ليت أن شيئاً من الربيع العربي كان فلسطينياً، ولو بالقليل من الزهور.
الشعب يريد الشعب ..
الشعب يريد إسقاط «إسرائيل».
الشعب لا يريد دولة أكبر بقليل من مقاطعة، ولا دولة أصغر من فكرة، وكان محمود درويش يقول «ما أوسع الفكرة .. ما أصغر الدولة»، مع ذلك ما زال بعض صنّاع الخطاب السياسي الفلسطيني ينخلّون الماء.
العدمية والعبث ليسا تيارين فكريين أو وجوديين، اخترعهما الفلاسفة والشعراء فقط، بل هناك من السياسيين من هو عدمي بالكامل وعبثي أو «عابث» بالكامل أيضاً، والبعض حالم سياسي، وآخرون رومانسيون سياسيون، وهناك طفولة ومراهقة سياسيتان أيضاً، وهي أوصاف تنطبق على الفنون، لكن كارثية هذه التوصيفات في الحقل السياسي أكثر بؤساً وأكبر دماراً، ليس على الإنسان فقط، بل على تاريخ الإنسان ومستقبله.
قبل عقود كان الفلسطيني يركض وراء السراب ظناً منه أن الرقعة المتلألئة من بعيد هي صفحة ماء، «أي السلام»، ولكن القوي لا يعطيك الماء والخبز والطمأنينة إلا إذا كنت قوياً مثله، على الأقل، كي تكون رواية الماء والسلام رواية واقعية، أو على الأقل ليست من قبيل العدم والعبث.
اليوم، ومن قلب الربيع العربي، ثمة خريف لا يحبّه لا السياسيون ولا الشعراء، خريف ساطع البياض وساطع الوضوح، حيث تتساقط أوراق العنب عن الأشجار وعن الأجساد معاً.
إنه «خريف البطريرك» الذي زالت عنه ومنه هيبة «الثائر» الذي استبدل ثياب الخندق بربطة عنق، وخرج عن النص الواقعي ليذهب إلى النص المتخيل.
ولكن لماذا كل هذه السوداوية؟ فالمخيلة واقعية أحياناً والحلم أقصر الطرق إلى الفردوس المفقود.
عبدالناصر، تيتو، غاندي، هوتشي منه، جيفارا، وحتى لوركا والمتنبي وأراغون وبورخيس وغيرهم المئات «من زرد ظهر الحياة» .. ألم يكونوا حالمين كباراً؟
كانوا حالمين تماماً، ولكنهم أكثر من ذلك كانوا واقعيين حتى قرص الشمس، لذا لم يكونوا يغطّون الشموس بالغرابيل، ولم يكونوا يحلبون الغيوم لتهطل على الرمل ماء فراتاً.
ليت أن شيئاً من الخريف العربي لم يكن فلسطينياً .. فالشعب يريد الحياة.
الشعب يريد رمي منخل الماء على قارعة الطريق.