الثلاثاء 6 أيلول (سبتمبر) 2011

مصر والمهمات الأهم

الثلاثاء 6 أيلول (سبتمبر) 2011 par أمجد عرار

الثورة نتيجة لسبب ويجب أن تتحوّل إلى سبب لنتيجة، فإذا اكتفت بأن تكون نتيجة ولم تتحول سبباً لنتائج جديدة ووسيلة لغاية تطويرية، فإنها ستكون مجرد تغيير قد يكون سلبياً. إنها نتيجة تراكم كمي لنضال الشعب لبناء مستقبل أفضل. وحده قصير النظر من يعتقد أن الفقر أو الجوع أو الظلم أو الفساد أو الاستعمار، أياً منها يصنع وحده ثورة، فهي إما نتيجة لهذه كلها أو لغالبيتها. عندما يكون الفقر عاماً وشاملاً لا يولّد أي شعور خاص يدفع للثورة، لكنّه إذا ترافق مع الفساد وغياب العدل يدفع مع عوامل أخرى ومسار زمني لإنضاج التراكمات بانتظار اللحظة المناسبة للتغيرات النوعية.

الكرامة الوطنية والقومية لا تقل أهمية عن رغيف الخبز، أو كما قال عنترة: بل فاسقني بالعز كأس الحنظل . ليس مجرد صدفة، والحالة هذه، أننا كنا نرى في التظاهرات المصرية التي سبقت ثورة 25 يناير أو التي تخلّلتها، صور للزعيم الخالد جمال عبدالناصر مكتوبة عليها كلمة «الكرامة»، الكلمة التي كانت تعبيراً عن أهم ما كان ينقص الشعب المصري، ووراءه الأمة العربية. في زمن عبدالناصر كان الفقر موجوداً وكذلك الفساد وقمع الأجهزة، وكانت أجزاء من الأرض العربية محتلة وما زالت، لكن كانت هناك مشاعر عزة وكرامة لأن روح الكفاح كانت متوهّجة، ولم يكن هناك مكان لليأس والشعور بالهزيمة رغم ما جرى في يونيو/حزيران 1967.

من هنا تأتي أهمية الشق الثاني للمقولة، أي أن الثورة الناتجة عن أسباب هي أيضاً أسباب لنتائج. هذه النتائج لن تكون فورية بل تحتاج إلى وقت للنضوج وتوفير مقوّمات استكمال المهمات التحررية.

ثورة 25 يناير بطابعها الشعبي السلمي والحضاري أنجزت قسماً كبيراً من المهمة بتغيير رأس هرم النظام، وها هي تواصل استكمال المهمات الأشد صعوبة، وأهمها تنظيف المكان للبناء الجديد، والاستعادة الكاملة لدور مصر القيادي والفاعل وتكريس استقلال أعرق بلد في التاريخ، وهنا يكمن الاختبار الحقيقي للثورة.

عندما تخبرنا التقارير بأن الولايات المتحدة تضغط على مصر للإفراج عن الجاسوس «الإسرائيلي» إيلان غرابيل الذي قبض عليه في مصر متلبساً بإثارة الفتنة الطائفية، وهي أخطر وأحقر مهمة تدميرية في إطار الثورة المضادة، فإننا أمام وضع يضع شباب الثورة والشعب المصري أمام تحد لا يقل خطورة عن الوضع السابق، سيما وأن الضغوط الأمريكية مترافقة مع محاولة استخدام المعونة العسكرية والاستثمارات للضغط ولابتزاز مصر، مع التلويح بقطعها إذا لم يتم الإفراج عن جاسوس الفتنة.

هذه الضغوط المترافقة مع الابتزاز تمثّل الشكل الأشد سفوراً للتدخل في الشؤون الداخلية، ومحاولة لإبقاء علاقة التبعية التي كانت قائمة. أمريكا ترفض منذ ثلاثة عقود الإفراج عن الجاسوس «الإسرائيلي» جوناثان بولارد المعتقل في سجونها، علماً بأن مهمته كانت نقل معلومات ربما لم يكن من شأنها إيذاء أحد، في حين أن جاسوس الفتنة «الإسرائيلي»، ربما كان سبباً في وقوع ضحايا للفتن التي أثارها قبل اعتقاله.

المسألة في ذهن واشنطن ليست متعلّقة بشخص حتى لو كان «إسرائيلياً» بل بالهدف الأهم، وهو اختبار قدرة مصر الجديدة على مواجهة الابتزاز وشق طريق الاستقلال وحفظ الكرامة الوطنية التي حققها أبناء مصر وشهداؤها وجرحاها بكفاحهم الممهور بالدم. عندما تعود المعونة المشروطة والاستثمارات المسمومة، سبباً للارتهان لأية جهة خارجية، فكأنك يا أبو زيد ما غزيت.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 9 / 2176725

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

8 من الزوار الآن

2176725 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 8


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40