الخميس 15 أيلول (سبتمبر) 2011

قضاء عنصري ومنافق

الخميس 15 أيلول (سبتمبر) 2011 par أمجد عرار

كثيراً ما ينسى الإنسان التكيّف مع الظروف غير المألوفة ويقع بالتالي في السهو والخطأ. في الحياة اليومية والأشياء العادية، قد تمر مثل هذه الحالات بلا تداعيات أو نتائج كبيرة، لكن هناك أموراً تتعلّق بالآخرين، وفي هذه الحالات يقف صاحبها وحظّه رهن طبيعة هؤلاء الآخرين وموقعهم في سلّم عنصرية القرن الواحد والعشرين. خذ مثلاً، فتى بريطاني اسمه بول دوناشي في التاسعة عشرة من عمره، ويدرس في جامعة سانت اندروز الاسكتلندية. هذا الطالب تعامل مع نفسه كشاب يعيش في دولة ديمقراطية اسمها بريطانيا العظمى التي توزّع مواعظها على دول العالم كل يوم، وخطر بباله بدافع الغضب الإنساني والاحتجاج الفطري على الظلم، أن يتعامل مع العلم «الإسرائيلي» بطريقة تخلو من خصوصية «إسرائيل» في قلب ووجدان حكومته في زمن ارتفع النفاق لمستويات قياسية.

قد يكون نسي الوضع الاستثنائي الذي تحظى به «إسرائيل»، وأن علمها ربما يكون أهم من العلم البريطاني، لذلك كان مصيره أن اقتيد إلى محكمة بريطانية لم تتردّد في إدانته بتهمة «الانتهاك العنصري للسلام». ورغم إصراره على أن سلوكه مشروع وشكل من أشكال الاحتجاج السياسي، وأنه لم يكن يقصد من ورائه التسبب في جريمة، إلا أن المحكمة حكمت عليه بأن يؤدي 150 ساعة عمل «في خدمة المجتمع»، ولم يتضح ما إذا كان عليه تأدية هذه الخدمة في بريطانيا أم في «إسرائيل»، لكن الحكم تضمّن أيضاً دفع تعويض مقداره 300 جنيه استرليني لزميله اليهودي الذي كان تسبّب في استفزازه. أما الجامعة التي يدرس فيها الطالب المسكين فلم تكتف بحكم المحكمة انما قرّرت فصله.

يخطر في بالنا أن نجد أنفسنا أمام هذا القاضي البريطاني لنستفتيه قضائياً، أو لنطالبه بحكم يعتمد القياس، لن نسأله ماذا كان سيحكم بشأن مجزرة «أسطول الحرية» التي ارتكبتها «إسرائيل» في المياه الدولية؟. ولا نريد أن نفتح له ملف جرائم «إسرائيل» في فلسطين ومصر وسوريا ولبنان والأردن وتونس، لأنها ملفات تطول كثيراً ولا مجال لحصرها، ومن أوائلها جريمة قتل مندوب الأمم المتحدة الكونت برنادوت.

لكننا سنبقى معه في ملف الإهانات، فإذا كان التعامل مع العلم «الإسرائيلي» بحركة غاضبة استحق كل هذه العقوبات على طالب سنة أولى في الجامعة، فماذا كان سيحكم هذا القاضي في قضية إهانة «إسرائيل» للسفير التركي عندما أجلسته على كرسيّ منخفض؟.

ربما لم يسمع هذا القاضي البريطاني تصريحات حاخامات «إسرائيليين» وصفوا فيها العرب بالقمل والصراصير، وأصدروا «فتاوى» تجيز قتل الأطفال العرب، ولم يقرأ التقارير عن القوانين العنصرية «الإسرائيلية» التي تتوالى تباعاً وتستهدف الفلسطينيين حتى الذين يحملون بطاقة «هويتها» في المناطق المحتلة عام 1948، ليس في مجال السياسة فحسب، إنما في المجالات الحياتية كالصحة والتعليم والخدمات وتراخيص البناء وموازنات المجالس المحلية.

هناك الكثير من الحالات في أوروبا، حوكم فيها أشخاص بتهمة إهانة اليهود، ونحن لا نوافق بطبيعة الحال على أن يشتم أتباع أية ديانة، ولا نتعاطف مع شخص يدان بمثل هذه السلوكيات، رغم أننا نعلم في الوقت ذاته أن في هذه المعاملة الخاصة مجاملة ل «إسرائيل»، أكثر مما هي دفاع عن ديانة.

ما بات واضحاً أن هناك حالة خلط متعمّدة في أوروبا بين إهانة يهودي بسبب ديانته، وهذه نرفضها، وانتقاد «إسرائيل» بسبب سياساتها وجرائمها، هذا الانتقاد أصبح في بعض وسائل إعلام أوروبا ومحاكمها وأكاديمياتها، يتسبب لصاحبه بتهمة اللاسامية، وهذه مشكلة كبيرة لأنها تنطوي على تشويه وتضليل وتشجيع على العنصرية.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 8 / 2165500

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

16 من الزوار الآن

2165500 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 13


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010