الخميس 15 أيلول (سبتمبر) 2011

نصف المشوار لبناء مجتمع الحرية والعدالة

الخميس 15 أيلول (سبتمبر) 2011 par د. محمد السعيد ادريس

يبدو أن المصريين مصرون على جعل يوم التاسع من سبتمبر/ أيلول يوماً خالداً في حياتهم. ففي مثل هذا اليوم من عام 1952 قام مجلس قيادة ثورة 23 يوليو/ تموز بتسليم عقود تمليك الأراضي الزراعية للمعدمين من فقراء الفلاحين تنفيذاً لقانون الإصلاح الزراعي الذي أصدرته حكومة الثورة بعد أقل من شهرين على تفجر الثورة، في إعلان واضح وصريح لمضمون ومحتوى المشروع السياسي الاقتصادي الاجتماعي للثورة والتزامها جعل الثروة الوطنية ملكاً لكل المواطنين، وإنهاء احتكارها من القلة المسيطرة التي احتكرت الثروة والسلطة على مدى سنوات طويلة وهمّشت الأغلبية الكاسحة للشعب المصري من أي علاقة بالثروة وبالسلطة.

في التاسع من سبتمبر/ أيلول من هذا العام، وبينما كان رئيس الوزراء المصري الدكتور عصام شرف يحتفل بعيد الفلاح في استاد القاهرة الرياضي كان قطاع كبير من شباب الثورة يتظاهر في ميدان التحرير لتصحيح مسارها في جمعة مليونية حملت هذا الاسم «جمعة تصحيح المسار». وكما نجحت حكومة الثورة عام 1952 في تصحيح مسارها، أو بالأحرى تأكيد مسارها بالانحياز للشعب وتمكينه من ثروته بإعادة توزيع الأراضي الزراعية على جموع الفلاحين الفقراء، سارع شباب ثورة 25 يناير إلى تأكيد مسارها بالانحياز للشعب ومطالبه وللوطن ومتطلبات أمنه وسيادته الوطنية.

انطلقت «جمعة تصحيح المسار» من دوافع عديدة أبرزها: استعادة قوة الدفع الثوري وقطع الطريق على المؤامرات المضادة للثورة، وفاءً لدم الشهداء الأبرار ومعاناة الآلاف من خيرة أبناء الوطن المصابين في معاركها، وتحقيقاً لإرادة الشعب المصري وحماية لأهداف ثورته العظيمة. كان هذا الانطلاق من أجل تحقيق حزمة من الأهداف أبرزها المطالبة ببسط الأمن في أرجاء البلاد كافة، وتفعيل جهاز الشرطة وتنقيته من بقايا ثقافة القمع ورموز جهاز أمن الدولة المنحل، في إشارة إلى العلاقة بين الفراغ الأمني وتزعزع الاستقرار، وبين أدوار تُنسب إلى الفاسدين من قادة الجهاز الأمني المنحازين للنظام السابق والمرتبطين بمصالحهم، والمطالبة بتطهير مؤسسات الدولة من كل الفاسدين والمفسدين.

هذه الأهداف التي سعت إليها مليونية تصحيح مسار الثورة، كانت مجرد نصف المشوار المستهدف، لبناء مجتمع الحرية والعدالة الذي قامت الثورة من أجله، وبقي التوجه نحو تمكين الوطن من امتلاك إرادته الحرة وكرامته وسيادته الوطنية، وهنا يتأكد المسار الثوري الحقيقي: تأمين الحرية للوطن وللمواطن، وتمكين العدالة في الداخل بتمكين الوطن من سيادته وإرادته وفرض العدالة في إدارة علاقاته مع كل الأطراف الخارجية، ومن هنا كان التوجه الحتمي من ميدان التحرير حيث الاجتماع الحاشد لمليونية تصحيح المسار إلى مقر سفارة العدو على مشارف ميدان نهضة مصر ليلتقي تحرير مصر مع نهضتها وليكتمل مشوار الثورة كما أراده المصريون.

كانت ضربات مطارق الشباب وهم يهدمون ذلك «الجدار العازل الخرساني» أجمل معزوفة سيمفونية للثورة، ومع تساقط الجدار كان يجري تصحيح المسار ليقول المصريون كلمتهم في ثورتهم، إنها ثورة مصرية مئة في المئة، وعندما تكون الثورة هكذا لا يمكن إلا أن تكون ثورة عربية. إذ عندما تمتلك مصر إرادتها وتكون ذاتها من دون تزييف، لا يمكن إلا أن تكون مصر العروبة، ولا يمكن أن تكون مصر هي مصر العروبة، وهي منسحقة أمام مذلة معاهدة الهوان والعدوان على الكبرياء والكرامة.

كل هذا الذي حدث في مشوار تصحيح مسار الثورة لم يأت على هوى قطاع لا يمكن الاستهانة به ومازال له نفوذه وسطوته داخل مؤسسات الدولة، وهو القطاع ذاته الذي استهدفته «جمعة تصحيح المسار»، ودعت إلى تطهير مؤسسات الدولة الأمنية والإعلامية والسياسية والاقتصادية منه. فقد حرص هؤلاء وأعوانهم على تلويث الأهداف النبيلة للثورة و«جمعة تصحيح المسار» وترويع الناس وإرهابهم من خطورة ما حدث من تحطيم للجدار العازل وإسقاط للعلم الصهيوني، واندفع أنصار هؤلاء من البطلجية والمأجورين في افتعال معارك دامية مع الجيش وقوات الأمن وإشعال النيران أمام السفارة، والتوجه إلى السفارة السعودية المجاورة وإحراق سيارات أمامها، ومنها إلى مديرية أمن الجيزة وإحراقها، والتمترس في شارع نهضة مصر وإشعال النيران بحديقة الأورمان، وفوراً تعالت الأصوات بإلحاق كل هذه الجرائم بالثوار ما دعاهم إلى التبرؤ منها واتهام فلول النظام بالمسؤولية عن هذه الجرائم، كما بادر المجلس الوطني المصري إلى تشكيل لجنة لتقصي الحقائق من كبار المستشارين ورجال القانون وحقوق الإنسان والدبلوماسيين للبحث في كل ما جرى من تجاوزات وتحديد الجهات والأشخاص المسؤولين عنها، للذود عن الثورة والثوار، وقطع طريق المؤامرة على محاولة «شيطنة الثورة» وتجريمها والانقلاب عليها.

هذا التحرك القانوني المضاد في حاجة إلى تحرك سياسي ضد كل الذين خرجوا سريعاً لترويع المصريين من خطورة المطالبة بإلغاء معاهدة السلام مع «إسرائيل» أو تهديد علاقات السلام معها، وتجريم ما وصفوه بـ «عدوان» على السفارة والبعثة الدبلوماسية «الإسرائيلية»، للعودة مجدداً إلى مسلمات النظام المصري وبالتحديد التعامل مع معاهدة السلام والعلاقة المفروضة مع «إسرائيل» باعتبارها خطاً أحمر لا يجب التفكير أبداً في تجاوزه أو المساس به، خطراً لأنه سوف يدفع مصر حتماً إلى حرب لا تريدها أو لا تقدر عليها، إذ إن السلام مع «إسرائيل» هو الحل لكل أزمات ومشكلات مصر.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 10 / 2165540

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

5 من الزوار الآن

2165540 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 3


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010