحديث عن ربيع عربي، لأن في هذا المسمى توصيفاً شاعرياً رومانسياً ما زال يبحث عن أرض صلبة يضع قدميه عليها. وكما قيل سابقاً إنه لا يمكن البدء بالبناء الجديد من دون تنظيف المكان، فإن هذا القول ينطبق على حالنا، إذ إننا نخطئ التشخيص إذا اعتقدنا أن الأنظمة تسقط بمجرد سقوط رموزها المتربعين على قمّة الهرم، فليس هذه سوى مرحلة أولى، مع أنها مهمّة جداً وتكاد تكون الأهم، وبخاصة في حالتنا العربية التي تشكّلت فيها قوالب من الخطأ المفولذ، حتى باتت هذه الأمة العريقة كأنها بلا جذور.

مصر الآن هي البوصلة التي ستؤشّر للمستقبل العربي، وهي ما زالت في مرحلة المخاض رغم كل ما تحقق، وهو ليس بالقليل. الثورة لم تضع أوزارها بدليل أن مليونياتها الأسبوعية ما زالت مستمرة . ومع ملاحظة أن النظام البديل لم يبن بعد ولم تتحدد طبيعته، وهذه تعتمد على إدارة الصراع بين القوى الجديدة الناشئة، لأن القديم والجديد، العدالة والظلم، المبدئية والانتهازية، المشاركة الإيجابية والسطو الحصادي، كلها ثنائيات صراعية تأخذ أشكالاً جديدة، وفي ضوء موازين القوى بينها تتجه الأمور.

مصر تعيش مرحلة انتقالية، لكن الوضع الذي ستنتقل إليه لم يقدَّم للشعب على شكل برنامج محدّد مسبقاً ومصاغ على أيدي قوى ثورية متبلورة ومجرّبة. هذا يجعل المستقبل ضبابياً وليس واضح المعالم، ويتيح الفرصة لسياسة انتهازية من جهات تتحيّن الفرص لتقطف ثمار زرع لم تضع فيه بذوراً، وتستغل قوّتها وإمكاناتها التي رغم وجودها منذ عقود، إلا أنها فوجئت بما جرى، لكنّها تحاول الآن ليس ركوب الموجة فقط، بل قيادتها أو في الحد الأدنى تقاسم القيادة مع أجزاء وازنة من النظام القديم، وإن أظهرت تصادماً معه لا يتعدى المعارضة الناعمة والانتقائية، وهي سياسة أضعفت زخم الثورة ورفعت سقف تحدياتها.

مصر التي سقط نظامها السابق لم تبن نظاماً جديداً، فالحكم العسكري ليس نظاماً، بل الأداة العسكرية لأي نظام، وهو نقيض للشكل السياسي للحكم وللحياة المدنية وللمجتمع المدني.

مصر الآن أمام تحدّيات جسام، أهمّها تنظيف المكان للبناء الجديد، وشطب قانون الطوارئ وإجراء الانتخابات التعددية برلمانياً ورئاسياً، وإعادة بناء الاقتصاد على نحو حذر، لأنه لا استقلال سياسياً من دون استقلال اقتصادي. ولنا أمثولة في ما تسمى سياسة الانفتاح التي بدأت مطلع السبعينات، في عهد السادات، وما جرّته على الشعب المصري من هوة طبقية سحيقة وديون وفساد تجاوز كل حد.

الآن تبدأ الثورة الأشد صعوبة في مصر.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 13 / 2165477

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

14 من الزوار الآن

2165477 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 14


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010