الاثنين 12 أيلول (سبتمبر) 2011

«إسرائيل» والربيع العربي : السلام يُصنع مع... المستبدين

الاثنين 12 أيلول (سبتمبر) 2011

في تحليل وقع اقتحام السفارة «الإسرائيلية» في القاهرة على «تل أبيب»، لا بد من التوقف أمام تصريحات وزير الخارجية «الإسرائيلي»، أفيغدور ليبرمان، تعليقاً على ما حصل. الرجل الذي قاد سياسة «القامة المنتصبة» منذ تسلمه رئاسة الدبلوماسية «الإسرائيلية» وسبّب، على خلفية ذلك، أزمات مستعصية مع أبرز حلفاء «إسرائيل» كالولايات المتحدة وتركيا، ودعا إلى قصف سد أسوان في مصر، حرص، غداة اقتحام السفارة، على التخفيف من وقع الحدث وتداعياته السياسية. وقال للقناة «الإسرائيلية» العاشرة: «لا أعتقد أن الأحداث في سفارة «إسرائيل» بمصر ستؤثر على العلاقات مع القاهرة. نحن مهتمون بالحفاظ على السلام مع مصر وتعزيزه».

كان يمكن من اعتاد المواقف النارية لرئيس حزب «إسرائيل بيتنا» الطامح إلى منافسة بنيامين نتنياهو على رئاسة معسكر اليمين «الإسرائيلي»، وتالياً على رئاسة الحكومة، أن يتوقع دخولاً حادّاً له على خط الأزمة الناشئة، وربما استخدامه لعباراتٍ لا تخلو من تحدٍّ في التعليق على الحدث. حمائمية ليبرمان الطارئة لا تعود على الأرجح إلى تغيّر في رؤيته السياسية لحل الصراع العربي «الإسرائيلي». الواضح أنه أدرك، خلافاً للعادة، حدود الغطرسة «الإسرائيلية» ومدى الضرر الذي يمكن أن يلحقُه تجاوز هذه الحدود في لحظة الحقيقة. وينطوي في لحظة الحقيقة هذه وجود اتفاقية كامب دافيد على كفة الميزان؛ الاتفاقية التي يتنافس «الإسرائيليون» في إيجاد التعبير المناسب لتوصيف عظيم شأنها. فهي «العمود الفقري للأمن القومي «الإسرائيلي» على مدى العقود الثلاثة الماضية»، وهي «حجر الزاوية في استقرار «الشرق الأوسط» بأسره»، وهي «الحدث الأهم في تاريخ «إسرائيل» منذ تأسيسها»، كما أنها «الذخر الاستراتيجي الأهم لـ «إسرائيل»».

شاهدت «إسرائيل» بالبثّ المباشر أولى نذر التهديد الذي يحيق بهذا الذخر، تهديد مصدره: الشعب المصري. ولـ «إسرائيل» مع الشعب المصري (والعربي عموماً) حكاية تختصرها مقولة يروّج لها وزير الدفاع «الإسرائيلي» السابق، موشيه آرنز، هي أن «السلام يُصنع مع... المستبدين». حقائق التاريخ السياسي الإقليمي لـ «إسرائيل» بأجمعها تدل على صحة هذه المقولة التي لا تعني شيئاً آخر غير أن هناك تحالفاً موضوعياً بين «إسرائيل» والأنظمة الديكتاتورية الإقليمية في مواجهة شعوب المنطقة ومصالحها، لحساب استقرار الأنظمة وأمن «إسرائيل». ويمكن هذا التحالف أن يكون معلناً ورسمياً (تركيا أيام حكم العسكر، وإيران أيام حكم الشاه، مصر والأردن بعد توقيع «كامب ديفيد» و«وادي عربة») أو خفياً وضمنياً (المغرب وتونس ودول خليجية).

من هنا يمكن المرء أن يفهم الرعدة التي انتابت فرائص «إسرائيل» مع بدايات الثورة المصرية والاضطراب الذي أصاب رؤيتها السياسية في حينه. فـ «تل أبيب» تعلم أن الشعب المصري الذي كان السبب الرئيس، وربما الأوحد، وراء بقاء السلام مع القاهرة بارداً طوال واحدٍ وثلاثين عاماً، عندما يحضر في الساحة، سيكون ذلك على حساب مصالحها التي سهر النظام على حراستها دون كلل طوال الأعوام نفسها. لذلك تحالف ساسة «إسرائيل» مع الصمت في الأيام الأولى للانتفاضة الشعبية في مصر، وعملوا في الخفاء مع الإدارة الأميركية على إجهاضها أو احتوائها. وقد أشارت تقارير صحافية «إسرائيلية» في حينه إلى نشوب خلاف بين «تل أبيب» وواشنطن على مقاربة الحدث المصري. فعلى مدى أسابيع حاولت «إسرائيل» إقناع الأميركيين بأولوية الاستقرار في مصر والحفاظ على اتفاق السلام، وبعد ذلك تأتي الإصلاحات والديموقراطية. لكن بعد وقوع الواقعة وسقوط الرئيس الذي «تألمت «إسرائيل» لمطالبة الشعب له بالرحيل» (على حدّ تعبير بنيامين بن إليعازر) انتقلت ماكينة الاستدراك «الإسرائيلية» للعمل على محورين:

الأول، إطلاق خطاب سياسي يرحّب بالتحول «الديموقراطي» في المنطقة، لكن بوصفه يسهم في: «السلام والازدهار والأمن»، وفقاً لبيان صدر عن مكتب رئيس الوزراء «الإسرائيلي»، بنيامين نتنياهو، في 23 شباط. ولم يفت هذا الخطاب الإكثار من التحذير من أن تنحو الثورة المصرية منحى النموذج الإيراني «الظلامي والإرهابي».

والثاني، العمل على تثبيت حكم العسكر في مصر انطلاقاً من رؤية سعت «إسرائيل» إلى تنسيقها مع الولايات المتحدة، وتقوم على دفع التحولات في مصر باتجاهٍ تؤول معه الأمور إلى نموذج حكم شبيه بما كان قائماً في تركيا، قبل صعود حزب العدالة والتنمية، أي خلال الحقبة التي كان الجيش فيها وصيّاً على الحياة السياسية في البلاد وموجّهاً لبوصلتها العامة.

بل إن الصحافة «الإسرائيلية» كشفت في حينه (يديعوت أحرونوت، 13 شباط) عن جهد بذله وزير الدفاع «الإسرائيلي»، إيهود باراك، لإقناع الإدارة الأميركية بعقد رهاناتها السياسية المستقبلية في مصر على الجيش الذي «جرى تدريب الآلاف من ضباطه في الولايات المتحدة». وكتبت «يديعوت» آنذاك أن الحكومة «الإسرائيلية» أصبحت «تنظر إلى الجيش المصري بوصفه ضمانة للاستقرار والسلام»، وأنها «تنظر إلى الجنرال طنطاوي، وزير الدفاع المصري، على أنه (حسني) مبارك الجديد»، في ظل غياب «شريك آخر» على الساحة المصرية.

والحقيقة أن الحراك السياسي «الإسرائيلي» حيال الساحة المصرية منذ اليوم التالي لسقوط مبارك يتركّز في معظمه على مدّ جسور العلاقات مع المجلس العسكري الحاكم وتوطيد العلاقات معه، انطلاقاً من الرهان على حلوله مكان الحليف المخلوع. وهذا الهدف بالتحديد هو الدافع الرئيس وراء الجولات المكوكية التي يجريها رئيس الدائرة السياسية الأمنية في وزارة الدفاع «الإسرائيلية»، عاموس جلعاد، إلى مصر خلال الشهور الأخيرة وبعناوين مختلفة. كذلك فإنه يقف في صلب دبلوماسية الهاتف، التي يدأب عليها كل من باراك ونتنياهو، في إطار العمل على بناء علاقة عمل متينة مع المشير طنطاوي.

أول من أمس، أثبتت هذه السياسة جدواها، من خلال المواقف والإجراءات التي اتخذها المجلس العسكري على خلفية حدث اقتحام السفارة. فالسلام، على أيّ حال، يُصنع مع المستبدين...ولا فرق في نوع البدلة التي يرتدونها.

- **المصدر : صحيفة «الأخبار» اللبنانية



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 10 / 2165494

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع المرصد  متابعة نشاط الموقع صحف وإعلام   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

11 من الزوار الآن

2165494 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 10


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010