الخميس 8 أيلول (سبتمبر) 2011

«اتفاقية كمب ديفيد» بين الاستمرار والإلغاء

الخميس 8 أيلول (سبتمبر) 2011 par د. فايز رشيد

من القضايا اللافتة للنظر: السرعة التي تتم بها رفع الشعارات المطالبة بإلغاء «اتفاقية كمب ديفيد» من قبل الجماهير المصرية، ففي أعقاب القتل «الإسرائيلي» لعناصر من الجيش المصري في طابا، احتدمت هذه الشعارات ورفعت في أيدي المحاصرين للسفارة «الإسرائيلية» في القاهرة أياماً متتالية. من جانب ثانٍ فإن المجلس العسكري الأعلى في مصر والذي يتسلم زمام الأمور، كان واضحاً في إعلانه فور تسلمه الحكم: بأنه حريص على الالتزام بالاتفاقيات الدولية التي وقعتها الحكومات المصرية السابقة. هذا النص طمأن الإدارة الأمريكية و«إسرائيل»، لكنه الاطمئنان المؤقت، فكل من البلدين يدرك مدى الرغبة الجماهيرية المصرية في إلغاء هذه الاتفاقيات المشؤومة، ولم يكن تفجير أنابيب الغاز الموصلة لهذه المادة إلى الدولة الصهيونية، أكثر من مرّة، إلاّ تعبيراً عن هذه الرغبة/الإرادة، كذلك هي عملية «إيلات»، وحصار السفارة «الإسرائيلية» في العاصمة المصرية.

الولايات المتحدة وحليفتها الاستراتيجية الأولى، تريدان حواراً استراتيجياً مع المجلس العسكري الأعلى في مصر، خلال المرحلة الراهنة لقطع الطريق مستقبلاً على أي رئيس أو مجلس شعب مصري يريد إلغاء المعاهدة، هذا ما تناولته الصحف المصرية مؤخراً، وعلّق عليه كثيرون من الكتّاب المصريين، وفي محاكمة موضوعية لمصير الاتفاقية على صعيد المستقبل يمكن قول ما يلي :

أولاً: إن أية نصوص قد يلتزم بها المجلس العسكري الأعلى المصري بالنسبة للحفاظ على فعالية هذه الاتفاقيات من خلال تقييد الرئيس المقبل أو مجلس الشعب الذي سينُتخب، بها، ليست ذات قيمة مطلقاً، فبإمكان الرئيس أو المجلس تجاوز هذه النصوص وإحالتها إلى استفتاء جماهيري، فالذي وافق على الدستور وبنوده ونصوصه هو الشعب المصري، وأمام الشعب لا توجد نصوص مقدّسة. من ناحية أخرى: فإن الشعب المصري عرف وسائل الضغط سواء على المجلس العسكري أو على الرئيس القادم وحتى على مجلس الشعب (شريطة التقاء واتفاق كافة قوى المعارضة المصرية على شعارات واحدة)، وليس باستطاعة أحد إعادة عجلة التاريخ إلى الوراء وتجاوز الديموقراطية من خلال ممارسة دكتاتورية جديدة.

ثانياً: إن المسلكية «الإسرائيلية» في التعامل مع ما يسمى بـ «اتفاقيات السلام» مع بعض الدول العربية، قائمة على الصلف والعنجهية والاستعلاء والنظر بدونية إلى الآخرين (الأغيار) من العرب، وتنطلق من محاولة الهيمنة والتفوق بحيث لا تُعطي لمطلق نظام عربي، إمكانية إقناع الجماهير العربية، بها، فمثلاً «إسرائيل» رفضت الاعتذار لمصر عن حادثة قتل الجنود، وإنما أعربت عن أسفها للحادثة، وجاء ذلك على لسان وزير الحرب إيهود باراك. إضافة إلى كل ذلك فإن أيّاً من مسارات وقنوات التفاوض العربية مع «إسرائيل» لم تؤد إلى اعتراف «إسرائيلي» بالحقوق العربية، وعشرين سنة من التفاوض مع السلطة الفلسطينية لم تؤد إلا إلى العبث والمزيد من التنكر للحقوق الوطنية الفلسطينية، وللمزيد من الاشتراطات «الإسرائيلية» الجديدة على الجانبين، كالاعتراف بـ «يهودية دولة إسرائيل» وهذا على سبيل المثال وليس الحصر، وذلك من أجل «سلام مقابل سلام» وليس سلاماً مقابل الأرض.

ثالثاً: إن ضغوطاً أمريكية وأوروبية و«إسرائيلية» هائلة مورست (وفقاً لأنباء ومصادر إعلامية عديدة) على المجلس العسكري المصري، وما تزال تُمارس، من أجل التمسك بـ «اتفاقيات كمب ديفيد»، والمحافظة عليها مصرياً. بالطبع هذه الضغوطات مرتبطة بمساعدات مالية وأخرى عسكرية وأخرى عينية تقدم سنوياً لمصر وبخاصة من الإدارة الأمريكية، التي حرصت على ضمان التفوق العسكري «الإسرائيلي» على مصر تحديداً، وعلى الدول العربية عموماً، بمعنى آخر فإن إلغاء الاتفاقية من قبل المجلس العسكري أو الرئيس المنتخب القادم سيفتح على مصر نيران كثيرة: استمرار الضغوطات من جهة، قطع المساعدات من جهة أخرى، محاربة سياسية ودبلوماسية كبيرة لمصر على الصعيد الدولي، تخصيص ميزانية جديدة للأسلحة في مصر لمحاولة موازاة الآلة العسكرية «الإسرائيلية»، وغيرها من القضايا الشبيهة الأخرى. وحتمن أجل الإلغاء لهذه الاتفاقية المذِلّة، لا بد من توفر عناصر صمود واكتفاء اقتصادي وسلعي ذاتي في مصر، وتحقيق هذه الأهداف مرهون بإدارة الحكم القادم، ومدى صلابته في الوقوف والصمود أمام ضغوطات هائلة ستمارس عليه. نعم وبالاستناد إلى الشعب المصري والأمة العربية ومحاربة الفساد والفاسدين، وامتلاك المقدرات الكثيرة الضائعة بين أيدي حفنة من الرأسماليين والكمبرادور، يستطيع أي نظام مصري قادم إلغاء هذه الاتفاقية ومن دون خوف.

رابعاً: إن مصر هي الدولة العربية الأكبر والأقوى ومقولة: لا سلام بدون مصر ولا حرب بدونها أيضاً، هي مقولة صحيحة إلى حدٍّ كبير. إن ما جرى في مصر من تغيير نوعي بحاجة إلى استكمال منجزاته، فقوى الشد العكسي ما تزال فاعلة، وما زالت تحاول إعادة مصر إلى الحضن الأمريكي - «الإسرائيلي». الانتصار على كل هذه القوى يتم بوحدة شعارات المعارضة، واصطفافها في جبهة واحدة.. كل ذلك سيعمل على تجذير هذا التغيير ويحوله إلى انتصار نهائي، ليس على صعيد مصر فحسب وإنما على الصعيد العربي أيضاً، سواء أكان ذلك في تجذير انتصارات قوى الثورة في بلدانها، أو في دول الإرهاصات الثورية العربية، والأخيرة والحالة هذه عامل شديد الأهمية للعمل على مزيد من الإنهاض للحالة الثورية العربية، باعتبارها الخلفية الضرورية ليس لإلغاء «اتفاقية كمب ديفيد» المشؤومة وحدها، وإنما لإلغاء كل الاتفاقيات العربية «الإسرائيلية» الأخرى، فالصراع في المنطقة وفقاً للعوامل السابقة ولعوامل أخرى : عائد بالضرورة إلى مربعه الأول، فـ «إسرائيل» مرتبطة منذ وجودها بالعدوان، وهي لن تتجاوز هذه السمة ما دامت موجودة كدولة على الأرض. بالتالي فمن المنطقي إلغاء «اتفاقية كمب ديفيد» وذلك بالمعنى الاستراتيجي، غير أن إمكانية إلغائها على المدى القريب المنظور مرتبطة بتحقيق الكثير من العوامل، والتي هي غير موجودة حالياً، للأسف وتحقيقها بحاجة إلى جهود كبيرة، وأنوية هذه الجهود قائمة. المهم : الإمساك بها وتطويرها واتخاذها عناوين سياسية رئيسية، وفيها تكامل كبير بين الخاص الوطني والعام القومي، فهذان العاملان هما ضمانة كبيرة من أجل الانتصار.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 58 / 2165851

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

20 من الزوار الآن

2165851 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 13


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010