الأحد 28 آب (أغسطس) 2011

القدس وحريق الأقصى

الأحد 28 آب (أغسطس) 2011 par أمجد عرار

في كلمته أمام مؤتمر مدريد الذي سمّوه مؤتمراً للسلام، بدأ إسحاق شامير كلامه بالكذبة الكبرى قائلاً إنه قادم من القدس «عاصمة الشعب اليهودي منذ خمسة آلاف عام». وعندما وقّع إسحاق رابين اتفاق أوسلو قال في باحة البيت الأبيض إنه قادم من القدس العاصمة الموحّدة لـ «إسرائيل». وعندما وقّع اتفاقية القاهرة، تعمّد التوقيع بقلم مهترئ بائس، أصّر البعض على أن الأمر كان عادياً. وكان من بيننا، نحن الفلسطينيين والعرب، من يقول: دعوهم يقولوا ما يشاؤون، فهناك عملية سلام قائمة على «الشرعية الدولية»، وما يقوم على الخريطة سيقوم على الأرض. مضت تلك العملية بما يشبه الفصول المسرحية، وتبيّن مع كل فصل أن «إسرائيل» لا تفعل شيئاً من قبيل المصادفة، ولا تقول شيئاً على سبيل التسلية، ولا هي تعلّمت منا، نحن العرب، أسلوب الكلام لرفع العتب. ففي هذه الأيام تمر الذكرى الثانية والأربعون لإحراق المسجد الأقصى، لكن العرب أنظمة وشعوباً وإعلاماً مرّوا عليها وكأن حريقاً لم يقع، أو كأن النار التي كانت برداً وسلاماً على إبراهيم، لم تستهدف أولى القبلتين وثالث الحرمين.

عندما طلع الصباح التالي للجريمة، قال قادة «إسرائيل» إن كيانهم باق ولا خطر عليه، فإذا لم يتحرّكوا دفاعاً عن القدس والأقصى، فما الذي يدفعهم إلى التحرك بعد ذلك؟. لقد قال أحدهم إنه كان يلملم أمتعته للهرب، إلى أن تبيّن له أن العرب سبقوه وهربوا من مسؤولياتهم الدينية والقومية والإنسانية والأخلاقية.

لكن الحريق الذي خمد ظاهرياً بقي مشتعلاً تحت رماد التهويد والاحتلال والاستيطان والقتل البطيء لروح القضية كلها، ببعديها القومي والديني، وببعديها الإنساني والأخلاقي، وبطابعها الصراعي التناحري، لتحويلها إلى تفصيلية صغيرة في خلاف بين «أولاد العم» يسوى بالحوار والتفاوض والكلمة الطيبة والإعلام التطبيعي الأنعم من ريش النعام.

منذ الحريق الإجرامي، تواصل «إسرائيل» ذبح القدس على مسمع ومرأى من أكثر من مليار مسلم وأكثر من ثلاثمئة مليون عربي. أصبح عدد المستوطنين أكثر من عدد المقدسيين، والفرق آخذ بالازدياد، لأن الاحتلال يدمّر منازل الفلسطينيين ولا يسمح لهم بالبناء ولا حتى ترميم ما يحتاج إلى ترميم. الاحتلال يضيّق الخناق على المقدسيين، يحاربهم في مسكنهم ولقمة عيشهم وزواج أبنائهم، ويفرض عليهم ضرائب باهظة، ويجرّدهم من بطاقة هوياتهم، لترحيلهم من مدينتهم وإسكان مستوطنين مستوردين من شتى بقاع الأرض. أما المسجد الأقصى، فالحفريات تحته حوّلته إلى مبنى معلّق في الهواء، أي زلزال بدرجة واحدة على مقياس ريختر، أو تحليق لطائرة تخترق حاجز الصوت، سيهوي من دون أن يخترق العرب حاجز الصمت.

طوال السنوات الاثنتين والأربعين، لم يتوقّف الاحتلال عن استغلال سبات العرب، ولن نذهب بعيداً مع الذاهبين على القول بموت العرب، فالأمم تنام ولا تموت، تخطف عقولها الضباع وتقودها إلى مغائرها وعلى المداخل تصطدم الرؤوس بأعلى الصخر فيصحو المضبوعون.

لقد نشأنا على مقولة عربية صمّت آذاننا تقول إن «فلسطين هي القضية المركزية» للأمة العربية وكبرنا عليها، لكن تبيّن أن «إسرائيل» كبرت أكثر وزادت سخريتها من الأمة ومقولاتها، وضحكت علينا لدرجة أننا تمنينا أن يزيد هوان العرب وضعفهم ويبدوا في شكل مضحك أكثر لكي ترتفع ضحكات «إسرائيل» عليهم أعلى فأعلى إلى أن تموت من الضحك، وننتهي منها وتتحرر فلسطين.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 8 / 2165638

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

19 من الزوار الآن

2165638 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 16


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010